يتوسع كوننا بمعدل متسارع بشكل دائم، ظل سبب هذا الاتساع محيرًا للعلماء، سواءً بشأن ماهيته أو قوته أو ما يمكن أن يفعله.

يمكن تفسير ظاهرة الاتساع بعدة احتمالات، الاحتمال الأول هو خلل في الجاذبية على المستوى الكوني، إذ من المعروف أن قوة الجاذبية تقرب الأجسام بعضها من بعض، لكن لسبب ما يمكن للجاذبية أن تتصرف بغرابة على المقاييس الكونية.

الاحتمال الثاني خلق نوع من الضغط السلبي ناتج من حركة الفراغ المطلق. لم يفسر العلماء بعد قوة الضغط السلبي بدقة، لكنها نوع من القوى التي تؤدي إلى اتساع الكون بشكل سريع جدًا.

يُستخدم مصطلح الطاقة المظلمة وصفًا مؤقتًا للقوة الغامضة التي تسبب توسع الكون بتسارع، يثير غموض مفهوم الطاقة المظلمة الكثير من التكهنات والنظريات حول ماهيتها، لكن -تشبيهًا أوليًا- يمكن وصفها بأنها شبح غامض يتحرك في ظلال كوننا الواسع.

اقترح نامان كومار، طالب الدكتوراه في المعهد الهندي للتكنولوجيا، بعض الأفكار الجديدة التي تفسر سبب اتساع الكون، أوجزها في أوراقه البحثية المنشورة حديثًا، ينص أحد اقتراحاته على أن كوننا ليس وحيدًا كما نظن، إذ إن احتمالية وجود أكوان أخرى أمر قائم.

إذا عدنا بالزمن إلى الوراء، تحديدًا إلى فترة ما بعد الانفجار العظيم، سنصل إلى نقطة كانت فيها كل أشكال المادة محصورة ومركزة في حالة من السخونة والكثافة، ومحتوية على جسيمات دون ذرية. هذه الجسيمات ظلت في حركة دائمة، مع القدرة على تشكيل الذرات والجزيئات اللازمة لتشكيل النجوم والكواكب وكل شيء آخر في الكون، كانت تلك المادة نابضة بالحياة ومليئة بالقدرات.

حتى مع وجود نظريتي ميكانيكا الكم والنسبية العامة، اللتان نعتمد عليهما اعتمادًا كاملًا في فهم كوننا، لم نتمكن حتى الآن من فهم وتفسير ما حدث قبل الانفجار العظيم وما حدث بعده مباشرةً بدقة، لذلك نحتاج إلى نظرية جديدة تجمع بين النظريتين الأساسيتين، لكن مع الأسف لا يمكن للجمع بين النظريتين أن يقدم أي نتيجة مفيدة على المقاييس الكونية المعقدة، لذا يُفضل استحداث نظرية جديدة مقنعة وذات نتائج مفهومة وصحيحة، أو أن نتوصل إلى طريقة تفيدنا في الجمع بين النظريتين السابقتين منطقيًا.

يقترح كومار في نماذجه أن توسع الكون والظواهر الأخرى قد تُفسَّر بعملية مستمدة من ميكانيكا الكم، تحديدًا من مفهوم يُسمى «توليد المادة من خلال العمليات الكمية». في ظروف معينة، يمكن للجسيمات الافتراضية، وهي جسيمات تظهر وتختفي تلقائيًا، أن تظهر في الوجود. غالبًا ما تتشكل هذه الجسيمات على شكل أزواج متشابكة، إذ يكون أحد الأزواج جسيمًا من المادة والآخر نظيرًا له من المادة المضادة، وهما مرتبطان ارتباطًا كبيرًا في خصائصهما وسلوكهما.

قد يكون هذان الجسيمان بوزيترون وإلكترون، أو كوارك ساحر وكوارك مضاد للساحر. الكواركات هي حجر الأساس لتشكيل المادة، إذ تتحد بطرق مختلفة لتكوين البروتونات والنيوترونات والجسيمات الأخرى، والكوارك شارم هو نوع من الجسيمات الأولية، وهو أحد أنماط الكواركات الستة.

وفقًا لكومار، يمكن تطبيق هذا النموذج ومن ثم افتراض أن لكوننا كونًا مضادًا.

سابقًا، أُخذت فكرة الأكوان المتعددة في الحسبان، فهي ليست نظرية حديثة، إذ تقدم تفسيرًا لملاءمة الكون لوجودنا.

قدّم الفيزيائيون لاثام بويل وكيران فين ونيل توروك من معهد بيريميتر للفيزياء النظرية في كندا، قبل عدة سنوات، اقتراحات مشابهة لأفكار كومار.

اقترح الباحثون أفكارًا بديلة للنظرية التقليدية حول كيفية تطور كوننا، أي بدلًا من الاعتماد على فكرة التضخم السريع الذي حدث بعد الانفجار العظيم، جاؤوا بأفكار جديدة مفادها أن لكوننا كونًا توأمًا يسير عكس زمن كوننا. يتطابق كوننا مع توأمه بالكامل، لكن بجسيمات معكوسة وشحنات مقلوبة، ما يعني أن الكونين مرتبطان معًا تمامًا، ويفسر وجود الكون الموازي لكوننا العديد من الألغاز المتعلقة بأصول كوننا الحالي وخصائصه.

يعتمد نموذج كومار على مفهوم من نظرية المعلومات الكمية يُعرف باسم الأنتروبيا النسبية، وهي مقياس يحدد الفروق في التوزيعات الاحتمالية بين نظامين غير متماثلين. في هذا السياق، قد ينطبق هذا المفهوم على كونين متصلين عند نقطة زمنية معينة. يساعد هذا المفهوم على فهم كيفية اختلاف الأكوان عن بعضها من حيث خصائصها الأساسية.

إذا كانت نظريات وجود توأم لكوننا صحيحة، سيكون هذا التوأم معكوسًا في الزمن، وفي الشحنات الكهربائية، ومقيدًا بشروط الطاقة ذاتها التي تقيد كوننا وفقًا لنظرية النسبية العامة. على هذا، فإن الطاقة في كل من الكونين -كوننا وتوأمه- ستمثل نصف قطر يتسع سريعًا، ما يعني أن كلا الكونين يتوسع بمرور الوقت.

بذلك وُضعت فرضية جديدة، دون الحاجة إلى اعتماد الطاقة المظلمة تفسيرًا لتوسع الكون.

يتضمن الاقتراح الثاني لكومار مفهومًا نظريًا يُعرف باسم «البرانز»، وهي حدود أو أسطح ضمن فضاء ذي أبعاد أعلى. وفقًا لهذه النظرية، من خلال تعديل «التوتر» في هذه البرانز «القوى أو الضغوط على حدودها»، يمكن التأثير في كيفية تصرف الزمكان. تحديدًا، يقترح كومار أنّ تغيير التوتر قد يؤدي إلى تسريع توسع الزمكان، ما قد يفسر تسارع توسع الكون الملاحظ دون الحاجة إلى اعتماد الطاقة المظلمة.

اقتراح مفاهيم مثل الأبعاد الإضافية والأكوان الموازية أو المرآتية لشرح توسع الكون قد يبدو معقدًا تعقيدًا مبالغًا فيه. مع ذلك، تعكس هذه المقاربة الوضع الحالي لعلم الكونيات، إذ قد لا تكون التفسيرات التقليدية كافية للتعامل مع الظواهر المرصودة. مع تطور فهمنا للكون، قد نحتاج إلى النظر في أفكار غير تقليدية لحل الألغاز العلمية.

حتى النظريات الأغرب قد توفر دلائل أو رؤى قد تكشف عن وجود جزيئات وقوى تعمل في المجالات غير المستكشفة، إذ تتقاطع النسبية العامة والفيزياء الكمية. قد تكشف هذه النظريات أيضًا عن جوانب جديدة من الواقع لم نكتشفها أو نفهمها بعد.

وفقًا لكومار، إذا كانت النسبية العامة دقيقة، فيجب علينا قبول وجود المادة المظلمة والطاقة المظلمة بوصفها عناصر حقيقية، وإن كانت غامضة. إذا لم تكن هذه المكونات حقيقية، فقد يكون كوننا جزءًا من مجموعة من الأكوان المتعددة ذات الأبعاد الأعلى، ما قد يقدم تفسيرًا مختلفًا للظواهر التي ننسبها إلى المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

اقرأ أيضًا:

ما الذي أشعل الأضواء في الفراغ المظلم عند تشكّل الكون؟

الجسيمات الشبحية قد تحمل سر تشكل أثقل العناصر في الكون

ترجمة: آية شميس

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر