على الرغم من تأصل فكرة نظام “المدرسة” كأنسب صيغة عالمية لتداول المعرفة بين الأجيال، إلا أن العديد من العلماء والمختصين مازالوا يتساءلون حول سلامة المعايير المدرسية وفاعليتها في تحقيق الأهداف التعليمية، كمحاولة للإجابة على السؤال الذي يجب إعادته بين فترة وأخرى: هل يتفق العلم اليوم مع أساليبنا المدرسية في التعليم؟
أولًا: ساعة الاستيقاظ
نجحت مجموعة تطلق على نفسها Start School Later بإقناع الكثير من المدارس الأمريكية بأهمية تأخير وقت ابتداء الدوام، وقد تنوعت استجابة هذه المدارس بتأجيل قرع الجرس الأول ما بين الساعة 7:55 ،8:30 ، 8:45، و9:00 بحسب كل مدرسة.
يعود أساس فكرة تأخير الدوام المدرسي إلى هدف منح الطلاب وقت أطول للنوم وتناول الإفطار مع الأسرة، دون الحاجة لخلق أي توتر منذ الصباح الباكر، ويؤيد هذه الفكرة العديد من أبحاث علم النوم التي تبين أن المراهقين هم الفئة الأقل نومًا في المجتمع عمومًا، ومنحهم المزيد من الراحة سيساهم بتحسين أدائهم في المدرسة.
وقد تم قياس أثر هذه الفكرة بعد نهاية عام دراسي كامل من تطبيقها، تشير النتائج إلى أن معدلات الحضور والتخرج ارتفعت في المدارس التي دفعت بأوقات دوامها إلى ساعة متأخرة.
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
ثانيًا: الجلوس الطويل
بعدما تزايدت في العقد الماضي نسب الطلاب الذين تم تشخيصهم على أنهم مصابون باضطرابات فرط الحركة ونقص الانتباه، تنبه أنجيلا هانسكوم، أخصائية الأطفال في نيو إنجلاند، إلى أن هناك تفسيرًا مختلفًا لتزايد هذا التشخيص، ألا وهو: الجلوس الطويل الذي يُفرض على الصغار وعدم حصولهم على الحركة الكافية خلال اليوم الدراسي.
في دراسة لأستاذ علم النفس من جامعة مينسوتا، أنتوني بليغريني، نشرها في كتاب “Recess”، لاحظ أن تكرار فترات الراحة بين الحصص الدراسية يجعل الطلاب أكثر انتباهًا داخل الفصل، مستشهدًا بأسلوب المدرسة الفنلندية في توزيع الأوقات المستقطعة خلال اليوم الدراسي، بواقع 15 دقيقةً حرةً لكل 45 دقيقةً دراسيةً، وذلك لاعتقاد الإدارة التعليمية في فنلندا أن منح الطالب استراحات حرة للحركة واللعب هو أمر أساسي لمساعدته على التعلم بشكل أفضل، بينما حرمانه من ذلك سيؤدي إلى عواقب نفسية وتعليمية غير محمودة.
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
ثالثًا: التلقين
كلما تنوعت الأساليب التدريسية أكثر زادت نسبة نجاح الطلاب، وكلما كانت المحاضرت تقليديةً أكثر زادت نسبة فشلهم.
قام سكوت فريمان، أستاذ الأحياء من جامعة واشنطن في سياتل بتحليل 225 دراسةً متعلقةً بأساليب المحاضرة والتدريس، وخرج بنتيجة مفادها أن الأنشطة الجماعية أثناء المحاضرة تجعل الطلاب أكثر فاعليةً في التلقي؛ تحولوا بسببها من مستمعين سلبيين إلى مشاركين نشطين.
يصف فريمان أسلوب تلقين المحاضرات هذه الأيام بأنه يشبه الأسلوب الذي كان سائدًا عام 1050 ميلادية عندما بدأت تظهر الجامعات في أوروبا.
ويؤيده بذلك إريك مازور، أستاذ الفيزياء بجامعة هارفارد، الذي ظل لمدة 27 سنةً يشن حملةً ضد أساليب التدريس التقليدية لعدم فاعليتها في التعليم.
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
رابعًا: الواجبات المنزلية
يبدو أن طلاب المراحل الثانوية ليسوا فقط الذين يعانون من كثرة الواجبات المنزلية، هذه الواجبات بدأت تتسلل حتى لمرحلة رياض الأطفال، على الرغم من توصية المجلة الأمريكية للعلاج الأسري بضرورة عدم تكليفهم بأي شيء على الإطلاق.
دراسة للدكتورة دينيس بوب، أستاذة التربية بجامعة ستانفورد، شملت أكثر من 4300 طالب في كاليفورنيا، تشير إلى أن معظم الطلاب بدأت تتلاشى قدراتهم على ممارسة نشاطاتهم وهواياتهم المحببة، ولم يعد لديهم الوقت الكافي للخروج مع أسرهم أو زيارة أقاربهم والتجول مع أصدقائهم، والسبب يكمن في كثافة الواجبات المنزلية التي أصبحت عائقًا أمام اكتساب حتى المهارات الحياتية اللازمة.
أما على الآثار الصحية، فأكثر من 80% من الطلاب أفادوا بأنهم عانوا مرةً من أعراض: الصداع، الإرهاق، قلة النوم، آلام المعدة، وفقدان الوزن بسبب كثرة المتطلبات الدراسية.
تؤكد ذلك دراسة مماثلة في جامعة نيويورك، تقول أن أكثر من ثلثي الطلاب يتعاطون الكحول والمخدرات بحجة التعامل مع إجهادهم المدرسي.
لقد بادر بعض الآباء باتخاذ قرار ذاتي يعفي أطفالهم من القيام بأي مهمة مدرسية داخل المنزل، كوقاية لهم من هذه الأعراض.
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
خامسًا: الدراسة النظرية
هناك مهارات عملية وقيم سلوكية يجب أن يتم تضمين تدريسها مع المواد النظرية، ولا تقل أهميةً عن تعليم القراءة، الكتابة، والرياضيات.
هذا ما توصل إليه ستيفن إيليوت، الكاتب والمحاضر من جامعة فاندربيلت.
إن المدرسين مطالبون بتدريس هذه السلوكيات والمهارات جنبًا إلى جنب مع المواد الأكاديمية الأخرى، إذ تكمن فائدتها في توفير وقت أكثر للتعلم، مع قدرتها على مساعدة الطالب للفهم بشكل أفضل.
واستنادًا إلى استطلاع شمل أكثر من 8000 معلم، ضمن إيليوت في كتابه: The Social Skills Improvement System
10 مهارات اجتماعية، على المعلمين أن يدرسوها لطلابهم لتساعدهم في سير العملية التعليمية بشكل أفضل:
- انصت للآخرين
- اتبع الخطوات
- احترم القوانين
- تجاهل ما يشتت الانتباه
- اطلب المساعدة
- تناوب الأدوار أثناء الحديث
- تعايش مع الآخرين
- حافظ على هدوئك مع الآخرين
- كن مسؤولًا عن سلوكك
- كن لطيفًا مع الآخرين
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
سادسًا: الاختبارات
قلق الاختبار يؤثر بشكل واضح على أداء الطلبة في المملكة المتحدة، هذا ما تشير إليه خدمة Childline التي تقدم الاستشارات النفسية لأي شخص يقل عمره عن 19 عامًا، إذ تصرح أنها استقبلت عبر خطوطها الساخنة أكثر من 3000 طلب مساعدة خاصة بمسألة الاختبارات المدرسية، وبدا أنها مشكلة متنامية بشكل ملحوظ مقارنةً بما استقبلته هذه الخدمة في العامين الدراسيين السابقين 2015/2016.
وفقًا لما يعبر عنه الطلاب المتصلون، فإن جل معاناتهم تتمحور حول شعورهم بالتوتر والقلق من جراء الأعباء المتراكمة على كاهلهم أيام الاختبارات.
وحين سئل مدراء المدارس في إنجلترا عما إذا كانوا قلقين على الصحة العقلية لطلابهم في مواسم الاختبارات، أقر 81% منهم بشأن هذا القلق، بينما لاحظ 78% منهم زيادةً في نوبات الذعر بين تلاميذهم خلال هذه الفترة.
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
سابعًا: الحفظ
عندما ظهرت الآلات الحاسبة في الماضي، بدأ القلق يعتري المعلمين وأولياء الأمور ما إذا كان الطلاب سيفقدون مهاراتهم في الحساب عن طريق الورقة والقلم، ولكن ما حدث بعد أجيال، أن تلك الآلات صار مسموحًا بها تقريبًا للاستخدام الدراسي، بل من الصعب التخلي عنها أيضًا.
ينطبق ذلك على الأجهزة الذكية اليوم، والتي تعتبر نقطة تحول في التاريخ فقد أصبحت حيازتها مسألةً طبيعيةً عند الطلاب، مع قدرتها على توفير المعلومات المطلوبة بشكل آني وبنقرة واحدة.
الأجهزة الذكية، تمنحنا الفرصة لإعادة النظر بأسلوب “الحفظ” عمومًا، إذ لم يعد هناك حاجة لتكليف طلاب المدرسة بحفظ الحقائق عن ظهر قلب طالما وُجد لديهم مايسعفهم بأداء هذه المهمة.
علينا استغلال وقت التعليم لتدريس المفاهيم الأكثر أهميةً، وحل المشكلات الأكثر صعوبةً، مع تطوير مهارات وأساسيات التفكير لدى التلاميذ، مثل: التحليل، المنطق، التفسير، التفكير الإبداعي، وإيجاد الحلول.
لتفاصيل أكثر انظر المصدر
- ترجمة: أحمد المشاري
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: تسنيم المنجّد