إن كنت تتساءل كسائر الآباء: هل يتقلب الجنين ويركل ويلكم؟ ماذا يحدث داخل الرحم بالضبط؟ فالعلماء لديهم فضول تجاه ذلك أيضًا، لذا درسوا سلوك الجنين في الرحم على مدار عقود. وبفضل التطورات التكنولوجية، ازدادت معرفة ما يحدث في الرحم، بل وبوسعنا الآن إجابة السؤال: هل يبكي الجنين داخل الرحم؟
الإجابة هي: من الممكن ذلك ولكن ليس بالطريقة التي تتصورها؛ فلسماع البكاء الحقيقي للأطفال مكتملي النضج، يجب أن تنتظر وصولهم في غرفة الولادة أو بعد ذلك بفترة قصيرة عندما تحاول أخذ قسط من النوم عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ولكن حتى ذلك الحين، يستطيع الجنين أن يستفيد من صوتك الهادئ وأن يتأثر به أو حتى أن يحاكيه. فلنُلقِ نظرة على ما يحدث في الرحم ولا يمكنك سماعه أو رؤيته.
الدليل على أن الأجنة تبكي داخل الرحم
لفهم حقيقة بكاء الأجنة داخل الرحم يجب أن ننظر إلى ما يحدث في أثناء سلوك البكاء، وليس فقط خصائص الصوت. فلا يمكن سماع الأجنة تبكي حتى تكون على تماس مع الهواء بدلًا من السائل، ولذلك، اعتمد العلماء على دراسة السلوكيات الفيزيائية المعقدة والاستجابات التي تسبب البكاء.
في عام 2005، أجرى باحثون في نيوزيلندا إحدى أكثر الدراسات المؤثرة في فهم بكاء الأجنة في الرحم، وعرضوا فيديو التُقط بالأمواج فوق الصوتية لما عدوه بكاء الأجنة. فقسموا البكاء إلى مراحل متعددة أو إلى سلسلة من حركات الجسم والتنفس (بدلًا من اعتباره صوتًا فقط) لإثبات أن الجنين يبكي.
قبل هذه الدراسة، اقتصرت الحالات الجنينية والسلوكيات المُثبَتة على أربع حالات فقط، وتتضمن حالات النشاط والهدوء والنوم واليقظة. ولكن الدراسة وجدت حالة جديدة وهي سلوكيات البكاء وتسمى 5F.
وكشفت دراسة الدراسة أنه ببلوغ الجنين 20 أسبوعًا سيستطيع تنفيذ كل الحركات المطلوبة للبكاء، وهي:
- مد اللسان.
- تنسيق جهود تنفسية أكثر تعقيدًا.
- فتح الفك السفلي.
- تحريك الفم.
- ارتعاش الذقن.
- البلع.
شوهِد بكاء الأجنة في الرحم بعمر 24 أسبوع فما فوق.
وبحسب الدراسة ذاتها، قد يحدث البكاء الذي قد تسمعه الأم بحالة نادرة فقط، تسمى استهلال الوليد داخل الرحم (بأن يظهر ما يدل على حياته كبكاء أو تحريك عضو أو عين)، وهذه العملية تتضمن دخول الهواء إلى الرحم، ما يقترح أن أول بكاء مسموع يحدث في أثناء الانتقال للعالم الخارجي فقط.
ما الذي يمكنك رؤيته على وجوههم؟
ركزت دراسة أخرى عام 2011 على التعابير الوجهية قبل الولادة التي تُعد دليلًا على استجابة البكاء، فعندما يرى الأبوان الطفل يمر بنوبة غضب يعلمان فورًا أن وجهه يعبر عن كل شيء ولا يبقى وجهه حياديًا. واتفق العلماء في هذه الحالة أيضًا أن السلوكيات غير الصوتية المرتبطة بالبكاء تتطور قبل الولادة، أما المكونات الصوتية للبكاء فلا تبدأ حتى الولادة. ولذلك، عندما ترى تجعدًا أو تقطبًا في وجه الجنين باستخدام الأمواج فوق الصوتية خلال الثلث الثالث من الحمل، فإنك لن تسمع أي شيء.
ماذا يعني ذلك؟
عمليًأ، يتدرب الطفل على كيفية البكاء، ولنسمي ذلك إحماءً. واستخدمت الدراسات المشار إليها سابقًا صوتًا لإخافة الجنين للوصول إلى استجابة البكاء متجنبةً تسبيب أي ألم، فلوحظ بعد ذلك أن الأجنة تبكي لأقل من 15-20 ثانية، فجلسات البكاء التي تستمر ساعات لا تحدث في الرحم.
يوافق العلماء عمومًا على أن الأجنة تستطيع أن تشعر بالألم خلال الثلث الثالث من الحمل، مع إنه يوجد جدل بسيط حول وقت بدء ذلك بالضبط. وتظهر دراسات البكاء ببساطة أن الأجنة تستطيع قد تعد شيئًا ما منبهًا سلبيًا وتتفاعل وفقًا لذلك.
ولا يوجد دليل على أن الجنين حزين أو لديه غازات أو يستجيب لظروف غير مريحة، فالعلماء ليسوا على يقين.
طُرق أخرى تستجيب بها الأجنة
من المفيد أن نركز على الأمور اللطيفة التي تحدث بدلًا من القلق بشأن جلسات البكاء القصيرة؛ يمكنك حتى تحكم بأشياء قد تساعد الجنين على الشعور بالأمان.
أظهرت دراسة في عام 2015 أن الأجنة تستجيب للصوت واللمسات الأمومية، لذلك تُنصح الأم بالتحدث والغناء والقراءة والتواصل مع جنينها داخل الرحم.
وقد وضح العلماء أن الجنين يُظهِر حركات أكثر عندما تضع الأم يديها على بطنها، وبل وقد يصبح الجنين أكثر هدوءًا عند التحدث إليه بصوت هادئ.
وبالإضافة إلى ذلك، تبدي الأجنة سلوكيات مختلفة خلال الثلث الثالث من الحمل بالمقارنة مع أجنة الثلث الثاني، مثل سلوكيات أكثر انتظامًا كالتثاؤب، وسلوكيات الراحة مثل مقاطعة الذراعين، ولمس الذات عندما تتحدث إليه الأم أو تلمس بطنها، ويستطيع الجنين أيضًا أن يبتسم ويرمش داخل الرحم.
لذا تجاهلي المعارضين الذين يظنون أن جنينك لا يسمعك أو لا يستجيب للمساتك، وتحدثي مع جنينك عن أي شيء تريدينه، عن الأغاني والأفلام وكل ما هو جميل، والمسي بطنك حتى يتواصل قلبيكما.
أوضحت ناديا رايسلاند المختصة بالطب النفسي التطوري في جامعة دورهام في المملكة المتحدة أن التعابير الوجهية الأولية تتطور خلال الأسابيع 24 إلى 35، وتزداد تعقيدًا مع التطور الجنيني وهذه الحركات أضعف من أن تشعر بها المرأة الحامل.
من غير الممكن معرفة إن كانت الحبال الصوتية تهتز لمحاولة إصدار صوت، وحتى لو أصدرت أمواجًا صوتية فإنها لن تكون بقوة كافية لتعبر السائل الأمنيوسي وجسم الأم.
من غير المعروف أيضًا إن كانت حركات البكاء مرتبطة بالألم أو عدم الراحة عند الجنين، ظهرت تعابير الجنين الوجهية في دراسات رايسلاند من دون أي نوع من التنبيه.
وأوضحت أن التعابير الوجهية تؤدي دورًا مهمًا في الترابط بعد الولادة بين الأبوين والطفل بعد الولادة والتواصل أيضًا، وتشكل هذه التعابير الوجهية محاولة لتقوية العضلات الوجهية وتساعد الطفل على التواصل مع الآخرين حالما يولد.
يتعلم الطفل تطوير جميع التعابير الوجهية بعد الولادة في السياق الاجتماعي والتفاعل مع الناس. أوضحت رايسلاند أن الأطفال لا يبدؤون بالابتسام اجتماعيًا حتى 8 أسابيع وتبدأ ضحكات الطفل الثمينة خلال 4-6 أشهر، ولكن وجوههم تطور هذه القدرات قبل أسابيع من الولادة.
وبحسب موقع (Live Science)، لا ينتج الجنين الدمع أو يبكي مع دموع حتى 4 أسابيع بعد الولادة، حالما تنضج قنوات الدمع لدى الطفل بما يكفي لتنتج الدموع.
الخلاصة
مع إنه الجنين قد يبكي داخل الرحم، فلا يمكنه إصدار صوت، وهذا لا يستدعي القلق. وتتضمن تدريبات الجنين على البكاء داخل الرحم تقليد نمط التنفس وتعبير الوجه وحركات الفم تشابه حركات جنين يبكي خارج الرحم.
ولا يستدعي هذا البكاء القلق بشأن تألم الجنين، فتطوير القدرة على الاستجابة للمنبه السلبي هي مهارة وصفها العلماء بأنها مفيدة لاحقًا، وعندما يبكي طفلك سيجذب انتباهك بالتأكيد.
وقد تستجيب الأجنة جسديًا للمسات الأم وصوتها، لذلك يُنصح بأن تقضي وقتًا بلمس بطنك المنتفخ والتحدث إلى جنينك.
اقرأ أيضًا:
ركلات الجنين داخل الرحم هي طريقته لرسم خريطته عن جسمه وبيئته
ترجمة: سلام يونس الونوس
تدقيق: آلاء رضا
مراجعة: محمد حسان عجك
المصادر: healthline, sciencealert