ليزر أشعة غاما -الذي سيغير العالم- يلوح في الأفق، وقد يفتح يومًا ما السفر بين النجوم.
يقترب الباحثون أخيرًا من حل واحدة من أهم المشكلات في الفيزياء.
في الخمسينيات من القرن الماضي، اقترح مهندس الطيران يوجين زانغر أنه إذا كان من الممكن تحويل المادة بالكامل إلى جسيمات ضوئية – الفوتونات، فإن الفوتونات نفسها يمكن أن تكون مصدر طاقة لدفع صاروخ إلى سرعات بين المجرات. بينما افترض أن صاروخ الفوتون قد يكون مجرد خيال علمي، فإن بذرة فكرته استمرت في النمو.
لتحقيق الليزر الأقوى، تسعى عدد من فرق البحث إلى تطوير تقنية يمكنها الحفاظ على أشعة غاما المتماسكة، وهي أكثر أشكال الإشعاع نشاطًا في كوننا.
إذا تمكنا من إنتاج أشعة غاما مجمّعة ومكثقة تمامًا كما ينتج الليزر العادي من أشعة ضوئية مرئية مجمّعة، فإن هذه التقنية قد تفتح باب السفر بين النجوم وإحداث ثورة في علاج السرطان.
بينما ما يزال ليزر أشعة غاما -المعروف أيضًا باسم غراسر- مفهومًا نظريًا، فإنه يُعد أحد أهم المشكلات في الفيزياء.
تنتج أشعة غاما -غير المرئية لأعيننا- من انفجارات المستعرات العظمى، ومن أكثر الأجسام حرارة وكثافة في الطاقة بالكون، مثل النجوم النابضة، وهي نجوم نيوترونية عالية المغناطيسية وتنبعث منها نبضات من الإشعاع.
تسافر أشعة غاما عبر الفراغ بسرعة الضوء، بأطوال موجية صغيرة جدًا حيث يمكنها المرور عبر الفراغ داخل ذرات الكاشف. مع أقصر الأطوال الموجية وأسرع الترددات، وتقع أشعة غاما على أحد الأطراف القصوى للطيف الكهرومغناطيسي.
منذ اختراع أول ليزر في عام 1961، كان الرواد يحاولون دفع تقنية الليزر إلى أبعد حدود للطيف الكهرومغناطيسي. تعلم العلماء كيفية تثبيت أشعة غاما في شعاع مجمّع مكثّف، وهي خطوة ضرورية نحو تطوير أي تقنية ليزر.
يُثير الليزر التقليدي الإلكترونات فتكون انبعاثات الفوتونات متزامنةً مع بعضها، مولدًا تأثيرًا أقوى. وهذا يختلف عن الضوء الذي ينبعث من المصباح المتوهج، لأن إشعاعه عشوائي وغير مجمّع. لتحقيق هذا التناغم مع فوتونات مستوى أشعة غاما، يجب على العلماء التلاعب بعدد هائل من الأنوية الذرية إلى حالات مشوهة ومثارة تُعرف باسم نظائر الإيزوميرات.
يتطلب تجاوز تقنية الليزر الحالية، التي تشمل الليزر بالأشعة السينية المجمّعة، القريبة من أشعة غاما على الطيف الكهرومغناطيسي، ما يعني أن العلماء بحاجة إلى التحقيق في ما يحدث عندما تصطدم مجموعات كثيفة من الإلكترونات السريعة بحقل ليزر قوي لإصدار ضوء عالي الطاقة. هذا ما يفعله باحثو جامعة روتشستر بالتعاون مع زملائهم من مركز أبحاث الليزر ELI Beamlines في جمهورية التشيك.
أدلى أنطونينو دي بيازا، أستاذ الفيزياء في جامعة روتشستر ببيان صحفي: «القدرة على إنتاج أشعة غاما مجمّعة ستكون ثورةً علميةً في إنشاء أنواع جديدة من مصادر الضوء، مشابهة لكيفية تطوير مصادر الضوء المرئي والأشعة السينية التي غيرت فهمنا الأساسي للعالم الذري».
ويضيف: «إن الخطوة الأولى نحو بناء أي ليزر عملي هي إثبات أن العلم يعمل. نحن لسنا العلماء الأوائل الذين حاولوا إنشاء أشعة غاما بهذه الطريقة. لكننا نفعل ذلك باستخدام نظرية الكم الكاملة -الديناميكا الكهربائية الكمية- وهي نهج متقدم لمعالجة هذه المشكلة».
سيقوم الفريق بتحليل كيفية انبعاث الضوء من إلكترون واحد أو اثنين. في النهاية، إنهم يأملون في العمل مع العديد من الإلكترونات من أجل إنتاج أشعة غاما مجمّعة ومتماسكة. إذا تعلم الفريق كيفية الحفاظ على الشعاع متماسكًا ومستقرًا لفترات طويلة من الزمن، يمكن أن تصبح أشعة غاما مصدرًا جديدًا للطاقة لإنشاء المادة المضادة. ويمكن توفير طريقة جديدة لدراسة العمليات النووية ومسح داخل الأجسام الكثيفة مثل حاويات الشحن.
بتمويل من المؤسسة الوطنية للعلوم، يستند هذا المشروع على الأبحاث السابقة والمستمرة حول أشعة غاما المجمّعة.
على سبيل المثال، اقترح مقال في مجلة Acta Astronautica عام 2012 دفع الصواريخ بواسطة ليزر أشعة غاما بطاقة جيجا إلكترون فولت. ووفقًا للمؤلفين: «يتبين أن فكرة صاروخ الفوتون من خلال الفناء الكامل للمادة بالمادة المضادة، التي اقترحها لأول مرة زانغر، ليست خطة طوباوية كما يُعتقد على نطاق واسع».
الأمر مُعقَد، لكن العملية ستبدأ بتلاشي البروتونات والبروتونات المضادة لبعضها، ما يولّد تدفقًا هائلًا من أشعة غاما. بعد ذلك، سيتم إطلاق شعاع ليزر مركز من أشعة غاما داخل المركبة الفضائية، ما يخلق انهيارًا ضوئيًا يسمى “انهيار الفوتون”. ومن هذه العملية، سيمتص المجال المغناطيسي المحيط قوة رد الفعل للشعاع وينقلها إلى المركبة، ما يوفر الزخم الكامل للمركبة الفضائية.
بينما يقترح الباحثون في ورقتهم البحثية أن هذا السيناريو قد يعمل بشكل أفضل في البداية مع المركبات الفضائية الصغيرة، أجرت فرق أخرى في السويد وآيسلندا دراسةً أعمق لأشعة غاما لدفع الصواريخ في عام 2020، واقترحت طرقًا لاستخدام وقود الهيدروجين لتوليد الطاقة اللازمة للصواريخ الأكبر حجمًا أيضًا.
بالطبع، قبل أن نتمكن من القفز إلى صواريخنا التي تعمل بأشعة غاما لاستكشاف المجرة المجاورة، يجب على العلماء التغلب على مشكلة تماسك الشعاع.
في عام 2019، جرب علماء جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد نهجًا واعدًا، فقد نجحوا في تغليف فقاعة من البوزيترونيوم -مجموعة من الذرات التي تحتوي على بوزيترونات، نظائر الجسيمات المضادة للإلكترونات- داخل الهيليوم السائل الفائق. هذا النوع من الهيليوم يشبه الموصل الفائق، دون مقاومة أو لزوجة أو احتكاك. وفّر الهيليوم حاجزًا واقيًا بين العالم الخارجي والبوزيترونيوم. وإذا ظلت تفاعلات البوزيترونات في حالة كمومية تُعرف بتكاثف بوز-آينشتاين، فإنها ستنتج أشعة غاما.
أحد التحديات في تطوير وتثبيت النظائر المشعة التي تنبعث منها أشعة غاما هو أن تطلق طاقتها بسرعة كبيرة، ما يجعل من الصعب الحفاظ على عدد كبير من النظائر في آن واحد. لحسن الحظ، يمكن لبعض النظائر -أشكال من العناصر الكيميائية التي تحتوي على أعداد مختلفة من النيوترونات- توفير أشعة غاما أكثر طاقة، مع مدخلات طاقة أقل للحفاظ على نظائرها، ويسعى العلماء إليها كحلول محتملة لمشكلة الشعاع المتماسك.
قد لا يدفعنا ليزر أشعة غاما من الجيل التالي إلى مجرة أندروميدا في حياتنا، ولكن التقنية الأساسية لجعل هذه الرحلة ممكنة قد تكون قريبة.
اقرأ أيضًا:
لأول مرة: العلماء ينتجون دفعة صغيرة من أشعة غاما في المختبر
ترجمة: زين العابدين
تدقيق: نسرين الهمداني