وجدَ العلماءُ في مؤسّسة سكريبس للبحث (TSRI) وسيلةً لربط أجسامٍ مضادّةٍ محاربةٍ لفيروس عوز المناعة المُكتسَبة (HIV) مع خلايا مناعيةٍ، مُشكّلين مزرعةً خلويةً مقاومةً للفيروس.
وأظهرتْ تجاربُهم المُجراةُ تحتَ الظروف المخبريّة أنَّ هذه الخلايا المقاومة يمكن أن تحلَّ محلَّ الخلايا المُصابة سريعًا، معطيةً احتمالًا لشفاء المرضِ عند المصابين بفيروس (HIV).
ويقول «JIA XIE»، وهو أحدُ كبارِ العلماء في مؤسّسة (TSRI) والمؤلِّفُ الأوَّل للدراسة المنشورة اليوم في صحيفة (Proceeding of the National Academy of Sciences): «إنَّ هذه الحمايةَ ستكون على المدى الطويل».
يُخطِّط الباحثون – بقيادة مؤلِّف الدراسة الرئيسيّ الطبيب «ريتشارد ليرنر»، والبروفسورة في كيمياء علم المناعة في مؤسّسة(TSRI) «ليتا أنينبيرغ هازن» – للتعاون مع الباحثين في مركز مدينة هوب-Hope للعلاج الجيني لتقييم فعاليّة وأمان هذا العلاج الجديد كما هو مطلوبٌ في اللَّوائح الاتّحاديّة، وذلك قبل إجراء الاختبارات على المرضى.
يقولُ الطبيب «جون أ.زيا» مديرُ مركزِ العلاج الجينيّ في مؤسّسةِ أمراضِ الدم الخبيثة وزراعة الخلايا الجذعيّة في مدينة هوب: «إنَّ هذه المدينة تُجري حاليًّا تجاربَ حول العلاج الجينيّ للإيدز-AIDS من خلال زرع خلايا الدم الجذعيّة، وسوف تُطبَّق هذه التجربةُ بهدفِ وضعِ هذا الاكتشاف ضمن إطار التطبيق السريريّ، وسيكون الهدفُ النهائيّ هو التحكُّم بفيروس الإيدز عند المرضى دون الحاجة لعلاجاتٍ أخرى».
أضاف «ليرنر»: «إنّنا فخورون في مؤسّسة(TSRI) بأن نتعاونَ مع أطباءَ وعلماءَ في مدينة هوب، فخبرتُهم في الزّراعة عند مرضى الإيدز ستسمح باستعمال هذا العلاج عند البشر».
وتُقدِّم التقنيّةُ الجديدةُ الخاصّة بمؤسّسة (TSRI) مزايا بارزةً تفوَّقَتْ على العلاجات السابقة التي كانت تطفو فيها الأجسام المضادّة بحرِّيّةٍ في مجرى الدم وبتركيزٍ منخفضٍ نسبيًّا، فبدلًا عن ذلك؛ تتثبَّتُ الأجسام المضادّة في الدراسة الجديدة على سطح الخليّةِ مانعةً الفيروس من الارتباط مع مستقبلٍ خلويٍّ هامٍّ ونشرِ العدوى.
وأطلقَ«XIE» اسمَ «تأثير المُجاوَرة-neighbor effect» على هذه التقنيّة؛ فالجسم المضادُّ الملتصقُ في الجوار أكثرُ فعاليّةً من وجود العديد من الأجسام المضادّة الطافيةِ في مجرى الدم، وقال: «لا حاجةَ لعددٍ كبيرٍ من الجزيئات على خليةٍ واحدةٍ كي تكون فعالةً».
قام العلماء باستخدام فيروسات الحُمَّة الأنفيّة-rhinoviruses (المسؤولة عن العديد من حالات الزُّكام) كنموذجٍ قبل اختبار تقنيّتهم ضدّ فيروس الإيدز.
وقد استخدموا ناقلًا يُدعى«lentivirus» لإيصالِ العلاج الجينيّ الجديد لمزرعةٍ خلويّةٍ بشريّةٍ. أعطى الجين تعليماتٍ للخليّةِ لتصنيع أجسامٍ مضادّةٍ ترتبط مع مستقبلات خلايا بشريّةٍ تُدعى(ICAM-1) تحتاجُها فيروسات الحمّة الأنفيّة.
فنتيجةَ احتكارِ الأجسام المضادّة لهذا الموقع؛ لم يتمكّنِ الفيروس من دخول الخلية لنشر العدوى.
قال ليرنر: «يُعتبرُ هذا حقًّا نوعًا من التَّمنيع الخلويّ».
ولأنَّ نظامَ الإيصالِ هذا لا يستطيعُ أن يصلَ إلى نسبة مئةٍ بالمئة من الخلايا بالضبط؛ فقد كان المُنتَج النهائيُّ عبارةً عن مزيجٍ من الخلايا المُبرمجَة وغيرِ المُبرمجَة.
أضاف الباحثون بعد ذلك فيروساتِ الحمّة الأنفية للمزرعة الخلوية وانتظروا لمشاهدة ما سيحدث.
ماتتْ معظمُ الخلايا بعد حوالي يومين؛ لم تتعافَ المزرعةُ أبدًا في أطباقُ الزرع الحاوية على خلايا غيرِ مُبرمجَةٍ، وكان هنالك موتٌ بدئيٌّ في المزرعة الحاوية على مزيجٍ من الخلايا المُبرمجَة وغيرِ المُبرمجَة أيضًا، ولكن سرعان ما عادت أعدادُها للارتفاع، فقد عادت المزرعة لعدد الخلايا ذاتِه تقريبًا في مجموعة المراقبة غير المُصابة.
وفي جوهر الأمر، أجبرَ الباحثون الخلايا على المنافسة بانتقاءٍ داروينيٍّ «البقاءُ للأصلح» في طبق الاختبار.
فقد ماتتِ الخلايا التي لم تملكِ الجسمَ المضادَّ ليحميها، تاركةً الخلايا المحميّةَ قادرةً على النجاة والتكاثرِ ونقلِ الجينات الحامية للخلايا الجديدة.
قادَ هذا النجاحُ الباحثين لتجربةِ نفسِ التقنيِّة ضدَّ فيروس الإيدز.
تحتاجُ كلُّ سلالات هذا الفيروس إلى الارتباط مع مستقبلٍ خلويٍّ سطحيٍّ يُدعى(CD4) حتَّى تكون قادرةً على عدوى الإنسان؛ ولهذا اختبر العلماء أجسامًا مضادّةً قد تكون قادرةً على حمايةِ هذا المستقبل على نفسِ الخلايا المناعيةِ التي تُقتل عادةً بواسطة هذا الفيروس.
قال «ليرنر»: «من الممكن إجراءُ ذلك؛ بسبب القدرة على انتقاء أجسامٍ مضادّةٍ متخصِّصةٍ من بين العديد من مكاتب الأجسام المضادة».
نجحتْ تقنيّتُهم مجدَّدًا، وحصلوا على مزرعةٍ خلويّةٍ مقاومةٍ لفيروس الإيدز بعد أن قُدِّمتِ الخلايا إليه؛ فقد تعرَّفتِ الأجسام المضادّة على موقع الربط(CD4) مانعةً الفيروس من الوصول إلى المستقبل.
وأكَّد العلماءُ أنَّ هذه الأجسامَ المضادَّةَ المرتبطةَ قد اعترضتْ سبيلَ الفيروس بفعاليّةٍ أكبرَ من الأجسام المضادّةِ الذائبةِ والطافيةِ بحريّةٍ والتي استُخدِمتْ في تجاربَ أُجرِيتْ بقيادة المُؤلّف المساعد «ديفن سوك» من المبادرة العالميّة للتلقيح ضدّ الإيدز (International AIDS Vaccine Initiative) والبروفسور بمؤسسة(TSRI) «دينس أر.برتون»، وهو أيضًا المدير العلميُّ لمركز (IAVI Neutralizing Antibody) ومركز المؤسسة الوطنية للصحة للتمنيع ضدّ فيروس عوز المناعة المكتسَبة (HIV/AIDS) وللاكتشافات المناعيّة (CHAVI-ID) في مؤسّسة(TSRI) .
شرحَ الطبيب «جوزيف ألفارناس» – وهو مديرُ التحليل المبنيِّ على القيمة في مدينة هوب – كيف أنًّه من الممكن أن تساعد تقنية مؤسسة(TSRI) المرضى الذين ما زالوا يعانون من معدَّلاتٍ مرتفعةٍ من المرض على الرغم من العلاج بالأدويةِ المضادّةِ للفيروسات، مثل السرطانات.
وقال: «إنَّ الإيدز قابلٌ للمعالجة لا للشفاء، فهو يظلُّ مرضًا يسبّب الكثير من المعاناة؛ وهذا ما يجعل تقنياتٍ مثلَ هذه هامّةً جدًّا».
صرَّح «Xie» أنّه بالإضافة إلى إمكانيّة التعاونِ مع مدينة هوب، ستكون الخطوة التالية في هذا البحث هي محاولةُ برمجةِ أجسامٍ مضادَّةٍ لحمايةِ مختلفِ المستقبلات على سطح الخليّة.
ترجمة: عماد دهان
تدقيق: اسماعيل اليازجي
تحرير : أحمد عزب
المصدر