من المعروف أن النظام الغذائي الصحي يؤدي دورًا أساسيًا في صحة الفرد وجودة حياته. ومع الوقت، نتعلم أكثر عن أهميته في الصحة الاجتماعية والنفسية والعقلية بالتحديد.

مع أننا بحاجة إلى المزيد من المعلومات حول الرابط بين النظام الغذائي والصحة النفسية، فإن العلماء في الآونة الأخيرة اكتشفوا دليلًا قويًا على ذلك الرابط، وسنتعرف عليه في مقالنا هذا.

هل يوجد رابط بين النظام الغذائي والصحة النفسية؟

عولِجت الحالات الصحية النفسية عبر التاريخ باستخدام العلاجات النفسية مثل الاستشارات، وباستخدام الأدوية، وأحيانًا في المستشفيات.

اليوم يهتم فرع جديد سُمّي الطب النفسي الغذائي، بتوثيق دور النظام الغذائي والغذاء في الصحة النفسية للأفراد، ويهدف إلى دعم علاجات الحالات الصحية النفسية باستخدام النظام الغذائي وتغيير نمط الحياة.

في الواقع، قد كان ذلك من المسلمات في الماضي. ولكن من المنطق أن نفكر بأهمية ما نأكله من طعام وتأثيره في أدمغتنا، إضافةً إلى تأثيره في أجسامنا.

إن السبب وراء التأثير الكبير لنمط الطعام في الدماغ البشري يكمن في الاتصال الوثيق بين الجهاز الهضمي أي الأمعاء، والجهاز العصبي.

تعد الأمعاء موطنًا لتريليونات الأحياء الدقيقة التي تقوم بوظائف عدة في الجسم، مثل تصنيع النواقل العصبية التي ترسل إشارات كيميائية للدماغ من أجل تنظيم النوم والألم والشهية والمزاج والعواطف.

في الواقع، هنالك شبكة معقدة من الاتصالات بين الأمعاء والدماغ، لذلك سُميت الأمعاء بالدماغ الثاني. ويسمى ذلك بالاتصال الدماغي المعوي أو المحور العصبي الهضمي.

ما زال أمامنا الكثير لتعلمه، لكن تقترح الدراسات أن الطعام الذي نتناوله يؤثر في صحة المستعمرات الحية الدقيقة للأمعاء، الذي يؤثر بدوره في أدمغتنا، ومن ثم في صحتنا النفسية والعاطفية.

الأنماط الغذائية التي تحسن الصحة النفسية:

من أجل الاكتئاب لدينا نمط الغذاء المتوسطي:

في السنوات الأخيرة، درست أبحاث عدة الروابط بين أنماط الغذاء وصحة الأمعاء وخطر الاكتئاب.

وجد أحد الأبحاث أن النمط الغذائي الغني بالفواكه والخضار والحبوب الكاملة والبقوليات، الذي يحتوي على القليل من اللحوم الحمراء والمعالجة، كان مرتبطًا بأعراض الاكتئاب بنسبة أقل من 10%.

حددت دراساتان مرموقتان على الأقل قدرة النمط الغذائي المتوسطي على التقليل من علامات الاكتئاب ضمن المجموعة التجريبية، ومع نتائج واعدة.

لم تجد جميع الدراسات حول هذا الموضوع نتائج مهمة، لذلك هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات التجريبية البشرية من أجل دعم صحة هذا الدليل القوي.

بدأت بعض الوكالات الصحية النصح بالنظام الغذائي المتوسطي والذي يتضمن:

  •  الفواكه.
  •  الخضار.
  •  السمك.
  •  المكسرات.
  •  البقوليات.
  •  زيت زيتون.
  •  منتجات الألبان.

إضافةً إلى التوقف عن تناول مايلي:

  • الأطعمة المقلية.
  •  اللحوم المُعالجة.
  •  المخبوزات.
  •  المشروبات السكرية.

الحد من الكحول والكافيين والأطعمة السكرية من أجل تجنب التوتر والقلق، وذلك لأنها تحتوي على مواد تزيد من أعراض القلق.

إضافةً إلى ذلك، لاحظت الأبحاث وجود ارتباطات بين الغذاء الغني بالدهون المشبعة والفقير بالفواكه والأطعمة الصحية، والتوتر.

قد تنبع الحاجة لتعديل النظام الغذائي عند الشعور بالتوتر أو القلق بعدّه جزءًا من العلاج. فيُتجنَّب الكحول والكافيين والسكريات المضافة، ويُختار الطعام الذي قد يقلل من الالتهاب والتوتر في الجسم عوضًا عنها، مثل الفواكه والخضار الغنية بالألياف، والدهون غير المشبعة، والأطعمة المخمّرة الحاوية على البكتيريا النافعة.

اتباع نظام غذائي عالي القيمة من أجل المزاج والصحة النفسية:

عند الرغبة في تحسين المزاج، من الأشياء التي يمكن فعلها بشأن النظام الغذائي تناول طعام متوازن غني بالعناصر المغذية المعززة للصحة.

مع استمرار العلماء في استكشاف العلاقة بين النظام الغذائي عالي القيمة والصحة النفسية، فإن هناك دراسات عدة دعمت ذلك. على سبيل المثال، وجدت ثلاثة دراسات أن تناول الكثير من الفواكه والخضار يرتبط بمستويات أقل من القلق والتوتر وبراحة يومية أكبر.

بعض النصائح الغذائية من أجل دعم الصحة النفسية:

عند مواجهة أي أعراض تتعلق بالحالة الصحية النفسية، يجب استشارة الطبيب النفسي على الفور. ولكن عند الرغبة في صنع تغييرات غذائية من أجل دعم الصحة العاطفية والجسدية، فهناك بعض النصائح للبدء بها، ومنها:

الحصول على قدر كبير من هذه العناصر الغذائية:

  •  أحماض أوميغا-3 الدسمة: الجوز، الشيا وبذور الكتان، السلمون، سمك الهيرنغ، السردين.
  •  الفولات B9: كبد البقر، الأرز، الحبوب المغلفة، البازلاء السبانخ، الهليون، براعم البروكلي.
  •  الحديد: المحار، كبد البقر، الحبوب المغلفة، السبانخ، الشوكولا الداكنة، الحبوب البيضاء، العدس، التوفو.
  •  المغنزيوم: السبانخ، اليقطين، بذور الشيا، حليب الصويا، الحبوب الداكنة، الحمضيات، الكاجو، الجوز.
  •  الزنك: المحار، الدجاج، قطع لحم الخنزير، لحم البقر المشوي، سلطعون ملك ألاسكا، سرطان البحر، بذور اليقطين.
  •  فيتامينات ب: صدر الدجاج، كبد البقر، الحلزون، التونا، السلمون، الحمص، البطاطا، الموز.
  •  فيتامين أ: كبد البقر، سمك الهيرنغ، حليب البقر، الريكوتا، الجبنة، البطاطا الحلوة، الجزر، الشمام.
  •  فيتامين ج: الفيلفلة الخضراء والحمراء، عصير البرتقال والعنب، الفراولة، البروكلي.

التزود بالبريبيوتك والبروبيوتك:

البريبيوتك هي الأطعمة التي تمنح التغذية للبكتيريا النافعة التي تستوطن الأمعاء، أما البروبيوتك فهي الأطعمة التي تحتوي على تلك البكتيريا النافعة. ويساعد النظام الغذائي الحاوي عليها في المحافظة على الاستتباب والتوازن والاستقرار في الأمعاء، إضافةً إلى دورها في الاستجابة للتوتر والانفعال. ومن تلك الأطعمة:

  • الأطعمة المخمّرة: اللبن الرائب، مخيض اللبن، الكيمتشي، مخلل الملفوف، التيمبيه، الكمبوتشا.
  • الثوم والبصل والكراث.
  • الخرشوف والهليون.
  • التفاح والموز.
  • الشعير والشوفان.
  • تناول مجموعة متنوعة من الخضار والفواكه:

وذلك لغناها بالعناصر المغذية التي تفيد الصحة النفسية، مثل الألياف، والسكريات المعقدة، وفيتامينات (ب) و (ج)، وعديدات الفينول.

وجد أخيرًا، وبعد مراجعة قرابة 61 دراسة، أن الغذاء الغني بالخضار والفواكه يزيد من الشعور بالتفاؤل والكفاءة النفسية، ويقلل من التوتر والاكتئاب.

التزوّد بالحبوب الكاملة:

وهي الحبوب التي تبقى كما هي بعد معالجتها وطبخها مثل الأرز والقمح والشعير، فهي تحتوي على كمية أكبر من الألياف والمغذيات مقارنة مع الحبوب المجزّئة. ومن شأنها أيضًا أن تقي من الاكتئاب والقلق، إضافة إلى أنها تملك خصائص مضادة للالتهاب، تبعًا لآخر دراسة أُجريت.

مشاركة الوجبات مع من نحب.

بعض الأطعمة والعادات التي قد تؤذي الصحة النفسية:

في الجانب المقابل، هناك بعض الأطعمة التي من شأنها أن تسبب الضرر في الدماغ، ويجب إما قطعها نهائيًا أو التقليل من استهلاكها قدر الإمكان ومنها:

الأطعمة المعالجة بكثافة:

هي التي تخضع لتقنيات المعالجة الصناعية، وتميل لأن تحتوي على الكثير من السعرات والملح والسكريات المضافة، إضافةً إلى الدهون غير المشبعة، ومنها: السكاكر، والمخبوزات، المشروبات المحلاة، والوجبات المملحة.

أُثبتت علاقة تلك الأطعمة مع الاشتداد في أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر.

استهلاك الكحول:

يتبادل الكحول والصحة النفسية الأدوار فيجرّ أحدهما الآخر في حلقة مفرغة، إذ قد يقود اضطراب الحالة النفسية إلى استهلاك المزيد من الكحول، ولكنه في الواقع يزيد الوضع سوءًا. إضافةً إلى أن استهلاك الكثير من الكحول قد يقود إلى تفاقم أعراض الاكتئاب والتوتر والقلق.

الوجبات غير المنتظمة:

قد وُجد أن الوقت الذي نتناول خلاله وجباتنا في أثناء اليوم قد يؤثر على اختيارنا لنوع الطعام، ما يؤثر على النظم اليومي والقابلية للالتهاب، وقد يطال الميكروبات المعوية التي تؤثر في الصحة النفسية.

وجدت دراسة حديثة أن أنماط الوجبات غير المنتظمة للأفراد، ترتبط مع معدلات عالية من العصبية، وسوء الإنتاج، ومشاكل في النوم، والمزيد من العوامل التي تؤثر في الصحة النفسية.

الأرق:

إلى جانب النظام الغذائي الصحي، فإن النشاط الفيزيائي المنتظم وتجنب التبغ والكحول، والحصول على نوم كافٍ، من العوامل الأساسية لصحة العقل. قد يؤثر النوم القليل في صحة الأمعاء.

إن الكافيين من أكثر المواد التي تسبب تدني في جودة النوم وقد تكون تأثيراته أكبر لدى الشباب، فقد وجد العلماء رابطًا بين الكافيين والقلق والاكتئاب بالنسبة للطلاب. وتعد مشروبات الطاقة من ضمن المنتجات الغنية بالكافيين.

كيفية المثابرة على نظام صحي من أجل الصحة النفسية:

قد لا يحدث التغيير بسهولة خاصةً بالنسبة للعادات التي استمر عليها الشخص لسنوات، ولكن هناك بعض الخطوات التي قد تساعد في جعل التغيير أسهل، ومنها:

  •  عدم لوم النفس.
  •  اختيار الطعام بوعي.
  •  البدء بالتغييرات الصغيرة.
  •  استبدال بعض الوجبات بأخرى أكثر فائدة.
  •  تدوين الإنجاز.

اقرأ أيضًا:

كيف تؤثر أوقات تناول الطعام في الصحة النفسية؟

ما الأغذية التي تساعد في الحفاظ على الصحة النفسية عند الإصابة بالاكتئاب؟

ترجمة: حيان الحكيم

تدقيق: نور حمود

مراجعة: باسل حميدي

المصدر/