وفقًا لدراسة جديدة تعتمد على تجديد معادلة دريك باستخدام المنطق الاحتمالي، فقد يحتوي الكون على العديد من المخلوقات الفضائية الأخرى، أو لا يحتوي على أي حياة على الإطلاق.

من المحاور الأساسية في «البحث عن الذكاء خارج الأرض»، اختصارًا (SETI)، أنه لو وجدنا مخلوقات فضائية متقدمة تكنولوجيًا، فمن المحتمل أن يوجد العديد من المخلوقات الفضائية الأخرى في الكون، وليس حالتين من الحياة فقط: نحن والحياة التي اكتُشفت.

يصف عالما الفلك ديفيد كيبينج من جامعة كولومبيا في نيويورك وجيرينت لويس من جامعة سيدني، في ورقة بحثية جديدة، كيف يكون هذا منطقيًا، اعتمادًا على نظرية توزيع الاحتمالات التي قدمها لأول مرة عالم الأحياء والرياضيات هالدن عام 1932. لنتخيل معًا مجموعة من الكواكب الخارجية الشبيهة بكوكب الأرض، كلها تمتلك الخصائص ذاتها تقريبًا، مع بعض الاختلافات الطفيفة جدًا، فمن المتوقع حينها أن تنشأ الحياة على كل تلك الكواكب، أو لا تنشأ على أي منها، ولا يوجد سبب واضح لتنشأ الحياة على نصف عدد الكواكب مثلًا، فهذه الكواكب متقاربة جدًا في الخصائص، فإما أن تدعم الحياة أو لا تدعمها.

يمكننا استعراض النتائج المختلفة في هذا المنحنى البياني على شكل حرف (U)، مع نسبة الاحتمالية على المحور الصادي (Y)، ونسبة الكواكب التي بها حياة على المحور السيني (X)، ونرى في هذا الرسم البياني أن أقصى نسبة احتمالية تقع في طرفي حرف U، فإما أن توجد المخلوقات الفضائية في العديد من الكواكب، وإما أن لا تكون هناك حياة على أي كواكب، أو توجد على عدد قليل جدًا منها، وتقع أقل نسبة احتمالية في الرسم البياني في منتصف حرف (U)، الذي يؤكد انخفاض نسبة احتمالية أن يكون نصف الكواكب فيه حياة والنصف الآخر لا توجد فيه حياة.

نَسب عالما الفلك كيبينج ولويس منطق نظرية هالدين إلى معادلة دريك الشهيرة. طور عالم الفلك فرانك دريك هذه المعادلة قبل أول مؤتمر على الإطلاق لمبادرة البحث عن ذكاء خارج الأرض، في مرصد جرين بانك عام 1961، وسيلةً لتزويد معمله بخطة عمل جديدة. اكتسبت معادلة دريك بعد ذلك أهمية خاصة، حين استُخدمت لتقدير عدد أشكال الحياة التكنولوجية الموجودة في مجرة درب التبانة.

تُكتب معادلة دريك على النحو التالي: (ن = م * ج * ك * ذ * س * ص * ض)، يمثل (ن) عدد حضارات الحياة الفضائية، و(م) معدل تكوين النجوم، و(ج) نسبة النجوم التي تدور حولها كواكب، و(ك) نسبة الكواكب التي من المحتمل أن تكون صالحة للحياة، و(ص) نسبة الكواكب التي قد تتطور بها حياة، و(ذ) نسبة الكواكب التي قد تتطور بها حياة ذكية، و(س) نسبة الكواكب التي قد تطور حياة مجتمعية تواصلية، و(ض) متوسط عمر الحضارات التي تكونت.

يعرف علماء الفلك معدل تكون النجوم «أقل من 10 كتل شمسية في السنة في مجرتنا»، ونسبة النجوم التي لديها كواكب «كل نجم تقريبًا لديه كواكب». أما عدد الكواكب التي يُحتمل أن تكون صالحة للحياة فهذا ليس معروفًا بدرجة كافية، لكن علماء الفلك يتعلمون المزيد عنه كل يوم مع استكشافهم للغلاف الجوي للكواكب الخارجية باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي، وتصنيف تلك الكواكب. تظل القيم الأربع الأخرى لغزًا غامضًا (ص، ذ، س، ض)، ما يجعل أي محاولة لاستخدام معادلة دريك غير مُرضية، لأن أكثر القيم فيها مجرد تخمين.

مع ذلك يشير عالما الفلك كيبينج ولويس إلى القيم الستة الأولى (م، ج، ك، ذ، س، ص) في معادلة دريك بوصفها ميلاد ما يسميانه «التجسيدات التكنولوجية خارج الأرض»، هذه هي الطريقة التي يشيران بها إلى الحياة الفضائية التكنولوجية للمخلوقات الفضائية، متجاوزين ببراعة مصطلحات مثل: الحضارات والأنواع والذكاء، التي أثبتت أنها ليست مجرد مصطلحات إشكالية –مثلًا، كيف نحدد ذكاء المخلوقات الفضائية؟- بل ربما تكون تلك المصطلحات غير دقيقة أيضًا عند وصف الحياة الفضائية. في الوقت ذاته، يشير الرمز الأخير (ض) إلى موت أو اختفاء تلك التجسيدات التكنولوجية خارج الأرض.

سمح تقسيم قيم معادلة دريك بهذا الشكل لكيبينج ولويس بتبسيط صيغة المعادلة، لتُقرأ بهذا الشكل: متوسط عدد المخلوقات الفضائية في المجرة عبر الزمن يساوي معدل ولادة المخلوقات الفضائية مضروبًا في معدل وفياتهم، وقال كيبينج: «يكمن جمال النهج الذي اتبعناه في أنه عام تمامًا»، ما يعني أنه لا داعي للقلق بشأن قيم معادلة دريك التي لا نعرفها.

أضاف كيبينج: «نحن لا نفترض طريقة أو آلية محددة لولادة الكائنات الفضائية، فقد تحدث الولادة عبر التوالد التلقائي، أو التلقيح بالبذور، أو من طريق إمبراطورية في الفضاء أو أي شيء آخر، المهم في النهاية أنه يوجد معدل للولادة».

يفترض كيبينج ولويس ما يسميانه بالحالة المستقرة لمعادلة دريك، إذ يوجد مستوى متساو تقريبًا من معدل الولادة والوفيات، ويمكن الوصول لحالة التوازن هذه بعد مرور وقت كاف، ويربط عالما الفلك هذا الافتراض بتوزيع الاحتمالات الخاص بهولدين في المنحنى على شكل حرف (U) السابق، إذ تعني القيمة العالية القريبة من 1 من (F) -نسبة الكواكب التي بها حياة- أن كل كوكب به حياة، والقيمة المنخفضة القريبة من الصفر من (F) أنه لا توجد كواكب بها حياة.

المشكلة التي تواجه العلماء مع البحث عن الذكاء خارج الأرض، أنه بناءً على الملاحظات والرصد، فإن من المحتمل أن قيمة (F) لا تقترب من 1، وإلا كان بإمكاننا أن نلاحظ أننا لسنا وحدنا في الكون، بافتراض أن الكائنات الفضائية قادرة على السفر عبر المجرات، وأنها قادرة على بناء هياكل عملاقة مثل غلاف دايسون «غلاف مصمم ليحيط بالنجم ويكتسب منه أكبر قدر من الطاقة»، وأنها قادرة على إرسال إشارات راديوية. وهذا يعني في النهاية أنه لو أننا لسنا وحدنا في هذا الكون فمن المحتمل أن تكون نسبة (F) قريبة من 5 مثلًا، وهذا يضعها في منتصف حرف (U)، حيث تقع النسبة الأقل احتمالية للمنحنى، وبناءً على هذا فمن المرجح أننا وحدنا نسبيًا وأن المخلوقات الفضائية في أي مكان آخر من الكون نادرة.

قال لويس: «قد تبرهن العديد من الأدلة على وجود المخلوقات الفضائية، مثل الإشارات التي ترسلها، أو باستعمارها وبنائها للهياكل الضخمة، فإذا نشأت مثل تلك الحياة الفضائية في مجرة درب التبانة، فقد تكون استعمرت المجرة بأكملها في غضون 10 ملايين إلى 100 مليون عام، حتى إذا سقطت تلك الإمبراطورية فإن حطامها سيظل موجودًا فترةً طويلة، وحقيقة أننا لا نرى أي شيء من ذلك في الفضاء، تعني أنه إذا كانت موجودة فقد اختفت منذ فترة طويلة وتلاشى أثرها في الفضاء، وهذا يعيدنا إلى الفرضية الأولى: يبدو أن المخلوقات الفضائية نادرة في الزمان والمكان».

لكن لا يدعو كيبينج ولويس إلى التخلي عن فكرة البحث عن المخلوقات الفضائية خارج المجرة، فإذا تجاهلنا عدم توافر الأدلة للحظة، فإن الحالة الثابتة لمعادلة دريك تتنبأ بأن احتمالية أن يكون الكون مزدحم متساو مع احتمالية أننا وحدنا في هذا الكون، وقد يكون الكون مزدحمًا لكن في ظل ظروف معينة. مثل أن تلك الكائنات الفضائية قد لا تغادر منطقتها الخاصة، وربما تصادف أن نظامنا الشمسي يقع في منطقة لم يصل إليها أحد بعد، وهذا يعني أن الكائنات الفضائية بعيدة للغاية، وأن استراتيجيتنا في البحث عنها حول النجوم القريبة خاطئة. وربما يمكن اكتشاف هذه المناطق المأهولة بالسكان بشكل أوضح في مجرات أخرى بعيدة، يقول كيبينج: «أنا بالتأكيد أؤيد فكرة البحث عن ذكاء خارج المجرة».

أو قد يكون السفر بين النجوم وبناء الهياكل العملاقة أمرًا في غاية الصعوبة، أو أنه ليس مرغوبًا بالنسبة إلى كائن فضائي يحيا حياة اقتصادية وأقل استعمارية، وفيما يتعلق بوجود إشارات راديوية أو ضوئية، فربما لم يكن لدينا الموارد الكافية لإجراء بحث شامل عنها حتى الآن، وقد نكون أخطأنا في رصد الإشارات وفاتنا كثير منها بسهولة.

ربما يوجد الكثير من أشكال الحياة المعقدة أيضًا، لكن تطورها لتصبح حياة ذكية تقنية أمر نادر، ومن المحتمل أن معدلات المواليد والوفيات بين الكائنات الفضائية لم تصل إلى حالة مستقرة بعد، ما يعني أن الوقت ما زال متاحًا لظهور مخلوقات فضائية جديدة وزيادة نسبة احتلالها للكون. لكن نظرًا إلى عمر الكون وعمر المخلوقات الفضائية المحدود، فإن هذا يبدو مستبعدًا.

اقرأ أيضًا:

كيف سيبدو شكل المخلوقات الفضائية في حال عثرنا عليها؟

دراسة تفترض أن الإشارات الملتقطة من مركز مجرتنا ما هي إلا رسائل تحية من المخلوقات الفضائية

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: تمام طعمة

المصدر