هل من الممكن حقًّا أن توجد حياة تحت سطح الأقمار الجليدية؟
خمّن العلماء لعقود مضت احتمالية وجود حياة تحت السطح الجليدي لقمر كوكب المشتري (أوروبا)، وبفضل البعثات الفضائية التي أُرسلت مؤخّرًا (مثل بعثة كاسيني) أُضيفت العديد من الأقمار والأجسام الفضائية لقائمة الأماكن التي من المحتمل أن تحتوي على نوع من أنواع الحياة مثل تيتان، وإنسيلادوس، وديون، وتريتون، وسيريس، وبلوتو، ويظنّ أنه في جميع هذه الأماكن قد توجد حياة ضمن محيطات داخلية لهذه الأماكن شبيهة بالتي موجودة حول المنافس الحرارية الواقعة على حدود الصفائح التكتونية في قاع محيطات الأرض.
إنّ واحدة من المشاكل التي تعترض هذه النظرية حول البيئة تحت البحريّة هي أنّ أي حياة ما ستواجه صعوبة في الحصول على العناصر الأساسية لازدهارها، ومع ذلك فقد افترضت دراسة أجراها فريقٌ من الباحثين بدعم من معهد علم الأحياء الفلكية التابع لوكالة ناسا وجود حياة في المحيطات الداخلية للأجسام الواقعة في النظام الشمسي الخارجي والتي تتعرض لكميات كبيرة من الإشعاع.
لقد كان عنوان هذه الدراسة (احتمال وجود الحياة وتنوعها ضمن المحيط الموجود في عوالم جليدية مشعة: مثل أوروبا)، والتي ظهرت مؤخّرًا في مجلة علم الأحياء الفلكية العلمية. وقد أشرف على الدراسة الدكتور (مايكل راسل – Michael Russell) بدعم من (أليسون موراي – Alison Murray) من معهد بحوث الصحراء، و(كيفن هاند – Kevin Hand) وهو أحد الباحثين في وكالة ناسا.
للقيام بدراستهم قام الدكتور (راسل) وزملائه بالتركيز على الكيفية التي تتفاعل بها الينابيع المائية القلوية مع مياه البحر، لمعرفة كيف تُجمع اللَبِنات الأساسية للحياة هنا على كوكب الأرض، وقد أكّدوا أن هذه العلميات معتمدة على الطاقة التي تزودنا بها الشمس، إنّ نفس هذه العملية قد تحدث على القمر (أوروبا) ولكن بطريقة مختلفة.
وتقول الدراسة: «يجب أن يكون لعملية تدفّق البروتونات والإلكترونات أهميةً كبيرة، باعتبار أنّ هذه العملية تشكّل الجذور الأساسية لبناء الحياة من خلال الانتقال والتحوّل السهلين للطاقة، نعتقد هنا بأنّ الحياة قد تلاءمت مع وجود الإشعاعات في أماكن مثل القمر (أوروبا)، تعتَبَر هذه الجزئية نتيجةً للتفاعلات الكيميائية المحتمل حدوثها تحت القشرة الجليدية والتي قد تكون مستمرة إلى الآن».
ربّما ستقدّم الينابيع الحرارية المائية المحتمل وجودها في القمر (أوروبا) الطاقة اللازمة للبدء بالتفاعلات الكيميائية الضرورية للحياة، وربّما ستقود المركبات الأيونية مثل أوكسي هيدروكسيدات، والكبريتيد هذه التفاعلات الكيميائية حيث يتم هدرجة وأكسدة أكسيد الكربون والميثان (على التوالي) مما يؤدي إلى خلق مغذّيات لأيّ حياة بدائية.
ستقوم الينابيع الحرارية المائية بدفع المغذيات والميكروبات (المحتمل وجودها) للأعلى لتصل إلى القشرة الجليدية، والتي عادةً ما يتم قصف هذه القشرة بإلكترونات عالية الطاقة قادمة من الحقل المغناطيسي القوي لكوكب المشتري، ستؤدي هذه العملية إلى إنشاء المؤكسدات والتي كان العلماء قد اكتشفوها عند رصدهم لقشرة (أوروبا) وبالتالي استنتجوا وجود عملية تبادل في المواد بين المحيط الداخلي للقمر (أوروبا) وسطحه الجليدي.
وقد أشار الدكتور (راسل) وزملائه إلى أنّ هذه العمليات وثيقة الصلة بأعمدة المواد، والتي سبق أن رصدت على سطح القمر (أوروبا) التي ربما ستقودنا إلى اكتشاف شبكة من النُظم البيئية الموجودة تحت القشرة الجليدية للقمر أوروبا.
تشير نماذج تنقل المواد داخل محيط (أوروبا) إلى أنّ الينابيع الحرارية المائية ستكون منحصرة ضمن المحيط (ويعود ذلك في المقام الأوّل إلى تأثير كوريوليس وإلى التدرجات في درجات الحرارة)، والتي تؤدي إلى حدوث انتقال ذو فاعليّة كبيرة للكائنات الحية من أنظمة الينابيع الحرارية في قاع المحيط إلى أسفل السطح الجليدي للقمر (أوروبا)، وذلك بدون الحاجة للطاقة للقيام بذلك، حيث يمكن لهذه الكائنات أن تحصل على المؤكسدات الضرورية لها والتي من المحتمل توافرها تحت جليد القمر. لكنّ أهم نقطة في هذا السيناريو، هو أنّ المؤكسدات لن تكون متوفرة لهذه الكائنات إلا عندما يكون هناك اتصال بين السطح والقاعدة الجليديّتان للقمر (أوروبا).
وكما أشار الدكتور (راسل) في مقابلة مع مجلة (Astrobiology): «إنّ ميكروبات قمر (أوروبا) قد تكون موجودة بكثافة تعادل مثيلاتها على الأرض، وهذا الذي سيدعم النظرية القائلة بأن الحياة على الأرض نشأت من مثل هذه الينابيع»، وقالَ أيضًا: «إنّ جميع المكوّنات والطاقة المجانية الضروريات للحياة هي موجودة بكثرة في هذا المكان»، ويضيف: «إنّ استكشاف الحياة على القمر (أوروبا) سيدعم بقوة نظرية نشوء الحياة من الفتحات القلوية».
إن لهذه الدراسة أهمية كونها تقدم الدعم لإرسال بعثة مستقبلية إلى القمر أوروبا، إذا كان هنالك أنظمة حياة ميكروبية تحت سطح القمر (أوروبا) فإنها ستكتشف عن طريق رجل آلي يستطيع اختراق السطح الجليدي للقمر بواسطة أعمدة المواد التي اكتُشفت على القمر، وذلك بالتزامن مع وجود مركبة فضائية تهبط بالقرب من عامود نشط وتبحث عن إشارات لوجود المؤكسدات أو الميكروبات قادمة من داخل القمر.
إن مثل هذه البعثات التي تهبط على السطح ستكون أكثر بساطة وأقل تلويثًا للبيئة الموجودة على القمر من غواصة روبوتية مصممة لاستكشاف بيئة المحيطات العميقة في أوروبا. ولكن بغض النظر عن شكل مهمة مستقبلية إلى أوروبا، أو إنسيلادوس، أو غيرها من هذه الأماكن، فإنّه من المشجع أن نتعرف على أي شكل من أشكال الحياة قد تكون موجودة هناك، وإذا تمكّنت بعثة من هذه البعثات أن تعثر على الحياة هناك، فسوف نعلم أخيرًا أنّ الحياة في النظام الشمسي موجودة في أماكن أخرى غير الأرض!
من الممكن أيضًا إرسال بعثات شبيه إلى القمر إنسيلادوس (قمر زحل)، حيث تمّ تأكيد وجود فتحات حرارية مائية، والتي أشارت إلى وجود أعمدة نشطة من مواد حول منطقة القطب الجنوبي للقمر، حيث يمكن لروبوتٍ ما الدخول عبر هذه الفتحات للوصول إلى داخل القمر والبحث عن وجود أنظمة بيئية تحت القشرة الجليدية للقمر، أو يمكن إرسال مركبة فضائيّة تهبط بالقرب من عامود أعمدة المواد الموجودة على سطح القمر وتقوم بدراسة المواد التي تخرج منه.
- ترجمة: عامر السبيعي
- تدقيق: لؤي حاج يوسف
- تحرير: زيد أبو الرب
المصدر