منذ عدة سنين بدأت عالمة الكواكب ليانا كويك بدراسة احتمالية وجود كواكب أخرى ذات مسطحات مائية، غير الكواكب الخارجية الأربعة آلاف المكتشفة حاليًا، تشبه بعض الأقمار المائية لكل من زحل والمشتري.
ومع أن هذه الأقمار مغطاة بالجليد ولا تمتلك غلافًا جويًا فإنها تعد أهم وجهات ناسا في عملية بحثها عن الحياة خارج كوكب الأرض، خاصةً قمر إنسيلادوس التابع لزحل وقمر يوروبا التابع للمشتري.
صرحت عالمة الكواكب في وكالة ناسا ليانا كويك المختصة في دراسة البراكين والعوالم المحيطية «تنفجر ينابيع المياه من سطح إنسيلادوس ويوروبا باستمرار، وهذا يعني وجود مسطحات مائية تحت الأسطح الجليدية، ولكل منهما الطاقة الكافية لإخراج الماء من الداخل، وتُعد هاتان الخاصيتان من أهم مقومات وجود الحياة واستمرارها. فإذا اعتبرنا القمرين قابلين للاستعمار فإن الكواكب التي تشبههما وبأحجام أكبر ستكون قابلة للاستعمار أيضًا».
درست العالمة إمكانية وجود كواكب أخرى (فرضيًا) خارج مجموعتنا الشمسية تمتلك مسطحات مائية ولها الطاقة الكافية لإخراج الأعمدة المائية، وإمكانية رؤيتها بمساعدة التليسكوبات.
عندما أجرت كويك وزملاؤها الحسابات الرياضية لبعض الكواكب الخارجية في نظام TRAPPIST-1، وجدوا أن احتمالية وجود عوالم مائية (كواكب ذات مسطحات مائية) تشبه إنسيلادوس ويوروبا عالية جدًا، حتى إن الباحثين يتوقعون أن هذه الكواكب ذات طاقة أعلى من القمرين.
يومًا ما سيستطيع العلماء دراسة فرضية العالمة كويك بناءً على دراسة الحرارة المنبعثة من الكواكب بواسطة تحليل الانفجارات البركانية بجميع أنواعها (ذات الصخور الذائبة أو الانبعاثات السائلة أو البخارية) بواسطة تقييم الطول الموجي للضوء المنبعث من الجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي لهذا الكوكب.
إلى يومنا هذا، لا يستطيع العلماء رؤية الكواكب الخارجية بوضوح وهذا لأنها بعيدة جدًا ومغمورة بالضوء الصادر من نجومها.
لكن باستخدام البيانات الموجودة لدينا حاليًا، استطاعت كويك وزملاؤها بناء محاكاة تشابه نظامنا الشمسي لمعرفة هل هذه الكواكب صالحة للحياة أم لا؟ ومع أن هذه الافتراضات مجرد ادعاءات فإنها تفيد العلماء في تحديد أي من هذه الكواكب يُعد صالحًا للحياة، وهذا لتسهيل مهمات ناسا القادمة مثل تليسكوب جيمس ويب.
قال عالم الفيزياء الفلكية آكي روبرج من وكالة ناسا الذي تعاون مع العالمة كويك «تركز المهمات القادمة على دراسة وجود الحياة خارج الأرض على الكواكب المشابهة لكوكبنا، تلك التي تمتلك غلافًا حيويًا كبيرًا جدًا يستطيع تغيير كيميائية الغلاف الجوي. لكن في نظامنا الشمسي، لدى كل من القمرين إنسيلادوس ويوروبا المقومات التي يظن العلماء بأنها مطلوبة لوجود الحياة واستمرارها».
جمعت كويك معلومات عن 53 كوكبًا خارجيًا لها حجم مشابه لحجم كوكب الأرض إلا أن بعض هذه الكواكب ذات كتلة أكبر بكثير.
اكتُشف أكثر من 30 كوكبًا خارجيًا منذ بدء هذه الدراسة في عام 2017 إلا أنها لم تدرج في البحث.
بعد أن حدد الباحثون الكواكب، حاولوا دراسة كمية الطاقة الحرارية المنبعثة منها. اقترح العلماء مصدرين لهذه الطاقة، الأول هو الحرارة المولَّدة بالإشعاع الصادرة من تحلل المواد المشعة من مليارات السنين والموجودة على قشرة الكوكب وستاره.
تعتمد كمية الطاقة على عمر الكوكب وكتلة الستار الخاص به. حدد العلماء سابقًا هذه النسبة لكوكب الأرض وهذا ما اعتمد عليه فريق العالمة كويك لأن الكواكب المختارة ذات أحجام مقاربة لكوكب الأرض.
بعدها درس الباحثون الطاقة الحرارية الناتجة من قوة المد والجزر، وهي الطاقة الصادرة من عملية السحب الجاذبي عندما يدور جسمان حول بعضهما. الكواكب ذات المدارات الإهليجية أو الممدودة تغير المسافات بينها وبين نجومها. يغيّر التغيير في قوة الجاذبية شكل الكوكب وهذا يؤدي إلى إنتاج طاقة حرارية.
تُخرج هذه الطاقة الحرارة من سطح الكوكب، وإحدى طرق خروجها هي البراكين. الطريقة الأخرى هي التغيرات التكتونية، وهي تغيرات جيولوجية تطرأ على سطح الكوكب وتؤدي إلى تغيرات في الطبقة الخارجية الصخرية أو الجليدية لهذا الكوكب.
معرفة كمية الطاقة الصادرة من الكوكب أساسية لاكتشاف هل هو صالح للحياة والاستعمار أم لا؟
مثلًا، إذا كان الكوكب ذو طاقة بركانية عالية فسيتحول إلى جحيم غير قابل للعيش، وإذا لم يمتلك أي انفجارات بركانية فهذا سيمنع صدور الغازات المهمة للغلاف الجوي وسيتحول إلى سطح غير قابل للعيش أيضًا. وجود النسبة المثالية بين الطاقة الصادرة وكمية الغازات يؤدي إلى بناء غلاف جوي يسمح للحياة بالازدهار على سطح كوكبه.
في العقد القادم، ستقوم مهمة ناسا المسماة (كليبر) والمرسلة لقمر يوروبا، بدراسة السطح الخارجي وما تحته لهذا القمر، إن استطاع العلماء فهم طبيعة يوروبا والأقمار المشابهة له في نظامنا الشمسي، سيفهمون طبيعة الكواكب الخارجية الأخرى وإمكانية العيش فيها.
قالت كويك المشاركة في مهمة كليبر إلى القمر يوروبا ومهمة دراغون فلاي إلى قمر تايتن «إن دراسة العوالم المحيطية في مجموعتنا الشمسية أساسي ومهم جدًا، فإذا استطعنا إيجاد أي دليل كيميائي على وجود الحياة على سطح يوروبا، فسننقل هذه التجربة إلى جميع الكواكب الأخرى».
عندما يبدأ تيليسكوب ويب عمله، سيقوم بالبحث عن الدلائل الكيميائية في كواكب النظام TRAPPIST-1 الذي يبعد عنا 39 مليون سنة ضوئية ويقع في مجموعة نجوم القوس.
في عام 2017 صرح العلماء أن بعض هذه الكواكب ذات حجم مقارب للأرض وبعضها مائي أيضًا. وبالاعتماد على هذه الدراسة فإن هنالك 14 عالمًا محيطيًا في هذا النظام.
حدد العلماء أيًّا من هذه الكواكب قد يعد عالمًا محيطيًا بدراسة كمية الإشعاع النجمي الذي يعكسه إلى الفضاء آخذين في الحسبان كثافة الكوكب وبمقارنة كمية الحرارة الصادرة منه بالأرض.
صرحت العالمة كويك «إذا كان أحد الكواكب ذا كثافة أقل من الأرض، نتوقع امتلاكه الكثير من الماء مقارنةً بوجود الحديد أو الصخور. وإذا كان الكوكب ذا درجة حرارة مناسبة لوجود الماء في حالته السائلة، فيسمى بالعالم المحيطي، لكن إذا كانت درجة حرارة الكوكب أقل من الصفر السيليزي فإن الماء سيتحول إلى جليد».
إقرأ أيضًا:
الكشف عن محيط يقع في القمر إنسيلادوس يحتوي على وحدات البناء الرئيسية للحياة
علماء الفلك قد وجدوا للتو دليلًا على ظاهرة طقس غريب على القمر تيتان
ترجمة: زينب سعد
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: رزان حميدة