نمر جميعنا بأيام جيدة وأخرى سيئة، لكن ما الذي يجري حقًا داخل رؤوسنا وبإمكانه تفسير الاختلاف بين هذه الأنماط من التجارب العاطفية الشخصية والمستمرة؟ يبدو أنه قد حدد جزء من السبب الكامن وراء المزاج السيئ طويل الأمد في دراسة جديدة، بإيجاد العلماء أن عملية معينة ضمن اللوزة الدماغية لها دور أساسي في قابلية المرء للتخلص من مشاعره السلبية. وتعد اللوزة الدماغية جزءًا من الجهاز الحوفي للدماغ، وتتدخل في عدد من جوانب المعالجة الشعورية والذاكرة واتخاذ القرارات.
قاد فريق الدراسة باحثون من جامعة ميامي وفحصوا بيانات مقدمة من مشاركين في منتصف العمر في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي دراسة طولية هامة بدأت في 1990 وجمعت معلومات عن الصحة الجسدية والنفسية لآلاف الأمريكيين ممن كانوا في منتصف أعمارهم، وتضمنت فحوصات لصحتهم الفيزيولوجية، وأجاب الأفراد عن استمارات بشأن صحتهم الفيزيولوجية يوميًا، وأجرت عينة من المشاركين عددًا من الحوارات الهاتفية مع الباحثين الذين طرحوا أسئلةً تتضمن إحساسهم العام ومزاجهم من يوم لآخر لقياس المشاعر اليومية للأفراد.
وفُحِص النشاط الدماغي لجزء من أفراد المجموعة باستخدام التصوير الشعاعي (فيرم) في تجربة عُرِضت خلالها على المشاركين صورٌ إيجابية أو سلبية أو محايدة، مصدرها قاعدة بيانات شائعة الاستخدام في الأبحاث الفيزيولوجية، عبر إدراج صورة عاطفية، متبوعة بصورة وجه محايدة، قبل عرض الصورة التالية الإيجابية أو السلبية أو المحايدة. أوضحت نتائج الفحص الشعاعي للطاقم المؤلف من 52 بالغًا ممن أجروا الاختبارات كافة ارتباطًا بين المظاهر السلبية لمشاعر المرء اليومية وصحته الفيزيولوجية وبين نشاط مستمر ومتواصل في الجانب الأيسر من اللوزة الدماغية، وذلك بعد مشاهدة الصور العاطفية السلبية.
وبمعنًى آخر: استمر التأثير الناتج عن رؤية الصور السلبية (التي تضمنت مشاهد عنيفةً وأجسادًا مشوهةً) لدى بعض الأشخاص، الأمر الذي تحكم في معالجتهم الشعورية حتى بعد إزالة المشاهد المزعجة، وبالمقارنة بالأشخاص الذين لم يستمر نشاط اللوزة الدماغية لديهم بعد رؤيتهم الصور المنفرة، فيبدو أن استجابتهم العاطفية تعود لوضعها الطبيعي بسرعة أكبر، وأشارت المعلومات التي جُمعِت عنهم في الدراسة إلى أنهم تمتعوا بمشاعر إيجابية متكررة أكثر من تلك السلبية في حياتهم اليومية.
وتؤدي اللوزة الدماغية دورًا دفاعيًا هامًا عبر مساعدتنا في الكشف عما يهددنا، ويبدو أن هذه القدرة تترافق مع نوع من التأثيرات غير المباشرة، إذ لا تزول المشاعر السلبية التي تنتابنا عندما نقدم على شيءٍ خطير بسرعة أحيانًا، ويمكنها الاستمرار بعد ذلك مؤثرةً في رؤيتنا لما يليها من مظاهر. في الحقيقة، ووفقًا لاكتشافات جديدة، قد تمتد تلك التأثيرات غير المباشرة إلى داخل حياتنا اليومية لدرجة أعلى بكثير مما يمكننا ملاحظته.
ويشرح الباحثون في ورقتهم البحثية: «قد تكون هذه هي المسألة للأفراد ذوي النشاط المتواصل في اللوزة الدماغية، قد تصبح اللحظات السلبية متضخمة وطويلة الأمد، عبر تأثر اللحظات التالية لها وغير المرتبطة بها بمظهرها السلبي. بالنهاية، يمكن أن ينتج عن هذا النشاط المتواصل معدلات من مشاعر أكثر سلبيةً وأقل إيجابيةً في الحياة اليومية. وهذا السلوك الدماغي الذي يربط بين نشاط الجانب الأيسر من اللوزة الدماغية المستمر وبين العواطف اليومية، قد يزيد فهمنا للتقديرات الثابتة وطويلة الأمد الخاصة بصحتنا».
ويوجد حاجة لتوضيح الكثير من الأشياء في هذا الخصوص، لم تكن مجموعات المرضى المنخرطين في هذا الجانب من دراسة متوسطي العمر الأمريكية عينةً ضخمةً. وعدا عن تكرار التجربة على عدد أكبر من المشاركين، يقول الفريق أنه ينبغي علينا تجربة أشكال بديلة من الصور المحايدة، وعلينا اكتشاف المزيد بواسطة فحوص شعاعية عالية القدرة، عمّا يحتمل أن تبدي عنه المناطق الدماغية الأخرى من تأثيرات مستمرة ناتجة عن المشاهد العاطفية.
وكتب الباحثون: «بما أن الصحة الفيزيولوجية شأن معقد، يتطلب تقييم الذات المعرفي أن يندمج المرء على مدى عمر من التجارب، ويرجح أن تكون كهذه العملية التقييمية مدعومةً من قبل شبكات الدماغ المتوزعة عوضًا عن أي منطقة دماغية مستقلة أخرى».
اقرأ أيضًا:
لا تخف من المزاج السيء في العمل فقد يزيد من إنتاجيتك
اذا كنت تعتبر نفسك من الاذكياء اليك هذا الخبر السيء
ترجمة: حيدر بوبو
تدقيق: لبنى حمزة