تتفحص هذه الدراسة التي أعدها علماء نفس في جامعة كاليفورنيا- سانتا بابرا UC Santa Barbara، تعقيدات مفهوم الإرادة الحرة، وكيف يؤثر الإيمان بوجودها من عدمه على سلوكنا.
تَصِلُ منزلك، عائداً من العمل، لتجد شريكَتك منهمكةً في أعمال المطبخ، من المتوقع في هذه الحالة أن تقدم المساعدة، فهذه هي طبيعة البشر.
أما أن يُطلَب منك المساعدة بشكلٍ فظ، فتلك مسالةٌ مختلفة.
دَع جانباً فكرة أنك مدرك لكونك قادر على الإختيار، في الواقع، فإنكَ ستحجم عن التعاون على الأرجح، لتتخذ قرارا مغايرا تماماً، فربما تذكرت فجأةً بأن لديكَ خططاً أخرى للعشاء.
تظهر نتائج هذه الدراسة، أن البشرَ متعاونون بالفطرة، وأن التشكيك في إيمانهم بإرادتهم الحرة سيقوض هذا التعاون، ويؤدي إلى ظهور سلوكٍ شديد الأنانية، ومع ذلك، فلو مُنَحَ المشاركون وقتاً للتفكير، فأنهم سيتمكنون من الحد من هذا المَيل نحو تفضيل المصلحة الشخصية.
“لو شككت في إيمان شخصٍ ما بكونهِ يتمتع بإرادة حرة، فسيقود ذلك إلى الإخلال بأكثر العمليات العقلية الذاتية الفطرية لدى البشر، إذ تقترح هذه الدراسة.
أن من شأن هذا التشكيك أن يَعْكِسَ هذه الآلية العقلية -بشكل مؤقت على أقل تقدير- وبذلك تتحول ليصبح سلوكنا رافضاً للتعاون بالفطرة، متسبباً في أن يتصرف الفرد بشكلٍ أناني” على حد تعبير جون بروتزكو، عالم النفس، وأحد مُعِدّي الدراسة.
وفي إطار التحري عن سبب تزايد إحتمالية ظهور السلوك الأناني عند تشكيك أحد ما بالإرادة الحرة لدى البشر، فقد إستعان بروتزكو وشولر(المعد الثاني للدراسة) بـعينةٍ مكونةٍ من 144 شخصاً، وطُلِب من هؤلاء أن يمارسو لعبةً ، تعتمد على المشاركة الإقتصادية، وتسمى بالمنافع العامة Public Goods.
في هذه اللعبة، يكون للمشاركين الحرية في إختيار كم سيدفعون من “مالهم” الخاص، ليضعوه في إناءٍ عام، حيث تضاعفت مساهمات المشاركين، وتم توزيع المبلغ المجموع في الإناء المشترك بشكلٍ متساوٍ بينهم، كما سُمِح لهم بالإحتفاظ بمبلغ المال الذي لم يساهمو به.*
وفي سعيهم لتحديد سبب تغيّر السلوك عند التشكيك بالإرداة الحرة، لجأ الباحثون لإستخدام تكتيكات للإختبار في هذا الصدد.
ففي التكتيك الأول، وضع الباحثون ضوابط زمنية يجب على المشاركين التقيد بها عند مشاركتهم في وضع المال في الإناء، حيث يهدف هذا الإجراء في أساسه للتأثير على إحساس المشاركين بإرداتهم الحرة.
فعلى سبيل المثال، تم تبليغ المشاركون في الدراسة بأن أمامهم عَشرُ ثوانٍ لقراءة التعليمات، ومن ثم تقرير مبلغ المال الذي سيتبرعون به.
بينما طُلِب من مشاركين آخرين الإنتظار لعشر ثواني قبل إتخاذ قرارهم.
لجأ الباحثون كذلك لتجربةٍ منفصلة، يتم تطبيقها على المشاركين بصورة تجربة خاصة، تسمى إصطلاحاً بـ – دراسة الطيار** Pilot study- ويراد من هذه التجربة التأكد من أن قراءة نصوص معينة تؤدي إلى حدوث تبدل في الحالة المزاجية للمشاركين.
أُجريت التجربة على مجموعتين من المشاركين في الدراسة، وطُلِب من المجموعة الأولى قراءة نص تضمن ما مفاده أن علم الاعصاب قد أثبت مؤخراً أن قرارتنا تتخذ وفقاً لتفاعلاتٍ دماغية معقدة لدينا، بحيث يُصنع القرار قبل أن نكون واعين به، بينما قرأت المجموعة الأخرى (المجموعة الضابطة) مقالاً عما إذا كانت الطاقة النووية صديقة للبيئة.
بعد ذلك، قام الباحثون بتقدير درجة إيمان المشاركين بإمتلاكهم لإرادة حرة، وذلك عبر سؤالهم عن مدى تأييدهم للعبارة التالية: “لَدَيَ إرادةٌ حرة”، وفقاً مقياسٍ من مئة درجة (1-100) بالنسبة للمجموعة التي طُلِب منها قراءة النص الخاص بعلم الأعصاب، فقد كان تأييدها لهذه العبارة بدرجة منخفضة مسجلة درجة (75،6)، بينما كان تأييد المجموعة الاخرى التي قرأت مقالاً عن الطاقة النووية أعلى، مسجلة درجة (86،6)
“على ما يبدو، فإن التشكيك في إيمان الأفراد بالإدارة الحرة لم يقدم لهم تبريراً واعياً لإتخاذ سلوك أناني، ولو حدث ذلك، لأمكننا أن نلاحظ تدني مستوى المساهمة بالمال عندما مُنِح المشاركون وقتاً كافياً للتفكير في قرارهم حول مبلغ المال الذي يساهمون به.
إنه لمن المحبط جداً، سماع أننا لا نمتلك إرداةً حرة، فأن لا يكون لدينا إرادةٌ حرة، فذلك يغير طريقة رؤيتنا للأشياء، وحتى هذه اللحظة، فإننا نتغير نحو الأفضل، ونمضي في حياتنا كما لو لم يكن هناك شيء.”يقول بروتزكو.
لتوضيح الفكرة: لو إشترك في وضع المال 4 أشخاص، ودفع كلٌ منهم مبالغ مختلفة، 4 دولارات، 5، 6، 9.
فسيكون مجموع المال الموضوع في الإناء المتشرك 24 دولاراً.
وعند تقسيم هذا المال بشكلٍ متساوٍ سيحصل كل من المشاركين على مبلغ 6 دولارات، بغض النظر عن المبلغ الذي دفعه كل واحد منهم، أي ان من دفع مبلغ 4 دولارات وخمسة دولارات يحق له الإحتفاظ بما زاد عن المبلغ الذي شارك فيه.
دراسة الطيار أو تجربة الطيار: وهي عبارة عن دراسة صغيرة يُراد منها المساعدة في إنشاء دراسة ذات طبيعية تأكيدية أكبر، أي، وبعبارةٍ أخرى، هي دراسة يراد منها التحقق من إجراءات الدراسة، ومدى صلاحية ادواتها وتقديراتها ومتغيراتها.
- تحرير : عيسى هزيم.
- المصدر