عند الغوص في تفاصيل الكون، نصل إلى تساؤلات من الصعب الإجابة عنها. فمع إمكانية وجود رابط بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة، قد نقع في دوامة من التساؤلات حول هذه النظريات، ودورها في حياتنا، وتفاصيلها من جهةٍ رياضية وفيزيائية.
قد يبدو هذا السؤال الأصعب في كل العلوم، ولكنه بسيط جدًا من جهةٍ أخرى.
أولًا، لفهم تفاصيل الكون، علينا تفكيكه إلى مكوناته.
ميكانيكا الكم:
تهتم ميكانيكا الكم بتوصيف حركة الأجسام الصغيرة جدًا، كالذرة ومكوناتها.
مع تطور مفهومنا عن فيزياء الكون، رأى العلماء الحاجة إلى نظرية أفضل لوصف حركة الذرات وغيرها من الأجسام دون الذرية.
مثلًا، لا تدور الإلكترونات حول النواة بالطريقة نفسها التي تدور بها الكواكب حول الشمس، ما فرض ضرورة وجود نظرية تصف بدقة هذه التحركات الغريبة.
ظهرت ظواهر عدة على المستوى الذري ودون الذري لم تتمكن الفيزياء الكلاسيكية من تفسيرها. لذا، بدت الحاجة إلى اقتراح نظرية أفضل، كانت تلك النظرية هي ميكانيكا الكم.
في هذه النظرية، نرى بأن الفوتون (الجسيم الضوئي) قد يتصرف مثل جسيم، أو مثل موجة. كان لهذا الاكتشاف أثر مهم في فيزياء كوننا، إذ أظهر وجود تغيرات دائمة في محيطنا، نتيجةً لها، لا يمكن تحديد مكان أي جسيم في وقت محدد.
النسبية العامة:
إضافةً إلى التفاصيل الغريبة الخاصة بميكانيكا الكم التي تسمح للجسيم بالتصرف على شكل موجة أو جسيم عادي، نرى وجود بعض الغرابة أيضًا، مثل مبدأ الريبة (uncertainty principle) الذي لا يسمح لنا بقياس مكان وسرعة الجسيم في الوقت ذاته.
أدت هذه النظرية إلى تناقضات عدة بالنسبة لأينشتاين، الذي كان يطور نظرية النسبية العامة في ذلك الوقت، ولم يتقبل هذا المبدأ برحابة صدر.
النسبية العامة مبنية على فكرتين: الجاذبية، والزمان والمكان.
بعكس ما نراه نحن، فإن الزمان والمكان في نظرية النسبية العامة موحدان في نطاقٍ واحد، يُسمى نسيج الزمكان. هذا النسيج، يتأثر ويتغير عبر المواد الموجودة فيه، ما يعني أننا في حالة تأثير دائم في هذا النسيج.
ولكن في الحقيقة، فإن الأجسام الكبيرة هي التي تؤثر في هذا النسيج، كالشمس مثلًا، إذ تؤدي إلى انحناء الزمكان في اتجاهها، ما يؤدي إلى دوران كواكب أصغر حولها.
هذا التفسير الذي اقترحه أينشتاين، أعطى سببًا لقوة الجاذبية التي اكتشفها نيوتن سابقًا عبر القوانين التي اقترحها، وهذا السبب هو انحناء الزمكان.
بالنظر إلى النسبية العامة، فإنها أعطتنا مفهومًا جديدًا للجاذبية والكون عمومًا، أما ميكانيكا الكم، فقد أعطتنا وصفًا لتحركات الجسيمات على المستوى دون الذري.
ولكن هاتين النظريتين لا تتوافقان، لذا من المنطقي تواجد نظرية أكبر توحدهما.
نظرية الأوتار:
لا يمكن توحيد ميكانيكا الكم والنسبية العامة إذا لم نتمكن من فهم ما الذي لا يتوافقان بسببه.
نظرية أينشتاين تؤكد بأن الزمكان هو ثابت يتغير مع الأحجام الكبيرة، وهذا يتناقض مع ميكانيكا الكم التي تؤكد أن الجسيمات الصغيرة في كوننا دائمة التغير والتبدل.
فميكانيكا الكم تؤكد أن الكون في حالة تبدل وتغير دائمة على المقياس الذري، ما يعني أن الجاذبية لا تتماشى مع النسبية العامة، إذ سيتغير الزمكان مع التغير الدائم للمواد.
إضافةً إلى ذلك، تقترح ميكانيكا الكم عدم قدرتنا على قياس أي شيء بدقة تامة، بل تقترح احتمالات لتوقع مكان الجسيم مثلًا.
في حال صحة النسبية العامة الحالية، فإن المادة لن تكون في تغير دائم، وسنتمكن من تحديد موقع الجسيم بدقة تامة، ما يتناقض مع ميكانيكا الكم.
إن كل هذه التناقضات تفرض وجود نظرية أوسع تجمع بينهما لتفسير الظواهر الحالية في كوننا. نظرية الأوتار من الاقتراحات الأساسية التي قد تُعتبر أملًا في توحيد النظريتين. تقترح هذه النظرية بأن الجسيم ما هو إلا وتر، يتحرك على شكل موجة ويهتز.
بسبب ذلك، تتمكن نظرية الأوتار من تفسير الجاذبية في النطاق الكمي، وتسمح بربطها بالنسبية العامة، إذ تحافظ على الزمكان دون التأثير فيه بكثرة.
ولكن، نظرية الأوتار الفائقة لا تزال محض نظرية رياضية لم تُثبت عبر أي تجربة حتى الآن.
قد نتمكن من إثبات هذه النظرية عبر مسرع الجسيمات، عبر رصد النظائر الفائقة (superpartners). إذ تقترح نظرية الأوتار وجود نظير غير ثابت لكل جسيم في كوننا يدور بشكلٍ مختلف، مثلًا؛ الإلكترون والسيلكترون، أوالغرافيتون والغرافيتينو.
في عام 2010، رُصد جسيم الهيغز (higgs boson) في مصادم الهدرونات الكبير، لذا قد نكون على الطريق الصحيح لإثبات نظرية الأوتار.
من جهةٍ أخرى، فإن دوران الجسيمات قد يساعدنا في التشابك الكمي، إذ تترابط الجسيمات وتتخذ دورانًا مرتبطًا.
يحاول الباحثون حاليًا تجريب التشابك الكمي على مسافات أبعد عبر إرسال الفوتونات إلى الفضاء، ورؤية تأثير هذه الظاهرة على نسيج الزمكان.
ختامًا، قد يكون الثقب الأسود مصدرًا لنا لجمع هاتين النظريتين، فالأخير هو جسم ذو كتلة عالية جدًا، يتناسب مع النسبية العامة، إضافةً إلى كونه يتعامل مع ميكانيكا الكم خلال تحول هذا النجم وانهياره.
لذا، في حال تمكنا من فهم ما يحدث بالتفصيل في تلك المنطقة، قد نتمكن من دمج ميكانيكا الكم مع النسبية العامة.
اقرأ أيضًا:
الجاذبية الكمية -الكأس المقدسة في الفيزياء- لماذا يحاول مئات العلماء إيجادها؟
تجربة فيزيائية تظهر كيف ينشأ الزمن من التشابك الكمي
ترجمة: محمد علي مسلماني
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: حسين جرود