بصمة الحمض النووي هي طريقة تستخدم لمعرفة الفرد عن طريق أخذ عينة من حمضه النووي والنظر في أنماط فريدة من نوعها فيها.
الخلفية العلمية:
الجينوم هو مجموعة كاملة من التعليمات الوراثية. وكل جينوم يحتوي على جميع المعلومات اللازمة لبناء كائن حي والسماح له بالنمو والتطور.
الجينوم الخاص بنا معبأ في 23 زوجًا من الصبغيات «Chromosomes».
والتي تتكون من جزيئات الحمض النووي. كل خلايا الجسم تقريبًا لديها حمض نووي. ويتكون الحمض النووي من أزواج من القواعد.
زوج القاعدة هو قاعدتين من «النيوكليوتيدات» على فروع معاكسة من جزيء الحمض النووي ويكونان ملتصقين معًا بواسطة روابط كيميائية ضعيفة.
في البنية الحلزونية المزدوجة للحمض النووي، زوج القاعدة الواحد يشكل (درجة) من (السلم).
قوانين اقتران القواعد هي أن قاعدة الأدينين «A» ترتبط دائمًا بقاعدة الثيامين «T» وقاعدة السيتوزين «C» ترتبط دائمًا بقاعدة الجوانين «G»، وزوج القاعدة هو أيضًا وحدة قياس الحمض النووي، والجينوم البشري يحتوي على أكثر من 3،000،000،000 زوج قاعدة.
وهناك أيضًا السواتل الصغرى، وهي سلاسل قصيرة (تتراوح بين 10 و 60 زوج قاعدة) من الحمض النووي المتكرر، وتُظهِر اختلافًا بين الأشخاص أكثر من الأجزاء الأخرى في الجينوم.
ويظهر هذا الاختلاف في عدد الوحدات المتكررة أو (التلعثمات) في تسلسل السواتل الصغرى.
في المتوسط، حوالي 99.9 في المئة من الحمض النووي بين اثنين من البشر تكون متماثلة، والنسبة المتبقية هي ما تجعلنا فريدين (إلا إذا كنت توأمًا متماثلًا!).
وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو وكأنه كمية صغيرة، إلا أن هناك حوالي ثلاثة ملايين من أزواج القواعد تختلف بين شخصين. ويمكن مقارنة هذه الاختلافات و استخدامها للمساعدة في تمييزك عن شخص آخر.
بصمة الحمض النووي:
اخترعت بصمة الحمض النووي في عام 1984 من قبل الأستاذ الجامعي «السير أليك جيفريز» بعد أن أدرك إمكانية الكشف عن الاختلافات في الحمض النووي البشري في شكل السواتل الصغيرة.
الأسلوب يكشف الكثير من السواتل الصغيرة في الجينوم في وقت واحد ويستخدمها لإنتاج نمط فريد للفرد، ويسمى هذا النمط «بصمة الحمض النووي».
إن احتمالية وجود شخصان لديهما نفس بصمة الحمض النووي وليسا توأمًا متطابقًا تكاد تكون معدومة.
تمامًا مثل بصمات الأصابع الخاصة بك، بصمة حمضك النووي هو شيء ولدت به، إنها فريدة لك وحدك.
كيف تم إنتاج أول بصمة حمض نووي؟
كانت الخطوة الأولى من تسجيل بصمات الحمض النووي هي استخراج الحمض النووي من عينة من المواد البشرية، عادة ما تكون عينة دم، ثم استخدم «المقص» الجزيئي «أنزيمات التقييد» لقص الحمض النووي.
ونتج عن هذا آلاف القطع من الحمض النووي مع تشكيلة من الأطوال المختلفة. ثم فصلت هذه القطع من الحمض النووي وفقًا لحجمها عن طريق عملية تسمى (الرحلان الكهربي)
يتم تحميل الحمض النووي في آبار عند واحدة من نهايات هلام مسامي، والذي يعمل قليلًا مثل الغربال. يطبق تيار كهربائي لسحب الحمض النووي المشحون سلبًا من خلال الهلام.
قصاصات الحمض النووي الأقصر تعبر من خلال الهلام أسهل، وبالتالي أسرع. والتنقل عبر الهلام صعب بالنسبة للقصاصات الطويلة من الحمض النووي لذا تعبر أبطأ.
ونتيجة لذلك، عندما يتم إيقاف التيار الكهربائي، تفصل قطع الحمض النووي من حيث الحجم. و الجزيئات الأصغر من الحمض النووي تكون في المكان الأبعد عن مكان تحميل العينة الأصلية على الهلام.
ما إن يتم فرز الحمض النووي، تنقل الأجزاء أو «تجفف» من الهلام الرقيق على قطعة متينة من غشاء النايلون ثم تُفتح لإنتاج جدائل مفردة من الحمض النووي.
بعد ذلك، يتم تحضين غشاء النايلون بمجسات مشعة:
المجسات هي شظايا صغيرة من السواتل الصغرى للحمض النووي الموسومة بـ الفوسفور المشع.
وتعلق هذه المجسات فقط بقطع الحمض النووي المكملة لها؛ وفي هذه الحالة، تعلق على السواتل الصغيرة في الجينوم.
تصور السواتل الصغيرة التي علقت بها المجسات من خلال تعريض غشاء النايلون لفيلم الأشعة السينية.
عندما يُعرَّض الفيلم الذي عليه الحمض النووي المصنف للنشاط الإشعاعي يظهر عليه نمط مكوّن من أكثر من 30 عُصابة مظلمة.
ويكون هذا النمط بصمة الحمض النووي. لمقارنة اثنين أو أكثر من بصمات الحمض النووي المختلفة يتم سحب عينات الحمض النووي المختلفة جنبًا إلى جنب في الرحلان الكهربائي.
تأليف الحمض النووي:
ويسمى تأليف الحمض النووي في العصر الحديث أيضًا بـ «تحليل تكرار المترادفات القصيرة» ويعتمد على السواتل المجهرية بدلًا من السواتل الصغيرة المستخدمة في بصمات الحمض النووي.
والسواتل المجهرية أو «التكرارات القصيرة المترادفة – STRs»، هي أقارب السواتل الصغيرة الأقصر، والتي عادة ما يتراوح طولها بين اثنين وخمسة أزواج قواعد.
ومثل السواتل الصغرى، فإنها تتكرر عدة مرات في جميع أنحاء الجينوم البشري، على سبيل المثال، «TATATATATA».
كيف يتم إنتاج ملف الحمض النووي اليوم؟
يتم استخراج الحمض النووي من عينة بيولوجية. تحليل تكرار المترادفات القصيرة حساس بشكل لا يصدق لذلك يحتاج فقط إلى كمية صغيرة من الحمض النووي لشخص ما لإنتاج نتيجة دقيقة. ونتيجة لذلك، يمكن استخراج الحمض النووي من مجموعة واسعة من العينات البيولوجية، بما في ذلك الدم واللعاب، والشعر.
وعلى عكس طريقة بصمة الحمض النووي الأصلية، تأليف الحمض النووي لا يستخدم إنزيمات التقييد لقص الحمض النووي.
بدلًا من ذلك يستخدم تفاعل سلسلة البلمرة «PCR» لإنتاج العديد من النسخ من سلسلة التكرارات القصيرة المترادفة المحددة.
تفاعل سلسلة البلمرة هو إجراء آلي يولد الكثير من النسخ التي لها تسلسل معين من الحمض النووي.
ويتطلب ليبدأ فقط كميات صغيرة من الحمض النووي، ويمكنه أن يصنع نسخ حتى من عينة الحمض النووي التي تدهورت جزئيًا.
في تفاعل سلسلة البلمرة، ترتبط قطع صغيرة من الحمض النووي تسمى «الفتيل – Primers» مع سلاسل تكميلية من الحمض النووي المراد، وتضع علامة عند نقطة الانطلاق لنسخ ذلك الحمض النووي.
في تحليل تكرار المترادفات القصيرة يتم تصميم الفتائل المستخدمة في تفاعل سلسلة البلمرة لتعلق على أي من نهايات سلسلة التكرارات القصيرة المترادفة المرادة.
ويتم تصنيف الفتائل لكل سلسلة من التكرارات القصيرة المترادفة بعلامة محددة من الفلورسنت الملون. وهذا يجعل من السهل معرفة وتسجيل تسلسل التكرارات القصيرة المترادفة بعد تفاعل سلسلة البلمرة.
ما إن يتم إنتاج نسخ كافية من السلسلة عن طريق تفاعل سلسلة البلمرة، يستخدم الرحلان الكهربائي لفصل الشظايا وفقًا للحجم.
فـ يمر الليزر بكل شظية مما يسبب توهُج الشظايا ذات علامات الفلورسنت بلون معين. يتم عرض المخرجات كـ سلسلة من القمم الملونة (كما هو مبين في الصورة أدناه) محددةً لون وطول كل سلسلة من التكرارات القصيرة المترادفة.
وكلما كثرت سلاسل التكرارات القصيرة المترادفة التي يتم اختبارها، كثرت دقة الاختبار في معرفة شخص ما.
تستخدم سلاسل أخرى لأغراض الطب الشرعي وتسمى «سلاسل التكرارات القصيرة المترادفة Y»، والمُستمَد من كروموسوم Y الذكري فحسب.
وهذا مفيد لتحديد الجاني الذكر من عينات الحمض النووي المختلطة.
شخص واحد فقط في كل 10 مليون مليون (10،000،000،000،000) سيكون له ملف سلاسل التكرارات القصيرة المترادفة محدد.
مع عدد سكان العالم الذي يقدر بـ 7،100 مليون فقط (7،100،000،000) فإنه من غير المحتمل جدًا أن تتشارك نفس الملف مع شخص آخر، إلا إذا كنت توأمًا متطابقًا.
حل الجرائم:
إن ملفات الحمض النووي مفيدة جدًا في الطب الشرعي لأن عينة صغيرة من المواد البشرية تترك وراء الجريمة قد تكون كافية لتحديد شخص ما.
ففي المملكة المتحدة، يتكون الملف الكامل للحمض النووي من 11 سلسلة من التكرارات القصيرة المترادفة بالإضافة إلى محدد جنس لتأكيد ما إذا كان الملف من رجل أو امرأة.
الآن كل التشكيلات الجديدة تشمل خمسة سلاسل تكرارات قصيرة مترادفة إضافية لتوفير التناسق عبر الحدود في أوروبا.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، يوصي مكتب التحقيقات الفيدرالي «الـ FBI» أن يتم اختبار 13 سلسلة من التكرارات القصيرة المترادفة.
فالعديد من الولايات تزيد من عدد سلاسل الاختبار التي تمكنها من إجراء تحقيقات أكثر فعالية عبر حدود الولايات.
وإذا وجد تطابق بين ملف مسرح الجريمة وملف شخصي فردي يتم احتمال مشتبهًا به. ويشير تطابق بين ملفات مسارح الجريمة المختلفة إلى وجود جاني متسلسل.
وقد تستخدم الشرطة أدلة الحمض النووي هذه لدعم الأدلة الأخرى للمساعدة في مقاضاة شخص ما عن جريمة.
ملفات الحمض النووي الكاملة تعطي تطابقات موثوقة للغاية، ويمكن أن توفر دليلًا قويًا على أن المشتبه به مذنب أو بريء من جريمةٍ ما.
كيف يتم تخزين ملفات تعريف الحمض النووي؟
كانت المملكة المتحدة أول بلد ينشئ قاعدة بيانات وطنية لملفات الحمض النووي في عام 1995.
وتحمل هذه القاعدة ملفات الحمض النووي من عدد مختار من الأفراد في المملكة المتحدة، ومعظمها مرتبط بجرائم خطيرة.
وقد كفل قانون حماية الحريات لعام 2013 حذف 1,766,000 ملف حمض نووي لبالغين وأطفال أبرياء من قاعدة بيانات الحمض النووي الوطني في المملكة المتحدة. ولدى معظم البلدان الآن قاعدة بيانات وطنية للحمض النووي.
ربط أقارب الدم:
تحصل على نصف حمضك النووي من والدتك والنصف الآخر من والدك. وبالتالي يتم نقل سلاسل التكرارات القصيرة المترادفة من الآباء إلى أطفالهم.
يمكن استخدام تأليف الحمض النووي للمساعدة في تأكيد ما إذا كان شخصان يرتبطان ببعضهما البعض، ويستخدم عادة لتقديم أدلة على أن شخصًا ما هو الوالد البيولوجي للطفل أم لا.
ويمكن أيضًا استخدام تأليف الحمض النووي لتحديد ضحايا الجرائم أو الكوارث الكبرى والمساعدة في إعادة الأسر المنفصلة معًا.
تأليف الحمض النووي لديه نسبة نجاح عالية ومعدل منخفض جدًا من الإيجابية الكاذبة.
- ترجمة : كيرلس يوسف نجاح
- تدقيق: أسمى شعبان
- تحرير: أحمد عزب