ينحني الزمن ويلتوي أو يبدو أنه يتسارع أو يتباطأ، وذلك اعتمادًا على موقعك أو إدراكك، لذا يُعد قياس مروره بدقة إحدى أهم المهام الأساسية في الفيزياء، التي قد تساعدنا على الهبوط على المريخ أو حتى رصد المادة المظلمة.
طوّر الفيزيائيون الآن، في المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتقنية (NIST) وجامعة ديلاوير، أدق الساعات الذرية بمساعدة شبكة من الضوء لاحتجازه وإثارة سحابة منتشرة من ذرات السترونتيوم الباردة.
على حد تعبير جون يي؛ الفيزيائي من المعهد المشترك للفيزياء الفلكية المختبرية (JILA) التابع للمعهد الوطني للمعايير والتقنية (NIST) في جامعة كولورادو: «إن هذه الساعة دقيقة حتى أنها تستطيع اكتشاف أصغر التأثيرات التي تنبأت بها نظريات، مثل النسبية العامة حتى على المستوى المجهري».
تابع جون يي قائلًا: «إنها تتخطى حدود المعقول فيما يتعلق بضبط الوقت».
مع دقة منهجية إجمالية تبلغ 10^(19) × 8.1، تتمتع ساعة السترونتيوم بدقة تبلغ ضعف دقة الرقم القياسي المسجل سابقًا.
(NIST) هو معهد يتلاعب فيه الباحثون بالتقنية لزيادة دقة المعايير القياسية العالمية، مثل وحدة الزمن الدولية وهي الثانية.
بينما تُستخدم مجموعة صلبة من المواد لتمثيل وحدة الكتلة، يفتقر الزمن إلى خاصية الثبات الفيزيائي التي نعود إليها للقياس الثابت، لذلك نعتمد على أنماط التكرار بطرق فعالة، مثل حركة دوران الأرض أو تأرجح رقاص الساعة أو طنين قطعة كهربية من الكوارتز. ووفقًا للتوقعات، فإن حركة دوران الأرض تتباطأ وتتسارع بزيادات معينة.
يؤدي البحث عن أنماط في الطبيعة التي يمكن أن تُقاس بطرق متفاوتة بأصغر الدرجات إلى حسابات أكثر دقةً لضبط الوقت. أحد هذه الأنماط هو اهتزاز الإلكترونات المُثارة المحيطة بالذرة، إذ تُعرف الثانية القياسية من خلال قفز إلكترونات معينة تدور حول ذرة السيزيوم مشحونة بأمواج مصغرة ذات تردد معين، وتنطلق إلى مدارات طاقة أعلى وتتراجع مجددًا 9,192,631,770 مرة في الثانية.
طوّر العلماء أفضل الساعات الذرية السيزيوم لأول مرة عام 1955 وأجروا تحسينات عليها منذ ذلك الحين. تحافظ هذه الساعات على الوقت خلال ثلاثمائة مليون من الثانية سنويًا، مقارنةً مع ساعة الكوارتز التي تخسر أو تكسب نحو 180 ثانيةً (أو 3 دقائق) كل سنة.
مع ذلك يفكر علماء القياس في إعادة تعريف للثانية خلال العقد المقبل نتيجة تطور تقنيات الساعة الذرية السريع.
في العقدين المنصرمين، تصدرت الساعات الذرية التي تثير الذرّات أو الأيونات بواسطة أطوال موجية أقصر من الموجات الدقيقة، وسجلت أرقامًا قياسية في الثبات والدقة.
تتفوق هذه الساعة الذرية الجديدة، التي طورها الفيزيائي ألكسندر إيبلي وزملاؤه في(JILA)، بقفزات ذرية على أفضل ساعة شبكية ضوئية سابقة، تلك التي ساعد جون يي وزملاؤه الآخرون في (JILA) في تطويرها عام 2019.
«إنها تحدد معيار الدقة لجميع الساعات الذرية التي أُعلن عنها حتى الآن»، وفقًا لما كتبه إيبلي ويي وزملاؤهم في طبعتهم الأولية؛ في وصفهم للساعة الجديدة.
في شبكة أشعة الليزر أحادية البعد، تحتجز الساعة عشرات الآلاف من ذرات السترونتيوم، ما يوفر مستوىً أعلى من الدقة، إذ إن شبكة الضوء الضحلة التي تعمل في فراغ عالٍ للغاية على طبقة رقيقة من ذرات السترونتيوم فائقة البرودة، تقلص من الأخطاء من خلال تقليل التأثيرات التي تزعزع الاستقرار، تلك الناجمة عن اصطدام أشعة الليزر والذرات ببعضها.
بفضل هذه الدقة الأساسية، من المتوقع أن تفقد الساعة الذرية ثانية واحدة كل 30 مليار سنة، ذلك ما قد يساعد المسافرين عبر الفضاء على ضبط الوقت عبر مسافات شاسعة.
يقول يي: «إذا أردنا الهبوط بمركبة فضائية على المريخ بدقة متناهية فنحن بحاجة إلى ساعات ذات أبعاد أسّية أكثر دقةً مما لدينا اليوم في نظام الملاحة العالمي GPS».
تابع يي قائلًا: «تُعد هذه الساعة الجديدة خطوة جبّارة نحو جعل ذلك ممكنًا».
قد تسجل الساعات عالية الدقّة أيضًا انحرافات ضئيلةً في تذبذبات الذرات، ما قد يشير إلى تفاعل ضعيف مع المادة المظلمة أو قوة الجذب النسبي للجاذبية.
كتب الباحثون: «كل زيادة في معايير الثبات والدقة تفتح مجالات جديدة للاستكشاف، مثل وضع حدود على المادة المظلمة أو اختبار النسبية العامة»، لكن قد تكون هناك طرق أخرى للوصول إلى هذه الحدود الجديدة بعيدًا عن الساعات الذرية الضوئية.
يجري الباحثون تجاربهم المتعلقة بضبط الوقت باستخدام التشابك الكمي وإثارة النوى الذريّة -وليس الذرات الكاملة- باستخدام أشعة الليزر التي قد تُستخدم لصنع أجهزة ضبط وقت أكثر ثباتًا.
نُشر البحث على موقع arXiv preprint server، قبل نشره في مجلة Physical Review Letters؛ الخاضعة لمراجعة الباحثين.
اقرأ أيضًا:
كيف تستطيع ساعة ذرية إيصال الرواد إلى المريخ في الوقت المحدد
ساعة ذرية جديدة دقيقة، تُمكننا من الكشف عن المادة المُظلمة
ترجمة: خضر نعامة
تدقيق: منال توفيق الضللي
مراجعة: هادية أحمد زكي