وفق علماء الكونيات، تبقى القوة الغامضة خلف التسارع في تمدد الكون (ما نسميه الطاقة المظلمة dark energy) ثابتةً. تفترض دراسة حديثة أن الطّاقة المظلمة تغيرت في الماضي، وأن تلك التغيرات ملأت الكون بالجزيئات التي نراها في حياتنا اليوم. في وقتنا الحاضر، تحدث في كوننا ظاهرة غريبة، فهو يتمدد رغم امتلائه بالمادة. ويجب على قوى الجاذبية الناتجة عن المادة أن تُبطئ من تمدد الكون مع مرور الوقت. لكن هذا لا يحدث، بل إنه يتسارع!
مع مرور الوقت، يصبح كوننا أكبر فأكبر، وتزداد سرعة تمدده أكثر. يسمي علماء الفلك تلك الظاهرة: الطاقة المظلمة، لأننا لا نملك أدنى فكرة عن سببها أو مصدرها أو سلوكها. كل ما نعرفه أنها ظهرت منذ نحو 5 مليارات عام، وما زالت باقية إلى الآن.
نعرف أيضًا أنه في أثناء الخمس مليارات عام الماضية، بقيت قوى الطاقة المظلمة ثابتة؛ فلم تزدد قوةً ولا ضعفًا بمرور الوقت، ما يجعلها ثابتًا كونيًّا.
لكن الكون المبكر كان مكانًا أغرب، وربما حدثت أشياء أغرب لوقت طويل، وقد يكون لها آثار هائلة على ما تبقى من تاريخ الكون.
ثم كان الضوء!
لا نعرف شيئًا عن ماهية الطاقة المظلمة أو سببها، لكننا نعلم أنها المسؤولة عن إسراع التمدد الكوني، ويُعد كوننا الآن مُعمِّرًا، باردًا، وعلى وشك بلوغ نهايته.
هذا التفرد الكبير يعني أنه لا يوجد الكثير من الطاقة (سواءً المظلمة أو غيرها) لتَتَبدد عبر الكون. وإذا تبدلت الطاقة المظلمة عبر الزمن، فلن يكون تأثيرها كبيرًا، لأنها ضعيفة للغاية، صحيح أنها تُسرع تمدد الكون، لكن بتأثير خافت وبسيط، وهذا ما جعلنا نستغرق وقتًا طويلًا للغاية لندرك وجودها من الأساس.
يرتبط هذا الضعف بما تستطيع الطاقة المظلمة أن تفعله، وما نستطيع أن نعرفه عنها، وليس للطاقة المظلمة الكثير من التأثيرات حتى يقيسها علماء الفلك. لكن الكون المبكر يختلف، إذ كان أسخن وأكثف وأكثر ازدحامًا، والأهم: أنشط.
برزت الطاقة المظلمة في المشهد الكوني منذ 5 مليارات عام، لكن ذلك لم يكن بالضرورة الظهور الأول لها، فربما كانت موجودة ونشطة في الكون المبكر، وتفعل الكثير من الأشياء المثيرة، قبل أن تستقر في الخلفية الكونية.
حديثًا، فكر فريق من الفيزيائيين النظريين فيما قد فعلته الطاقة المظلمة، ونشروا نتائجهم في ورقة بحثية نشرت على موقع arXiv.org في نوفمبر 2019. وجد الباحثون أن التغيرات المبكرة في الطّاقة المظلمة ربما ملأت الكون المبكر بجسيمات مثل الكواركات والغلونات والليبتونات، التي في تحولت فيما بعد إلى الذرات التي نعرفها اليوم.
إلى كون أفضل
وفق هذا البحث، حدث هذا الفيض بعد مرحلة التضخم، عندما توسع الكون المبكر في غضون فترة قصيرة جدًّا من الزمن. بعدها كان الكون خاويًا، ثم تفجر كل ما تشكّل قبل عملية التضخم بشدة. وهو ما يسمى عملية إعادة التسخين، التي مهدت لحدوث الانفجار العظيم.
يرى فريق من الفيزيائيين أن ما سبّب التضخم هو نفسه ما سبب إعادة التسخين، لكن تقترح الدراسة الجديدة أن الطاقة المظلمة المبكرة ربما خلقت الجسيمات التي ملأت الكون من طريق فقد الطاقة.
إنها فعلًا قصة مثيرة للاهتمام، لكنها ما تزال فرضية، تحتاج إلى أن تكتمل بالمشاهدات التي تعزز فهمنا للانفجار العظيم والتضخم في المقام الأول. إذا كانت الطاقة المظلمة مسؤولةً عن إعادة تسخين الكون، فيجب أن ينعكس ذلك في صورة تغيرات دقيقة في النموذج المعياري لإشعاع الخلفية الكوني الدقيق، ما سيؤثر بدوره في نموذج المجرات في الكون الحالي.
حتى الآن، يتوافق النموذج الجديد لإعادة التسخين مع المشاهدات الحالية، بل إنه أفضل قليلًا من النظريات التقليدية للتضخم، لكننا لا نملك العلم الكافي لننفي كون ذلك مجرد مصادفة إحصائية.
ربما يساعد الجيل الجديد من المعدات الفلكية، مثل تلسكوب (WFIRST) الخاص بناسا على معرفة المزيد عن الطّاقة المظلمة وقوانينها، في الكون المبكر والكون الحالي.
اقرأ أيضًا:
أول صورة تلسكوبية قد تحل لغز الطاقة المظلمة
ربما تخفي الثقوب السوداء نوى من الطاقة المظلمة النقية التي تجعل الكون يتوسع
ترجمة: فارس بلول
تدقيق: عبد الرحمن عبد
مراجعة: أكرم محيي الدين