تكمن وراء الفيزياء التي نعرفها مجموعة من الاحتمالات لم يثبتها الباحثون بعد؛ أحدها وجود قوة خامسة تضاف إلى قوى الجاذبية والكهرومغناطيسية والنووية القوية منها والضعيفة. ويُفسَّر فشلنا في تأكيد وجودها حتى الآن، بأن أية قوّة خامسة ربما تكون ضعيفةً للحد الذي يصعب رصدها.

على الرغم من ذلك ما زالت مثل هذه القوى قادرةً على تفسير بعض الجوانب المثيرة للحيرة في كوننا، ونحن بحاجة إلى قياسات دقيقة للغاية من أجل العثور عليها وإثبات وجودها. والأمر الذي قد يوفر لنا هذه القياسات هو البعثات إلى الكوكيبات القريبة.

تكاد لا تتوقف علامات وجود قوة خامسة في الطبيعة عن الظهور في بياناتنا وأبحاثنا، إلّا أن أبحاثًا ودراسات عديدةً خلصت إلى انعدام الأدلّة الحقيقية المباشرة على وجودها. وبالرغم مما قدمه المنظرون من اقتراحات عديدة، إلا أن الإجماع على وجودها ما يزال مفقودًا ضمن الأوساط. لذا فإن الدليل الرئيسي على هذه القوة سيكون العثور على جسم ما يتصرف بطريقة لا يمكن تفسيرها بالقوى الأربع السابقة.

في ورقة بحثية حول الموضوع عينه، كتب الدكتور يو داي تساي من مختبر لوس ألاموس الوطني ومؤلفون مشاركون آخرون: «غالبًا ما تؤدي الشذوذات في مسارات الأجسام عبر السماء إلى اكتشاف قوانين فيزيائية جديدة أو أجرام سماوية. إذ استُنتِج وجود كوكب نبتون بناءً على عدم انتظام مدار أورانوس وفقًا لنظرية نيوتن، وأكّد الباحثون النسبية العامة لأول مرة من خلال توقعها لتقدم عطارد الشاذ».

تظهر أحيانًا ادعاءات بوجود شذوذ في مدارات الكواكب، لكن يُعزى ذلك عادةً إلى أخطاء في القياس أو نتيجةً لقوة الجاذبية لجسم لم نأخذه بعين الاعتبار.

قد تكون لمسارات الكويكبات عوامل تعقيد إضافية طفيفة للغاية بحيث لا يمكن أخذها في الاعتبار أو تكون غير موجودة بالنسبة للكواكب. وتشمل هذه العوامل الاضطرابات الناجمة عن الاصطدامات والضغط الذي يفرضه ضوء الشمس على السطح.

بالتالي، إذا لم يتوافق مدار الكويكب الحقيقي بالضبط مع ما توقعناه عندها تكون هناك تفسيرات أخرى إلى جانب القوة غير المعروفة لدينا سابقًا. مع ذلك، إذا تمكنا من استبعاد عدد كافٍ من التفسيرات الأخرى فقد تكون القوى الإضافية جديرةً بالاهتمام.

حتى وقت قريب، لم نكن نتتبع مدارات الكويكبات بشكل جيد بما يكفي لملاحظة تفاصيل دقيقة للغاية، لكن هذا يتغير. فاليوم يتابع الباحثون الكويكبات التي تعبر مدار الأرض عن كثب، وبخاصة تلك التي أرسلنا إليها بعثات، مثل (بينو) ونظام (ديديموس/ديمورفوس).

يقول تساي في بيان: «إن تفسير البيانات التي نراها من تتبع (بينو) يقدم بالفعل الإضافة إلى فهمنا للأسس النظرية للكون، مما قد يؤدي إلى تجديد فهمنا للنموذج القياسي للفيزياء والجاذبية والمادة المظلمة».

باستخدام البيانات المأخوذة من مهمة (أوسايرس-إكس) والقياسات الأرضية، بحث تساي وزملاؤه عن أي شذوذ في مدار (بينو). وبناءً على تلك البيانات التي بين أيديهم، أفاد المؤلفون بأنه: «لا يوجد دليل في البيانات على وجود قوة خامسة تؤثر على حركة بينو».

مع ذلك، هم لا يعتبرون المشروع منتهيًا. وبقدر ما تتميز به البيانات من دقّة إلا أنها لا تخلو من الشكوك، ما يضع سقفًا للنسبة المحتملة والمتوقعة لوجود مثل هذه القوة.

هناك فرصة قادمة للتأكد والدراسة، فعندما يقترب كويكب (أبوفيس) من الأرض في عام 2029، يخطط الفريق للقيام بقياسات دقيقة للغاية في سبيل البحث عن أية انحرافات عن التوقعات. ويتوقعون أن يؤدي هذا إلى تضييق نطاق احتمالات وجود قوة خامسة بشكل أكبر.

إن القوى المعروفة تحملها جسيمات دون ذرية. والقوة الهائلة، على الرغم من أنها أقوى بكثير من غيرها على نطاق صغير، إلا أنها لا تصل إلى أبعد من النواة، لأن الغلوونات (جسيمات أوليّة) التي تحملها لا تستطيع السفر إلى مسافات بعيدة.

لذا تقترح التوسعة التي أُدخلت على النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات وجود بوزون خفيف للغاية يحمل القوة الخامسة المُفترضة. ولكي يكون من الممكن اكتشافها في مدارات الكويكبات، فلابد أن تكون هذه القوة طويلة المدى والتأثير مثل الجاذبية، حتى لا يعود في الإمكان تقييد حاملاتها مثل الغلوونات.

مع ذلك، فإن الأدلة الكثيرة التي تجعلنا نفكر في وجود مثل هذه القوة تعمل على نطاق أكبر من المجرات، ولا يُعد ذلك مشكلةً على أية حال.

تلك البوزونات الخفيفة الحاملة للقوة الخامسة مرشحة لتكون المادة المظلمة. مع ذلك، فإن الاقتراحات عن الأنواع الأخرى من المادة المظلمة تبقى عديدةً.

وفي حال وجود هذه الأنواع داخل النظام الشمسي، فإنها ستؤدي إلى تغييرات مختلفة في مسارات الكويكبات. إضافةً إلى أن المؤلفين حاليًا يدرسون إمكانية وجود تأثير يشبه ما سبق، لما يسمى بالفوتونات المظلمة أو الجسيمات الغريبة الأخرى.

اقرأ أيضًا:

شعاع نيوتروني قد يساهم في الكشف عن القوة الخامسة في الطبيعة

جسيم غامض قد يكشف عن القوة الخامسة في الطبيعة، والخبراء يتشككون

ترجمة: هشام جبور

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: هادية أحمد زكي

المصدر