مع أنك قد تظن أن البوصلات ستشير دائمًا إلى القطب الشمالي الجغرافي، فإن القطبين المغناطيسي والجغرافي لا يتطابقان دائمًا. إضافةً إلى بعض الانعكاسات المؤقتة، يمكن للمجال المغناطيسي للأرض -تمامًا كما في الشمس- أن ينقلب على مدى فترات زمنية طويلة. خلال انعكاس برونهيس-ماتوياما، ربما بلغ الشمال المغناطيسي أقصى الجنوب، حتى خط الاستواء.

ربما لا تقلق كثيرًا بشأن المجالات المغناطيسية للأرض، بافتراض أنك لست مضطرًا إلى الاعتماد على البوصلة للملاحة. عادةً ما يوجد الغلاف المغناطيسي هناك ويهتم بأعماله الخاصة، ويحمي سطح الأرض من الجسيمات المشحونة من الشمس، وينتج أحيانًا أضواء الشفق القطبي المذهلة. لكن المجالات المغناطيسية للأرض ليست ثابتة كما قد تظن.

«نحن نعلم أنه على مدى مئتي عام الماضية، ضعف المجال المغناطيسي بنحو 9% في المتوسط العالمي. مع ذلك، تظهر الدراسات المغناطيسية القديمة أن المجال في الواقع أقوى مما كان عليه على مدار مئة ألف عام الماضية، وتبلغ شدته ضعفين مقارنةً بمتوسط شدته على مدى مليون عام» وفقًا لوكالة ناسا.

«منذ تحديد موقعه بدقة أول مرة من قِبَل ضابط البحرية الملكية البريطانية، مستكشف القطب الشمالي السير جيمس كلارك روس عام 1831، انحرف موقع القطب الشمالي المغناطيسي تدريجيًا من الشمال إلى الشمال الغربي بمقدار 1100 كيلومتر، وزادت سرعة تقدمه من 16 كيلومترًا في السنة إلى 55 كيلومترًا في السنة».

قد تنقلب الأقطاب على مدار مئات أو آلاف السنين، وقد يحدث هذا عشوائيًا، بفواصل زمنية تتراوح بين 10000 سنة إلى 50 مليون سنة أو أكثر. منذ 41000 سنة، مرت الأرض بانعكاس مؤقت يُعرف باسم حدث لاشامب. بدراسة مغناطيسية نوى الرواسب المأخوذة من ذلك الوقت، حدد العلماء أن المجال المغناطيسي انقلب فترةً وجيزة خلال هذه الفترة الزمنية.

قال نوربرت نوفاتشيك، الباحث في مركز الأبحاث الألماني للعلوم الجيولوجية: «إن هندسة المجال للقطبية المعكوسة، مع خطوط المجال التي تشير إلى الاتجاه المعاكس عند مقارنتها بالتكوين الحالي، استمرت مدة 440 عامًا فقط، وكانت مرتبطة بقوة مجال تبلغ ربع مجال اليوم فقط. استمرت التغيرات القطبية الفعلية مدة 250 عامًا. على المقاييس الزمنية الجيولوجية، هذا سريع جدًا».

في حين توجد ادعاءات بأن الحدث كان مرتبطًا بانقراض الحيوانات الضخمة في أستراليا وانقراض إنسان نياندرتال بسبب التغيرات في مناخ الأرض، فإن الخبراء يشككون في ذلك، إذ يشيرون مثلًا إلى أن هذه الأحداث لا تتوافق جيدًا مع أدلة درجة الحرارة من نوى الجليد.

حدث آخر انعكاس حقيقي مستدام للأقطاب المغناطيسية منذ 780 ألف عام، وسُمي انعكاس برونهيس-ماتوياما، نسبةً إلى الجيوفيزيائيين الذين وجدا أول دليل على ذلك. وفي حين كان حدث لاشامب قصير الأمد في الأطر الزمنية الجيولوجية، فمن المعتقد أن انعكاس برونهيس-ماتوياما حدث على مدى أطر زمنية أطول. ما زال تحديد المدة التي استغرقها الانعكاس موضع نقاش علمي، إذ تشير أقصى التقديرات إلى أن الانعكاس استمر مدة 22 ألف عام. تمكن رؤية أدلة على هذا الانعكاس في جميع أنحاء العالم، غالبًا بالنظر في خطوط المجال المغناطيسي في سجلات الرواسب.

في حين قد تتخيل أسلاف البشر القدامى وهم في حيرة من أمرهم عندما تتغير اتجاهات بوصلاتهم القديمة فجأة، فإن هذه الانعكاسات ليست بهذه البساطة، قد يضعف المجال المغناطيسي إلى أقل من 10% من قوته المعتادة. خلال هذه الانعكاسات، قد تنشأ أقطاب مغناطيسية بعيدة، مثلًا عند خط الاستواء، أو حتى أقطاب شمالية وجنوبية متعددة في مناطق مختلفة من الكوكب.

تتحرك المجالات المغناطيسية نتيجة تدفق المعدن السائل داخل النواة الخارجية للأرض، وهي تتحرك وفقًا لحركة الكوكب ودورانه، فضلًا عن الحمل الحراري. رغم مرور بعض الوقت منذ آخر انعكاس حقيقي، فإن الأقطاب المغناطيسية ما زالت تتحرك حول الكوكب، وما زال من الصعب توقع موعد حدوث الانعكاس التالي. في أواخر العام الماضي، حدّث الشمال المغناطيسي موقعه.

قال الدكتور ويليام براون، مصمم نموذج المجال المغناطيسي الأرضي العالمي في هيئة المسح الجيولوجي البريطانية: «السلوك الحالي للشمال المغناطيسي هو شيء لم نلاحظه من قبل. كان الشمال المغناطيسي يتحرك ببطء حول كندا منذ القرن السادس عشر، لكن في عشرين عامًا الماضية، تسارع باتجاه سيبيريا، وزادت سرعته كل عام حتى خمس سنوات مضت، عندما تباطأ فجأة من 50 إلى 35 كيلومترًا في السنة، وهو أكبر تباطؤ في السرعة شهدناه على الإطلاق».

اقرأ أيضًا:

حقائق ومعلومات عن قمة جبل إفرست .. أعلى قمة على الأرض

عشر حقائق غريبة ومعلومات عن كوكب الأرض

ترجمة: شهد حسن

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر