خذ من وقتك لحظةً واختبر قدرتك على الاقشعرار من دون مسبب خارجي. هل استطعت؟ ربما لم تستطع لكن بعض الناس يفعلونها! تعد القشعريرة سمةً تطوريةً بقيت لدينا من أسلافنا. ففي حالة الكر أو الفر تنقبض العضلات المحيطة بجذور شعيرات الجسم ما يجعلها تنتصب فيبدو الكائن أضخم حجمًا وأكثر إخافةً. أما بالنسبة للرئيسات أمثالنا التي لا تملك إلا القليل من الشعر، فهذا يعد رد فعلٍ لا إرادي، تتحكم فيه الأعصاب المنطلقة من الجهاز العصبي الودي الذي ينظم الأفعال غير الإرادية؛ لذا من المستحيل فيزيولوجيًا أن يتحكم المرء في القشعريرة.
لطالما ظننا أن القشعريرة أمر خارج عن سيطرتنا، سواءً أكانت الناتجة عن البرد أو عن بعض الأصوات، لكن الأمر ليس خارجًا عن إرادتنا دائمًا؛ يمتلك بعض الناس قدرة استثنائية تمكنهم من التحكم في القشعريرة فينتصب شعر أيديهم وترتجف أجسامهم.
يهوى الدكتور جيمس هيذرز قراءة الأبحاث العلمية القديمة لغرض التسلية، وهذا ما قاده إلى الاطلاع على الظاهرة الغريبة المذكورة في إحدى الدراسات من عام 1938. وبعد أن وجد الحالة الأولى، بدأ التنقيب بين الأوراق البحثية، لكنه لم يعثر على الكثير، فقرر إجراء دراسة جديدة بنفسه.
في دراسةٍ نشرها الدكتور هيذرز والأستاذ المساعد ماثيو غودوين وزملاؤهما في صحيفة PeerJ الإلكترونية، فُحِص 32 شخصًا ممن استطاعوا التحكم في انتصاب شعرهم.
وجد الباحثون أن وصف الحالة لدى 80% من المشاركين في الدراسة كان متطابقًا تقريبًا. فقد قالوا إنهم يُنشئون توترًا عضليًا في مؤخرة رؤوسهم أو رقابهم أو خلف إحدى الأذنين. وهناك تبدأ القشعريرة ثم تنتشر إلى الظهر وعلى الذراعين، ولا يستهلك ذلك أي جهد.
يقول أحد المشاركين: «أنا أفكر بالقشعريرة، ثم أجدها تبدأ بالظهور وأرتجف، هذا كل ما في الأمر».
يقول مشاركٌ آخر: «أنا أفكر بافتعال القشعريرة وأركز قليلًا على المنطقة الخلفية من عنقي».
يقول جيمس هيذرز: «من الممتع أن تدرس شيئًا لم يفكر أحدٌ في دراسته من قبل». ويضيف: «من يستطيعون فعلها يصفونها بأنها أمر سهل ومباشر مثل تحريك الذراع أو ارتداء قبعة، ويستغربون عادةً عدم قدرة باقي الناس على فعل ذلك رغم سهولته بالنسبة إليهم».
إن لم تجد ذلك كله عجيبًا، فانظر إلى ما وجده الباحثون: الناس الذين يستطيعون التحكم في القشعريرة يشتركون في ظهور صفة الانفتاح الشديد الواضح في شخصياتهم. يقول الدكتور هيذنز بأن هذه مجرد نتيجة أولية، لكنها قوية، فقد صُنف معظم المشاركين بأنهم يملكون درجة عالية من الانفتاح في عدد من اختبارات الشخصية التي تقيس ميزة الانفتاح على التجارب الجديدة، وأن لديهم قابلية عالية على تقبل الأفكار المختلفة.
يوصف أصحاب هذه الشخصيات بالإبداع والفضول وبأن الخيال لديهم نشط، وبأنهم يقدّرون الفن والجمال أكثر من غيرهم.
ما الذي يعنيه هذا؟ هيذرز ليس متيقنًا. لكنه يقول إن النتيجة قد تُعلمنا عن طرق التطور العاطفي.
عندما ننظر إلى آثار المشاعر جسديًا فإننا نرى الرجفان والتعرق من الخوف، وهنا يطرح هيذرز السؤال المثير للاهتمام: «ما الذي يحدث للحالة العاطفية عند الشخص الذي يمكنه التحكم في آثارها؟».
يقول هيذرز إن إجابتنا عن هذا التساؤل ستمكننا من تعلم المزيد عن طبيعة المشاعر. وإن فهم هذه الظاهرة الغريبة سيساعدنا على شرح أسباب تفاوت درجات أثر المشاعر في الجسم، وكيف تؤثر درجة تأثيرها في تطوير الصفات المختلفة للبشر.
لكن لننتظر قليلًا قبل الحكم، لأن الأمر يصبح أكثر تناقضًا. من المعلوم، من وجهة نظر فيزيولوجية، أن التحكم في أوامر تقلص العضلات الصغيرة في الجلد وتشكيل النتوءات الجلدية بإرادتنا أمرٌ مستحيل! فهذه العضلات الصغيرة لا تملك أي اتصال واعٍ بالدماغ. لا توجد أيّ أعصاب حركية إرادية تزود تلك العضلات بالنبضات اللازمة للتقلص.
يقول هيذرز بهذا الشأن: «لا يمكن من الناحية العملية أن يحدث الأمر دون عمليةٍ عصبية عالية المستوى، آتية من الدماغ تأمرها بذلك».
أشار الباحثون إلى أنه لا يوجد تفسيرٌ معروف لارتباط إحدى سمات الشخصية بالقدرة على افتعال القشعريرة. لكن الواضح أننا نحتاج إلى دراسةٍ أكبر تضم عددًا أكبر من المشاركين ولربما نستطيع أن نغوص أكثر في هذا الباب وأن نجد ما يدلنا على التفسير.
إذن، ما الذي يحدث؟ أهو سحر، شعوذة؟ ربما. لكن هيذرز قال إن العلماء القدماء تركوا لنا شيئًا من النماذج التي نستخدمها حاليًا لشرح هذه العملية ميكانيكيًا. لقد أغفل العلم عن التركيز على ما تمثله عملية القشعريرة حقًا. وهذا يعني أن هيذرز يخطط للمزيد من البحث في دراسةٍ أكبر من ذلك.
اقرأ أيضًا:
العلم يشرح أخيرًا سبب القشعريرة
إذا كنت تشعر بالقشعريرة عند سماعك الموسيقى فلديك دماغ فريد من نوعه!
ترجمة: ليلى حمدون
مراجعة: عون حدّاد