هل تختفي المادة فعلًا داخل الثقوب السوداء؟


هل للثقوب السوداء باب خلفي؟

واحدةٌ من أكبر المشكلات الَّتي تعترض دراسة الثُّقوب السَّوداء، مشكلة عدم قدرتنا على تطبيق قوانين الفيزياء المعروفة داخل هذه الثُّقوب. إذ تتركزُّ كمِّياتٌ كبيرةٌ من الطَّاقة والمادَّة في مكانٍ لا متناهٍ في الصِّغر، أو ما يُعرف بـ (نقطة تفرُّد الجاذبيَّة-Gravitational singularity) حيث يتناهى الزَّمان والمكان إلى مالا نهاية، وتتدمر فيها المادَّة بالكامل.

ولكن هل تتدَّمر المادة فعلًا؟

تتصدى دراسةٌ حديثةٌ أجراها باحثون من فالانسيا للإجابة عن السّؤال، حيث توصلت تلك الدِّراسة إلى نتائج مفادها أن المادَّة في واقع الأمر قد تُفلت من هذه الثُّقوب وتتمكَّن من الخروج من جانبٍ آخر. ويقترح الباحثون اعتبار نقطة التَّفرد في الثُّقب الأسود كما لو كانت خللًا في البُنية الهندسيَّة للزَّمكان (الزَّمان والمكان)، وبالتالي يسهم هذا الخلل في حلِّ مشكلة السَّحب التثاقلي اللامتناهي والَّذي يقوم بدوره بتشويه الفضاء.

وبتعبيرٍ أدقّ، لجأ الباحثون في الدِّراسة إلى استخدام تراكيب هندسيَّةٍ مشابهةٍ للبلورات أو طبقات الغرافين. إذ لا تصف هذه التَّراكيب الثُّقوب السَّوداء بشكلٍ نموذجي، ولكنها تصف ما يحدث داخل الثُّقب الأسود بشكلٍ أكبًر، فكما هو الحال بالنِّسبة لهذه التَّراكيب الَّتي تمتاز تمتلك عيوبًا في تركيبها المايكروسكوبي (المُصغَّر) فإنَّ الجزء المركزي من الثُّقب الأسود يُفَسَر بكونه اضطراب في الزمكان ممَّا يتطلَّب عناصر هندسيَّة جديدةً لكي يُوصَف بدقةٍ أكبرَ.

وباستخدام هذه الأشكال الهندسيَّة، فقد توصَّل الباحثون إلى توصيفٍ للثُّقوب السَّوداء بشكلٍ تصبحُ فيه النُّقطة المركزيَّةُ من الثُّقب سطحًا كرويًا بالغ الصِّغر. ويُفَسَّر هذا السَّطح بوجود ثقبٍ دودي داخل الثٌّقب الأسود، حيث تُحُلُ هذه النظرية العديد من المشاكل الَّتي تعتري تفسير الثُّقوب السَّوداء المشحونةِ كهربائيًّا، على حد وصف الباحث أولمو والذي يشرح ذلك قائلاً: «بادئُ ذي بدءٍ نحلُّ مشكلة المتفرِّدة، حيث أنَّه يوجد بابٌ في مركز الثّقب الأسود وهو الثُّقب الدُّودي والذي من خلاله يمكن للزَّمكان أنْ يستمرّ».
تستند هذه الدِّراسة على واحدٍ من أبسط الأنواع المعروفة للثقوب السَّوداء، وهي الثقوب العديمة الدَّوران والمشحونة كهربائيًّا. وفيها يكون الثُّقب الدّودي الذي تتنبأ به المعادلات أصغر من جزيءٍ نووي، ولكن حجمه يزداد بشكلٍ مطردٍ بزيادة الشُّحنة المخزونة في الثُّقب الأسود. وبناءً عليه، فإنَّ المادة التي تدخل الثُّقب من هذا النَّوع تتمدَّد إلى أقصى حدٍ أو تستطيل وتقل ثخانتها كالسباغيتي إلى حدٍ تتمكَّن فيه من دخول الثُّقب الدودي، وعند خروجها ترتصُّ جزئياتها وتندمج مجددًا مستعيدةً بذلك حجمها الطَّبيعي.

ومن الملاحظ أنَّ القوى المسؤولة عن تمديد المادَّة ومن ثمَّ دمجها لامتناهية، ولكن المادَّة الدَّاخلة في هذا الثُّقب أو لنفترض الإنسان الدَّاخل فيه سيشعر بأقصى حدٍ من الشَّد وليس بقوى متناهية. ومن غير المرجَّح أن يُفلِتَ نجمٌ ما من هذا الثُّقب، ولكن نموذجًا مقترحًا من الباحثين في مؤسسة الفيزياء التَّطبيقيَّة يفترض أنَّ المادَّة لن تُفقَد داخل نقطة التَّفرد، بل سيتمُّ دفعها للجانب الأخر من الثُّقب الدّودي إلى منطقةٍ أخرى من الكون.

ومن المشكلات الأخرى التي يحلها هذا التَّفسير هي مشكلة الحاجة إلى مصادر طاقةٍ غير مألوفةٍ لتعملَ على توليد هذه الثُّقوب الدّودية. فطبقًا لنظريَّة آينشتاين في الجاذبية تظهرُ هذه الأبواب أو المخارج بوجود مادَّة بخصائص غير عاديَّة (كضغط الطَّاقة السَّلبية أو الكثافة) أي خصائص لم يسبق أن تم رصدها من قبل. وبالرُّجوع إلى النَّظرية الَّتي تضمنَّها البحث، يكون الثُّقب الدّودي نتاجًا لمادةٍ وطاقةٍ عاديتين، كالحقل الكهربائي على سبيل المثال. وكذلك فإنَّ اهتمام الفيزياء النَّظريَّة بالثُّقوب الدّودية لا يقتصر على الأنفاق أو الأبواب في الزَّمكان والتي تعمل على التَّوصيل بين نقطتين في الكون، إذ تتعداها لتفسر ظواهر كـ (التشابك الكمي-Quantum Entanglement) أو لتفسر ماهيَّة الجزئيات الأساسيَّة. والشكر موصول لمثل هذا التَّفسير الحديث، الذي يجعل من وجود الأشياء أقرب للعلم منها إلى الخيال.


ترجمة: علي حميد
تدقيق: دعاء عسَّاف
المصدر الأول
المصدر الثاني
الدراسة