ذُكر في تقارير ريتشارد لافيت أن الدراسات تشير إلى أن الاحتباس الحراري يمكن أن يؤدي إلى موت الآلاف كل عام. استنتج علماء المناخ في دراستهم لمدن الولايات المتحدة أن الاحتباس الحراري يمكن أن يسبب موجات حرارية قاتلة تؤدي إلى تجاوز عدد الوفيات الآلاف خلال فصول الصيف ذات الحرارة الشديدة، مثل تلك التي تؤثر الآن على شرق الولايات المتحدة ومعظم قارة أوروبا.
وقد وجد الباحثون الصينيون مؤخرًا أن الصين تواجه مشكلة أسوأ إذ إن أعداد الوفيات لم تتجاوز الآلاف في زيادتها في فصل الصيف شديد الحرارة وإنما تجاوزت عشرات الآلاف في كل عام. وأن المشكلة تتجلى في أن ظاهرة الاحتباس الحراري ستبدأ بمعدلات قليلة جدًا مقارنةً بتلك التي يمكن أن تشكّل خطرًا على المدن الأمريكية.
كتب يانجون وانج Yanjun Wang وزملاؤه من جامعة نانجينغ لعلوم وتكنولوجيا المعلومات في مجلة ناتشر كومنيكيشن Nature Communications أن جزءًا من المشكلة يكمن في ازدياد درجات الحرارة في الصين بوتيرة أسرع من المتوسط عالميًا.
ولكن ارتفاع متوسط درجة الحرارة لم يكن مشكلة حقيقة، إذ يترافق هذا الارتفاع في الواقع مع زيادة عدد الأيام الحارة القادمة بشكل خطير.
ويضيف العلماء أن الاحتباس الحراري في المدن الصينية بزيادة 1.5 درجة مئوية عن مستويات عصر ما قبل الصناعة يمكن أن يؤدي إلى زيادة عدد الأيام الحارة بنسبة 32.6% بشكل خطر وأن الزيادة التي تبلغ 2.0 درجة قد تنتج عنها زيادة بنسبة 45.8%.
وبالجمع بين ما قيل وبين بيانات الوفيات من 27 مدينة صينية كبيرة حسب الباحثون معدلات وفياتها الناجمة عن الحرارة سنويًا في كل سيناريو لظاهرة احتباس حراري ثم استنتجوها لبقية سكان الصين البالغ عددهم 831 مليون نسمة، كانت النتيجة أن الفرق بين زيادة 1.5 و2.0 درجة كبير.
ووجد الباحثون أن الصين ستشهد زيادة كبيرة في عدد الوفيات السنوية بسبب الحرارة حتى عند 1.5 درجة فقط، بينما عند بلوغها 2.0 درجة إضافية سيكون الأمر أسوأ بكثير إذ ستزداد حالات الوفاة بما لا يقل عن 27900 حالة إضافية كل عام ببساطة بسبب 0.5 درجة إضافية.
يندهش علماء آخرون من هذه النتيجة، وتقول عالمة المناخ في جامعة برستول في المملكة المتحدة يونيس لو Eunice Lo، وهي مؤلفة مشاركة في دراسة المدن الأمريكية: «إن إحدى النتائج الأكثر أهمية هي أن الدراسة الجديدة وجدت أن الوفيات الناجمة عن الحرارة في المدن الصينية يمكن تخفيضها بحوالي 50% عن طريق زيادة أساليب التكييف».
تشمل هذه الأساليب سياسات تتمثل بزيادة استخدام أجهزة تكييف الهواء إضافة إلى تشجيع الأشخاص المستفيدين على تغيير أنماط نشاطهم في الأيام شديدة الحرارة، وإعادة تصميم المباني للعمل على تخفيض قابليتها لارتفاع درجة الحرارة. وقالت يونيس: «أعتقد أن هذه السياسات ستبرز دور التكييف في الصحة العامة في الصين».
يوافق إيثان كوفيل Ethan Coffel ذلك وهو أيضًا عالم مناخ في كلية دار تموث في الولايات المتحدة، ولاية نيو هامبشاير، ويقول إن أحد المفارقات الرئيسة بين الصين والولايات المتحدة هو امتلاك الصين أجهزة تكييف هواء أقل بكثير من أمريكا. ويضيف: «إن أجهزة تكييف الهواء منخفضة أيضًا في أوروبا، ما يساهم في ارتفاع عدد الوفيات نتيجة موجات الحر الأخيرة».
ويبلغ كوفيل عن مشكلة أخرى وهي أن أنماط الطقس نفسها التي تسبب موجات الحر قد تؤدي إلى سوء جودة الهواء وهو ما يثير قلق عواصم الصين الملوثة. ويقول: «إن الاثنين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، التلوث والحرارة، فعندما يجتمعان تتزايد المشاكل الصحية».
لكن النتيجة الأساسية للدراسة تكمن في الكشف عن عدد الوفيات المتزايدة التي قد تنتج عن اختلاف درجات الحرارة بمقدار نصف درجة فقط في ظاهرة الاحتباس الحراري. إذ يضيف كوفيل: «يسلط هذا النوع من الدراسة الضوء على المفارقات الكبيرة في التأثيرات الناتجة عن مجرد تغير بسيط في درجة الحرارة».
يضيف عالم آخر يدعى فيفيك شانداس Vivek Shandas وهو عالم مناخ بجامعة بروتلاند الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية، أن الدراسة تقدّم منظورًا واقعيًا لنطاق التحدي العالمي الذي يمثله الاحتباس الحراري. ويقول فيفيك: «تتزايد حالات الوفيات في الصين حوالي 28000 حالة كل سنة ومن الممكن أن تكون الزيادة تساوي مئات الآلاف على مستوى العالم، والأسوأ من ذلك أن هذه المخاطر لن يتحملها الجميع بالتساوي».
ويضيف أيضًا: «عرفنا من الدراسات السابقة التي أجريت عن الوفيات الناجمة عن الحرارة أن أقل الشعوب وصولًا إلى الموارد (كالدعم المالي واللوجستي والاجتماعي) هم أول من سيموت. وأن الذين لديهم إمكانية الوصول إلى أجهزة تكييف هواء وغيرها من الطرق لإبقاء حرارتهم منخفضة خلال أوقات الحرارة الشديدة محميون إلى حد كبير».
ويعلّق فيفيك: «لم تكن التأثيرات المباشرة للحرارة قاتلة لوحدها وإنما هناك آثار ثانوية يمكن أن تعجّل أكثر بزيادة الوفيات مثل زيادة حرائق الغابات والتلوث المرتبط بفعل المواد الجسيمية (خليط من القطرات الصلبة والسائلة الناتجة عن الاحتراق)، نحن بحاجة إلى القيام بالمزيد من الأبحاث لربط كيف ستتدفق موجة من الآثار عبر المجتمع».
كما وأحرزت دراسة وانغ تطورًا جديدًا وذلك عند إجراء أبحاث عن وفيات المناخ في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهذه البداية فقط. فمع وجود أكثر من 1.3 مليار شخص في الهند فهي بذلك تتفوق على الصين كأكبر بلد في العالم من حيث التعداد السكاني، وموقعها الاستوائي يجعلها عرضةً للأمواج الحارة التي يمكن أن تجعلنا نشتعل من شدتها.
ويقول كوفيل: «يحدث ذلك عند أعلى مستويات الاحتباس الحراري في العالم، والقليل منهم من يمتلك جهاز تكييف هواء، وأتصور أن تكون مفارقات تأثير زيادة الحرارة في الهند بين 1.5 درجة و 2.0 درجة أكبر من الصين».
ترجمة: رؤى درخباني
تدقيق: سلمى توفيق
مراجعة: تسنيم المنجد
اقرأ أيضًا:
أدلّةٌ جديدة تؤكّد أنّ الصين هي المسؤولة عن انبعاثات الكربون الغامضة
شاهد كيف تقوم الصين بتحويل الصحراء إلى مروج خضراء