هل تحتاج البشرية لأرض أخرى؟
يرى الرئيس التنفيذي لشركة سبيس إكس إيلون ماسك أنه من المهم نقل البشر إلى المريخ في أسرع وقت ممكن.
وقد أذهل العالم هذا العام، عندما أطلق صاروخ (فالكون هيفي Falcon Heavy) الذي حمل سيارة تيسلا باتجاه حزام الكويكبات.
ويخطط ماسك لاستكشاف المريخ عبر تقليل حجم هذا الصاروخ الضخم باستخدام المعززات الصاروخية، والتي يقول أنها ستحمل المستعمرين في أساطيل إلى الكوكب الأحمر.
وفي حين أن الوصول للمريخ هو غاية في حد ذاته، إلا أن هناك سببًا مقنعًا آخرًا للذهاب، فالخيال العلمي تملؤه النظرة السوداوية تجاه مستقبل البشر فيما إذا اقتصر وجودهم على كوكب الأرض فقط؛ فهناك ضربات الكويكبات في أفلام (Deep Impact) و (Armageddon)، حرب الروبوت في المسلسلات التلفزيونية (Battlestar Galactica) و (Terminator)، المشاكل الطبية و تفاقم الأزمة السكانية في أفلام (Children of Men) و (Elysium)، والعديد من الكوارث الطبيعية والاصطناعية.
لقد ألهم الخيال العلمي رواد الصواريخ لاكتشاف ما بعد كوكب الأرض، وكان من الواضح أن روبرت غودارد الذي دفع باتجاه صواريخ الوقود السائل في بدايات القرن العشرين من المعجبين بهذا النوع لأنه كتب بنفسه قصص خيال علمي.
وأيضًا وارنر فون براون الذي استمتع في طفولته بقصص الخيال العلمي، كان مصمم صواريخ رحلات أبولو في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وشارك ديزني في صنع أفلام وثائقية حول الطيران الفضائي.
بنظرة خاطفة على نظامنا الشمسي يظهر للعلماء سبب واقعي واحد وبالتأكيد لنا جميعًا، ستجد جميع الكواكب القريبة من الأرض كالقمر، المريخ، والعديد من الأقمار القريبة مليئةً بالحفر والأخاديد لأنها لا تملك غلافًا جويًا يحميها من المذنبات والكويكبات التي اصطدمت بها على مر الملايين من السنين، ولذا وجب علينا أن نتأثر قليلًا بقصص الخيال العلمي ونهتم أكثر بمستقبل الأرض.
لا تتخيل أن الأرض محصنة بسبب غلافها السميك، فكر بالديناصورات، التي انقرضت منذ نحو 66 مليون عام بسبب اصطدام كويكب أو مذنب (بلغ قطره تقريبًا 10 إلى 15 كيلو مترًا) بالأرض.
لقد مررنا أيضًا بالذكرى الخامسة على تشيليابينسك Chelyabinsk، عندما انفجر كويكب طوله 17 مترًا (56 قدمًا) فوق بلدة في روسيا، مما تسبب في العديد من الإصابات والأضرار في الممتلكات من الزجاج المحطم.
تمتلك وكالة الفضاء الأمريكية الوطنية NASA برنامجًا نشطًا للبحث عن الكويكبات وبعض الخطط الأخرى تُعنى بالكويكبات التي تهدد الأرض، ولكن حتى التحضير لهذه الأخطار ليس كافيًا، فهنالك خطر محدق آخر لا مفر منه على كوكبنا.
في حوالي أربعة إلى خمسة مليارات عام من الآن، سوف تستهلك شمسنا الهيدروجين بأكمله فيها وتبدأ بدمج الهيليوم متحولةً بذلك إلى عملاق أحمر Red Giant يبتلع كلًا من عطارد والزهرة ومقتربًا من الأرض.
سيشوى كوكبنا أو سيقذف من مداره أو حتى يتم ابتلاعه تمامًا.
وفي أي من هذه السيناريوهات، فهذه أخبار سيئة ليس للبشر وحسب بل للحياة على الأرض بشكل عام.
إن المريخ هو الوجهة الأكثر شيوعًا للهروب من الأرض في قصص الخيال العلمي، وهذا أولًا لأن الناس اعتقدوا بوجود مخلوقات تشبهنا تعيش هناك.
في العام 1877 أعلن عالم الفلك الإيطالي جيوفاني سكياباريللي عن مراقبة القنوات على المريخ لكنه لم يذكر ما إذا كانت طبيعيةً أو مصطنعةً.
ومع ذلك، فقد ذهب مؤسس العلوم الأمريكية بيرسيفال لويل إلى أبعد من ذلك بكثير في أوائل القرن العشرين، بتقديم توضيحات حول سبب وجود القنوات هناك.
قائلًا: «لربما كان المريخيون يحاولون تصريف المياه لدعم كوكبهم المحتضر».
لاحقًا تم التحقق من الأمر عبر البعثات الروبوتية للمريخ وتبين أن تلك القنوات لم تكن موجودةً أصلًا.
في مطلع هذا القرن تأثرت بذلك قصص الخيال العلمي بشكل كبير.
فالرواية الشهيرة للكاتب اتش جي ويلز بعنوان “حربُ عالَـمين” التي أصدرها في العام 1898، كانت قد صورت غزو المريخيين للأرض (بثت لاحقًا بشكل موجز عبر أثير الإذاعة الوطنية، وكذلك بفلم في عام 2005 من بطولة توم كروز).
و نشر إدغار رايس بوروز “أميرة المريخ” في عام 1912، وأيضًا نشر سلسلةً عن المريخ والتي أطلق عليها اسم (برسوم Barsoum) التي كانت مليئةً بالكائنات الحية.
(استند فيلم جون كارتر عام 2012 بشكل كبير على بعض من هذه القصص).
وبحسب إفادة روبرت زوبرين (المؤسس لمجموعة مجتمع المريخ Mars Society) لموقع Space.com: «سيصبح المريخ يومًا ما كوكبًا مسكونًا كما تصوّر كُتّاب الخيال العلمي، ولكن لماذا يُصَور الخيال العلمي أن اكتشاف المريخ سيكون أسهل بكثير مما نجده في الحياة الواقعية؟».
يضيف زوبرين: «ذلك جزئيًا بسبب طريقة تفكيرنا، نحن هنا بعد 500 عام من نيكولاس كوبرنيكوس، الذي قال أن الأرض تدور حول الشمس، ومازال معظم الناس يتحدثون عن كوكب الأرض كالعالم الأرضي، وهنالك شيء فوقنا يدعى السماء، إن معظم الناس ما زالت لديهم وجهة نظر مركزية الأرض»، مشيرًا إلى أن الأرض تسبح في الفضاء و قلما نفكر في ذلك في حياتنا اليومية.
يقول زوبرين: «إن محاولاتنا للسفر إلى المريخ عبر مدار الأرض المنخفض والقمر تدريجيةً، كل مرة يخطو فيها فريق ما خطوةً، يأتي فريق آخر ليخطو من بعده الخطوة التالية.
و إن سألك أحدهم عن أهمية الفضاء، فإنه سيبدو كسؤال قروي في قرية ما: «لماذا تعتبر بقية العالم مهمًا؟» إنه سؤال سخيف!».
لذا فهو يدعو إلى الذهاب إلى أي مكان آخر بحثًا عن الموارد، المعرفة، أو الملاذ الآمن الذي لم نتمكن من العثور عليه على الأرض.
إن السفر عبر النجوم يعتبر حلمنا الأكبر، ولكن في الوقت الحالي علينا أن نركز على ما هو بين أيدينا (المريخ) فهو قريب كفايةً لنزوره باستخدام التكنولوجيا الحالية.
إن إيلون ماسك يتخذ خطوةً مثيرةً الآن، إذ أن أهم خطوة تعتبر اتخاذ القرار فيما إذا كنت تريد فعل أمر ما أم لا.
يضيف زوبرين: «هناك أناس في ناسا يريدون فعل ما يفعله ماسك ولكن العمل ضمن مؤسسة كـ (ناسا) يعني أنه عليك أن تقدم الأعذار في كل خطوة للطبقة السياسية عوضًا عن قبول التحدي».
الانتقال إلى المريخ أو أبعد؟
تدعو خطة زوبرين (التي حددها في ورقة أسماها “مارس دايركت” في العام 1991، والتي توسع فيها منذ ذلك الحين بشكل كبير) إلى رحلة مباشرة للمريخ، مع تجميع بسيط للمركبة الفضائية ضمن المدار، و باستخدام أنظمة الدفع الحالية يمكننا الوصول للمريخ في غضون ستة أشهر وهي نفس الفترة التي يقضيها رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية.
ستجلب البعثات الأولى معظم الإمدادات التي يحتاجها المسافرون للعيش كالغذاء والماء، ويمكن أن تجلب أيضًا المعدات المعمارية التي تمكن المستعمرين من السكن وبناء بيوت زجاجية لتساعدهم في تأمين الغذاء على الكوكب الأحمر.
وقد قامت بالفعل مجموعة (مجتمع المريخ) بتصميم وبناء محطتين للأبحاث (محطة أبحاث صحراء المريخ Mars Desert Research Station في الصحراء بكندا ومحطة القطب الشمالي الصيفية لأبحاث المريخ في القطب الشمالي Flash Line Mars Arctic Research Station) والهدف منهما هو محاكاة ما ستبدو عليه الحياة على المريخ وفهم المتطلبات التي يحتاجها البشر لاستكشاف المريخ.
يقول زوبرين: «ستحتوي مركبة العودة على وقود الدفع المصنوع من ثاني أكسيد الكربون والماء لتوليد وقود الميثان والأكسجين، إذ أن تركيبة الوقود هذه هي الأرخص، وبدعم من مزيج الهيدروجين والأكسجين لتحقيق أفضل سرعة في العادم».
لا يوجد شبه كبير بين كوكب المريخ والأرض على الرغم من أن طول اليوم على المريخ يساوي تقريبًا طوله على الأرض، ولكن تكمن مشكلة العيش على الكوكب الأحمر بمايلي:
- هواء المريخ غير صالح للتنفس.
- شدة الجاذبية عليه تساوي ثلث جاذبية الأرض مما سيؤدي لمشاكل في العضلات والعظام.
- الماء، إن وجد، سيتوفر بكميات نادرة.
إن الظروف على المريخ تكاد تكون أسوأ منها على القمر، والذي يملك سدس جاذبية الأرض، واليوم عليه أطول منه على الأرض، عدا عن أنه لا وجود هواء للتنفس أبدًا.
وليس من الضروري بالتأكيد أن نقوم بغزو هذين الكوكبين بدرجة كبيرة، فبحسب إفادة روجر لونيوس، أمين متقاعد من المتحف الوطني للطيران والفضاء في مؤسسة سميثسونيان، لموقع Space.com فإنه من المتوقع وبحلول نهاية هذا القرن أن تكون هناك محطات أبحاث على المريخ أو القمر مماثلة لمحطات الأبحاث في القطب الجنوبي اليوم.
وبفرض وجود أرض أخرى لدينا، سيبقى الوصول لنجوم أبعد أمرًا بعيد المنال ما لم نكتشف طريقةً لبناء مركبات فضائية تفوق سرعتها سرعة الضوء أو أن نطيل عمر رواد الفضاء بشكل كبير عبر الإسبات hibernation كما في أفلام (Avatar و Alien).
- ترجمة: عصام خلف.
- تدقيق: أحلام مرشد.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر الأول
- المصدر الثاني