لا، ليس الخط المستقيم دائمًا هو أقصر مسافة بين نقطتين، فتحديد أقصر مسافة بين نقطتين يعتمد على هندسة الجسم المعني، فإذا كان مسطحًا سيكون الخط المستقيم بالفعل أقصر مسافة بين نقطتين، لكن على الأسطح الكروية كالأرض، تمثل مسافة الدائرة الكبرى أقصر مسافة بين نقطتين.
تعلمنا جميعًا في المدرسة أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، لكن ماذا لو أخبرتك أن هذه القاعدة ليست صحيحة؟ هل سيتوافق ذلك مع ما تعلمته؟
كما أوضحنا فالأمر صحيح جزئيًّا، لأن أقصر مسافة بين نقطتين تتوقف فعليًّا على هندسة الجسم المعني.
بافتراض أننا نعيش على أرض مسطحة، سيكون الخط المستقيم بالفعل هو أقصر مسافة بين نقطتين. لكن الأرض في الحقيقة هي كرة تقريبًا، وأقصر مسافة بين نقطتين على سطح كروي هي قوس يعرف باسم مسافة الدائرة العظمى.
إن مصطلح (مسافة الدائرة العظمى) ليس بجديد، وربما سمعه أكثرنا بالفعل.
ربما لاحظ من يسافرون بالطائرة أو فحصوا مساراتها أن الطائرات لا تتبع مسارًا مستقيمًا، بل تتخذ مسارًا منحنيًا للوصول إلى وجهتها. وذلك ليس لزيادة التكلفة على الركاب، بل لأنها فعلًا أقصر مسافة بين أي موقعين على كوكبنا.
تسبب تلك الطرق المنحنية غالبًا ارتباكًا لمن يراها، لأن الخط المستقيم على الخريطة المسطحة ثنائية الأبعاد يكون أقصر مسافة بين نقطتين، ومع ذلك لا توجد خريطة ثنائية الأبعاد دقيقة للأرض، سواءً ما درسته في المدرسه أو ما تراه على خرائط جوجل.
أرضنا ثلاثية الأبعاد، لذلك فإن خير ما يمثلها هو نموذج كروي. لأن تسطيح الشكل الكروي إلى شكل مستطيل، كما في الخرائط، يُظهر تشوهًا واضحًا.
تتميز الخرائط المسطحة بسهولة الحصول على المعلومات باستخدامها.
لكن تخيل أنك تريد السفر من نيويورك إلى باريس، على الخريطة ثلاثية الأبعاد (النموذج الكروي) تكون أقصر مسافة بين المدينتين قوسًا تبلغ مسافته 5840 كيلومترًا تقريبًا، لكن نفس القوس عند عرضه على خريطة ثنائية الأبعاد يتحول إلى خط مستقيم طوله 6035 كيلومترًا تقريبًا!
لتتحقق من ذلك بنفسك، افتح خرائط جوجل وابحث عن نيويورك، ثم اختر قياس المسافة ومرر السهم إلى أن تصل إلى باريس، ستظهر لك مسافة محددة منحنية تمثل أقصر مسافة بين المدينتين.
انقر على أي مكان في هذا المنحنى لأنشاء إطار رئيسي واسحبه قليلا باتجاه الجنوب لتحويل المنحنى إلى خط مستقيم، ويمكنك باستخدام الإطارات الرئيسية المتعددة تكوين خط مستقيم بين بعض المواقع الثنائية، وحين تنهي العمل قارن أبعاد المنحنى وأبعاد الخط المستقيم واستعد لتحطيم واقعك.
قد لا يبدو الاختلاف كبيرًا بين الرقمين (190 كيلومترًا في هذه الحالة)، لكن نظرًا إلى حقيقة أن طائرة بوينج 747 تستهلك في المتوسط 5 جالونات من الوقود لكل ميل من الرحلة، فإن الرحلة في خط مستقيم ستستهلك 600 جالون إضافيًا (2250 لترًا)، وحينها ستظهر قيمة الاختلاف إذ ستزيد تكلفة تذاكر الطائرة جدًّا.
مسافة الدائرة العظمى وفقًا للرياضيات
بالمصطلحات الرياضية البسيطة، فإن مسافة الدائرة العظمى، المعروفة أيضًا باسم (جيوديسيا الأجسام الكروية) هي دائرة مرسومة على الكرة يتطابق مركزها مع مركز الكرة، ومن ثم يقسم الكرة إلى نصفين متساويين. بعبارة أبسط، الدائرة العظمى هي أكبر دائرة يمكن رسمها على الكرة، والدائرة الصغرى بالمقابل هي دائرة لا يتطابق مركزها مع مركز الكرة.
توضح الصورة التالية أنه عند قطع الأرض سواء عبر خط الاستواء أو القطبين، سينتج نصفان متساويان في الحالتين، وسيكون للوجهين الناتجين نفس القطر ونفس المركز، وذلك يتطابق مع الكرة الأرضية نفسها.
لذلك ففي المواقع القطرية على الكرة، يمكن رسم عدد لا نهائي من الدوائر العظمى، أما في حال نقطتين غير قطريتين على الكرة، فتوجد دائرة عظمى واحدة فقط، تقسم الدائرة إلى قوسين، أصغر القوسين هو أقصر مسافة بين هاتين النقطتين، وتسمى مسافة الدائرة العظمى.
تُظهر الصورة التالية النقطتين P وQ غير القطريتين، ويمثل القوس P-Q أقصر مسافة بين النقطتين (مسافة الدائرة العظمى). أما النقطتان u وv فهما نقطتان متقابلتان يقسمان الدائرة العظمى إلى قوسين متماثلين.
يتطلب حساب مسافة الدائرة العظمى بين أي نقطتين على سطح الكرة استخدام حساب المثلثات، وهو أمر غير مألوف في المدرسة ويثير غضب الجميع.
- d : مسافة الدائرة الكبرى
- r: نصف قطر الكرة (الأرض)
cos-1(cos σ1 .cos σ2 .cos (λ1 – λ2) + sin σ1 .sin σ2) : الزاوية المركزية لنقطتين إحداثياتهما σ1, λ1 وσ2, λ2 على التوالي.
الخلاصة
كما أسلفنا، نجد التطبيق الرئيسي لفكرة الدوائر العظمى في السفر لمسافات طويلة، خاصةً في الملاحة الجوية والبحرية، نظرًا إلى الطبيعة المنحنية لمسافة الدائرة العظمى، إضافةً إلى استدارة كوكبنا، ما يجعل الملاحين والطيارين يعدلون مساراتهم باستمرار. وتنقسم مسافة الدائرة العظمى إلى خطوط تسمى Rhumb تمثل اتجاهات ثابتة.
لكن للأسف لا تمثل مسافة الدائرة العظمى أقصر مسافة بين موقعين بالضبط، لأن الأرض ليست كرة مثالية، بل يختلف نصف قطرها عند القطبين عنه عند خط الاستواء، لذلك تحمل قيم الدائرة العظمى خطأ بنسبة ±5%.
ومع ذلك تبقى لمسافات الدائرة العظمى أهمية كبيرة للسفر بالطيران، إذ توفر كميات هائلة من وقود الطائرات ومن أموال المسافرين كذلك.
اقرأ أيضًا:
ما هو التسارع؟ ماذا يعني وما هي أنواعه وكيف يتم حسابه
ترجمة: آية قاسم
تدقيق: سمية بن لكحل
مراجعة: أكرم محيي الدين