قد تكون مجرة درب التبانة مليئة بالحضارات الغريبة بين النجوم، وفقًا لدراسات جديدة. لكننا لا نعرف شيئًا عنها، إذ لم يزرنا الفضائيون منذ 10 ملايين عام.
نُشرت دراسة في شهر أغسطس الماضي في مجلة (Astronomical Journal) افترضت قدرة الحياة الذكية خارج كوكب الأرض على أخذ وقتها اللازم لاكتشاف المجرة، مسخِّرة حركة النجوم لجعل التنقل أسهل بينها.
يعد هذا العمل استجابة لسؤال يعرف باسم (مفارقة فيرمي – Fermi Paradox)، والذي يتساءل عن عدم عثورنا على علامات لوجود حياة ذكية خارج كوكب الأرض.
طُرحت المفارقة لأول مرة من قبل الفيزيائي إنريكو فيرمي، صاحب السؤال الشهير: أين الجميع؟
تساءل فيرمي عن إمكانية السفر بين النجوم، ثم أثار سؤاله الشكوك حول إمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض.
درس عالم الفيزياء الفلكية مايكل هارت (Michael Hart) هذا السؤال رسميًا حين نشر ورقة بحثية عام 1975 ناقش فيها وجود متسع من الوقت أمام الفضائيين لاستعمار مجرة درب التبانة مذ تشكلت قبل 13.7 بليون عام، لكننا لا نعرف عنهم شيئًا بعد.
خَلُص مايكل هارت إلى أنه يجب ألا تكون هناك حضارات أخرى متطورة في مجرتنا.
تُقدم الدراسة الجديدة وجهة نظر مختلفة ترى أن الفضائيين يأخذون وقتهم المناسب ويضعون استراتيجيات قبل الإتيان بأي خطوة.
قال جوناثان كارول نيلنباك (Jonathan Carroll-Nellenback) -عالم حسابي والمؤلف الرئيسي للدراسة -لصحيفة (Business Insider): «إذا لم نأخذ حركة النجوم بعين الاعتبار عندما نحاول حل هذه المشكلة فإننا حتمًا نهمل حلًا من اثنين. إما أنه لا أحد يترك كوكبه، أو إننا الحضارة الوحيدة المتقدمة تكنولوجيًا في المجرة».
تدور النجوم (والكواكب المحيطة بها) حول مركز المجرة، بسرعات مختلفة وعلى مسارات مختلفة -هذا يسبب تقابلها معًا في بعض الأحيان- لذا قد يكون الفضائيون بانتظار دورة جديدة تسمح لهم بمقابلتنا والاقتراب منا.
في هذه الحالة ستستغرق الحضارات وقتًا أطول لتنتشر عبر النجوم أكثر من الوقت الذي قدره هارت؛ لذا ربما لم يصلوا إلينا بعد، أو ربما وصلوا لكن قبل وقت طويل من تطور البشرية.
فكرة جديدة عن السفر بين النجوم:
سعى الباحثون للإجابة عن مفارقة فيرمي بعدة طرق، بحثت الدراسات إمكانية تشكُّل أي شكل من أشكال الحياة الغريبة في المحيطات تحت سطح الكوكب، وافترضوا أن الحضارات قد انتهت وكانت غير مستدامة قبل أن تقوم بأي سفر بين النجوم.
هناك أيضًا فرضية هي فرضية حديقة الحيوان، والتي تفترض أن المجتمعات الأخرى في درب التبانة قررت عدم التواصل معنا لنفس الأسباب التي تجعلنا نمتلك محميات طبيعية أو نبقي على حماية بعض المجتمعات البدائية بدون اتصال.
أشارت دراسة أجرتها جامعة أوكسفورد عام 2018 إلى أن هناك احتمال (2 من 5) أننا وحدنا في مجرتنا، واحتمال (1 من 3) أننا وحدنا في الكون بأكمله.
لكن مؤلفي الدراسة يشيرون إلى أن الأبحاث السابقة لم تأخذ بعين الاعتبار الحقيقة المهمة حول مجرتنا: أنها تتحرك.
مثلما تدور الكواكب حول النجوم، تدور الأنظمة النجمية حول مركز المجرة، على سبيل المثال يدور نظامنا الشمسي حول المجرة كل 230 مليون سنة.
تقول الدراسة: إذا نشأت الحضارات في الأنظمة النجمية البعيدة عن غيرها -مثل نظامنا الشمسي الذي يقع في المناطق الخلفية الخفية من المجرة- فإنها تستطيع جعل رحلتها أقصر عن طريق انتظار مسارها الدائري إلى أن يقترب من نظام نجمي مأهول.
ثم بمجرد الاستقرار في هذا النظام الجديد يمكن للفضائيين الانتظار مرة أخرى للحصول على مسافة سفر مثالية بما يكفي لإنجاز قفزة أخرى، وهكذا.
في هذا السيناريو الفضائيون ليسوا مجموعة مسافرين عبر المجرة، إنهم ينتظرون فترة طويلة بما يكفي حتى يقترب نجمهم من نجم آخر فيه كوكب صالح للسكن.
قال نيلينباك: «إذا كانت فترة مليار عام كافية، فهذا يعد أحد الحلول لمفارقة فيرمي، إن العوالم الصالحة للعيش نادرة جدًا؛ إذ يجب عليك الانتظار لفترة أطول من أي حضارة يُتوقع بقاؤها قبل ظهور أخرى».
قد تكون مجرة درب التبانة مليئة بالأنظمة النجمية المستقرة:
استخدم الباحثون نماذج رقمية لمحاكاة انتشار الحضارات عبر المجرة لاكتشاف السيناريوهات التي يمكن أن يوجد فيها الفضائيون.
حللوا العديد من الاحتمالات المتعلقة بإمكانية اقتراب الفضائيين من نظام نجمي جديد؛ مداها وسرعة مسابيرها بين النجوم، ومعدل إطلاق تلك المسابير.
لم يحاول فريق البحث تخمين دوافع الفضائيين أو سياساتهم، وهو اتجاه يرى بعض الفلكيين أنه عقبة في طريق حلول مفارقة فيرمي.
قال نيلينباك: «لقد حاولنا قدر المستطاع التوصل إلى نموذج يتضمن أقل عدد من الافتراضات حول علم الاجتماع».
لا يزال جزء من مشكلة محاكاة انتشار الحضارات في المجرة هو أننا نعمل فقط مع نقطة بيانات واحدة: نحن؛ لذلك تستند كل توقعاتنا على سلوكنا نحن.
لكن بالرغم من هذه القدرات المحدودة، وجد الباحثون إمكانية امتلاء درب التبانة بالأنظمة النجمية المستقرة التي لا نعرف عنها شيئًا.
لا يزال هذا صحيحًا طالما أننا نستخدم تقديرات منطقية لسرعة وتكرار سفر الفضائيين بين النجوم.
قال نيلنباك: «كل نظام يمكن أن يكون صالحًا للعيش ويمكن أن يكون مستقرًا، لكنهم لن يزورونا لأنهم ليسوا بالقرب الكافي».
اكتشفنا حوالي 4000 كوكب خارج نظامنا الشمسي، لكنها كلها لم تكن صالحة للعيش. هذا ليس نذير شؤم؛ لا يزال هنالك ملايين النجوم والكواكب لنكتشفها.
قدرت إحدى الدراسات الحديثة أن حوالي 10 مليارات من هذه الكواكب قد تكون شبيهة بالأرض.
لذلك ذكر مؤلفو الدراسة أن استنتاج أن أيًّا من هذه الكواكب غير صالح للحياة سيكون مثل النظر في بركة مياه والبحث فيها عن الدلافين، وإن لم نجد فيها دلافين نقرر أن المحيطات بأكملها ليس فيها دلافين.
يُحتمل أن الفضائيين قد زاروا الأرض في الماضي:
هناك عنصر أساسي في الجدال حول الحياة الفضائية، أطلق عليه هارت مصطلح (الحقيقة أ): لا يوجد زوار من بين النجوم على الأرض الآن، ولا يوجد دليل على زيارات لهم في الماضي.
يقول مؤلفو الدراسة الجديدة: هذا لا يعني أنهم لم يزورونا أبدًا.
أشار الباحثون إلى دراسات سابقة حول زيارات الفضائيين للأرض، وقالوا إذا جاءت هذه الحضارات إلى الأرض منذ ملايين السنين -مع العلم أن عمر الأرض 4.5 مليار سنة- فلن يكون هناك علامات متبقية من زيارتهم.
يُحتمل أن الفضائيين قد مروا بالقرب من الأرض خلال وجود الحضارة البشرية عليها، لكنهم قرروا ألا يزوروها، هذا ما أطلقت عليه الدراسة اسم (تأثير الشفق).
قد لا يرغب الفضائيون بزيارة كوكب مأهول، وبفرض أنهم سيقومون بهذه الزيارة، سيكون هذا إسقاطًا بسيطًا لميل الإنسان إلى مساواة التوسع بالاحتلال.
افترضت الحسابات أن الحضارات الأجنبية لم تستقر إلا في جزء بسيط من العوالم الصالحة التي اكتشفتها.
قال الباحثون إذا كان هناك عوالم كافية للسكن، فمن الممكن أن ينتشر الغرباء بسهولة عبر المجرة.
هناك المزيد لنتعلمه:
يعتقد الباحثون أننا لا يجب أن نشعر بالإحباط من هذا الصمت المطبق في الكون. وقال نيلينباك: «هذا لا يعني أننا وحدنا، هذا يعني فقط أن الكواكب الصالحة للعيش نادرة وربما يصعب الوصول إليها».
يُتَوَقّع أن تتحسن قدرتنا على اكتشاف ومراقبة الكواكب الأخرى التي يمكن أن تكون صالحة للسكن، تزامنًا مع بناء التلسكوبات الجديدة وإطلاقها في الفضاء.
حقق تلسكوب كيبلر قفزات نوعية في البحث عن كواكب قد تستضيف حياة في مجرتنا.
يواصل أيضًا تلسكوب هابل الفضائي والقمر الصناعي TESS البحث في مدار الأرض.
تقوم ناسا ببناء تلسكوب جيمس ويب الفضائي الذي يُتوقع منه أنه سيكون قادرًا على الرؤية عبر الزمان والمكان ومن المتوقع إطلاقه في 2021.
ما سيحسن إمكانية العلماء على تقدير احتمال أن نكون وحدنا في الكون هو المزيد من البيانات حول السرعة والفراغات بين النجوم، والفهم الأفضل للمدة التي استمر خلالها وجود الحضارات الفضائية الغريبة.
اقرأ أيضًا:
إذا زارنا الفضائيون لا تتوقع نهاية سينمائية، هكذا حذر ريدلي سكوت
إذا غزانا الفضائيون، كيف سنستطيع التواصل معهم؟
ترجمة: سارة حسين
تدقيق: محمد نجيب العباسي
مراجعة: صهيب الأغبري