هل اقترب العلماء حقًا من صنع الإنسان الاصطناعي؟
حسب العلم الحديث، فإنّ البشر عبارة عن مجرد آلات بيولوجية Biological Machines محكمة ومعقدة تتحكم فيها أدمغتهم لا أقل ولا أكثر، فلما سئل البروفيسور ميتشيو كاكو Michio Kakuهل نحن مجرد آلات بيولوجية؟ كانت إجابته «نعم نحن مجرد آلات بيولوجية بلا ريب، ولكن السؤال الحقيقي ماذا يعني ذلك؟» وكان يقصد بالسؤال إمكانية تميزنا عن الألة بمفهومها الضيق.
ولكن إذا لم يكن هناك فرقًا شاسعًا بيننا وبين الروبوتات المطابقة للبشر Human-like Robots في القيام بالوظائف اليومية وتعلم المهارات الجديدة في حاضرنا هذا، إذن كم اقترب العلماء من صنع انسان ألي يشبهنا في كلّ تصرفاتنا ومستقل كليّا بطريقة تفكيره؟ أم أنّ كل الفرق يكمن في مادة صنع الإنسان الاصطناعي وطريقة تحكمه في جسده وإدراكه لما يدور من حوله؟؟ وهل مسألة الوعي Consciousness والإرادة الحرّة Free Will عبارة عن “مجرد وهم” مثلما يقول البروفيسور ستيفن هوكينغ؟ وهل يمكننا حقا في المستقبل القريب صناعة نموذج رياضي Mathematical Model يحاكي الدماغ في تحكمه، ليس فقط بالوظائف العضوية بل حتى بالإدراك والشعور؟ وما مدى صدق هذه النظرة المستقبلية؟
للإجابة عن هذه الأسئلة يكفي أن نستوعب أنّ كلا من الدماغ والجسد نظريًا يمكن صناعة ما يحاكيهما ويضاهيهما، فالآلات والروبوتات تضاهي الجسد في القوة وسرعة التفاعل مع المحيط الخارجي وتنفيد الأوامر، وأحيانا كثيرة تتفوق الروبوتات على البشر حتى في الدّقة وسعة الذاكرة وسرعة معالجة البيانات وحلّ المسائل الحسابية والمنطقية بطريقة فعالة وذكية، وخاصة إذا قمنا بربط وحدة المعالجة المركزية للروبوتات بالإنترنت فستصبح وكأنها محرك غوغل يمشي على الأرض.
أما الدماغ -المسؤول عن التحكم في الجسد- فيجب أن نفهم أن إمكانية صنع مَثِيلَه ممكنة علميا ولكنها صعبة وعويصة وقد تستغرق عشرات السنيين للوصول لذلك، وأنّ صناعة إنسان ألي لا تعني بالضرورة صنع شبيه للإنسان شكلا بل يقصد بها محاكاة الإنسان مضمونا في كل ما يستطيع القيام والشعور به.
وفهم الإدراك والشعور وطريقة تحكم الدماغ في الجسد هي معضلة القرن اليوم، فكما سبق وقلنا في مقال سابق [1] أنّ الدماغ لا يحتاج لمن يشغله ليشرع في عمله أو لمن يتحكم فيه إطلاقًا ليؤدي عمله بإتقان، بل يبدأ العمل من لحظة ولادته وتشكله في رحم الأم تلقائيًا وبطريقة عشوائية غير منظمة إلى أن ينتهي به الأمر فيتعلم وتصبح كلّ تصرفاته وأوامره منظمة، فهو يرسل الأوامر ويستقبل التنبيهات من المستقبلات الخارجية والداخلية إمّا بواسطة إشارات كهربائية أو عن طريق التفاعلات الكيماوية، ويستمر الدّماغ في التعلم من أخطائه بتفاعل الحواس مع المحيط الخارجي و هكذا يطور من أدائه إلى يوم وفاة صاحبه، وهذه الحقائق تدعم قول هيربرت سيمون Herbert A. Simon في كتابه The Sciences of the Artificial «البشر ينظر إليهم على أنهم أنظمة تصرف Behaving Systems بسيطة جدا، وظهور التعقيد في سلوكنا مع مرور الوقت يعكس إلى حد كبير مدى تعقيد البيئة التي نجد أنفسنا فيها.»
لصناعة شيء ما يجب فهمه من كل جوانبه أولا، ومن أجل هذا فإنّ العالم الياباني الرائد في ميدان صناعة الروبوتات المشابهة للإنسان البروفيسور هيروشي إيشيغورو Hiroshi Ishiguro مازال حتى يومنا هذا يطرح العديد من التساؤلات على نفسه: «ما هو الإنسان؟ هذا السؤال يراود ذهني كل يوم، إن السلوك البشري معقد جدا، بداية من نبرة الصوت لكل شخص منا وصولا إلى الطريقة التي تعكس وتعبّر بها وجوهنا عن المشاعر، أنا أتمعن في كل هذه الأشياء لأفهم عملي جيدا، فالروبوت هو مرآة ثلاثية الأبعاد لنرى فيها أنفسنا، فهي تعكس المشاعر والوعي لدينا، ورغم ذلك يبقى الإنسان فريدًا من نوعه لأنّ لديه خيالًا واسعًا قويًا.
والعجيب أنّه من خلال ذكاءنا نحن قادرون حتى على إستكشاف ما يجعلنا نحن بشرًا! ونعرف لماذا نفكر؟ وما الذي يهبنا الوعي؟ وما معنى الروح وكيف يمكن إعطاء شرح علمي دقيق لها؟ عندما نفهم هذه الأشياء تماما نستطيع حينها دمج الروبوتات المشابهة للبشر في المجتمع، وهذا النوع من الروبوتات سيكون قادرًا على التفكير مثل الإنسان تمامًا، فهل سيجعل ذلك منه إنسانًا؟ إنها مسألة أخلاقية سيتحتم على المجتمع أن يتخذ قراره فيها، وأنا أؤمن أنني سأضيف حتى الوعي للروبوتات وأعرف أني سأصل لذلك قريبا [2]».
ويضيف البروفيسور أنّ الرغبة والنية أو الإرادة Desire and Intention هي من ضمن أهم المتطلبات الأساسية لتحقيق روبوتات بشرية، ولهذا فالبروفيسور إيشيغورو وفريقه يأملون لإضافة هذه المشاعر بنجاح في إيريكا Erica بحلول عام 2020، وهي الروبوت الأكثر تقدما حتى الآن، فمن حيث أسلوب نظر الروبوت إريكا وصوتها وطريقة إجراء المحادثات العفوية مع الناس فهي تبدو حقا وكأنها إنسان حقيقي.
إذن هل إقتربنا حقاً من صنع الإنسان الاصطناعي؟
لنكون حقا منطقيين لا متفائلين ولا متشائمين، فإن صناعة إنسان ألي يحاكي الإنسان في ذكاءه مرهون بمدى فهمنا لآليات عمل الدماغ وبتطور علم الذكاء الإصطناعي، ففي عام 2013، تم القيام بدراسة Future Progress in Artificial Intelligence: A Survey of Expert Opinionأجرتها مولر وبوستروم V. C. Muller and N. Bostrom حيث طُلِبَ رأي مئات من خبراء الذكاء الإصطناعي AI experts حول فرص تحقيق الذكاء الاصطناعى القوي (ذكاء يقارب ذكاء البشر أو يتعداه) ومتى نتوصل لذلك؟ فكانت النتائج كالأتي [3]:
• متوسط الأعوام الأكثر تفاؤلا (مع احتمال حدوت ذلك 10٪): 2022
• متوسط الأعوام الأكثر واقعية (مع احتمال حدوت ذلك 50٪): 2040
• متوسط الأعوام الأكثر تشاؤما (مع احتمال حدوت ذلك 90٪): 2075
والحقيقة المرّة التي تقف عائقًا أمام صنع الإنسان الاصطناعي هو أنّ علم الروبوتات والذكاء الإصطناعي يشهدان تطورا سريعا ومبشرا بمستقبل أفضل، بعكس علم الأعصاب الذي مازال يشهد تطورا متواضعا نسبيا، وفي رأيي الشخصي كباحث فإنّ صناعة إنسان روبوت بمعناه الحقيقي -قادر على محاكاة الإنسان في كل شيء وليس تقليده فقط- لدرجة أن يصبح للروبوت قرارات مستقلة وخيال أوسع من خيالنا نحن البشر يمكنه من الإبداع والتألق كأن يساهم بعضهم في الرقي بالحضارة وحل الألغاز المعضلة وبعضهم الأخر يصل به الأمر لخلق ديانة جديدة مثلا.
هي مسألة وقت فقط، والمشكل الوحيد سيكون في توفير موارد طبيعية كافية لكلينا للبقاء على قيد الحياة، فكما نحتاج نحن للطاقة Adenosine TriPhosphate “ATP” فالربوتات كذلك تحتاج للكهرباء مثلا كمنبع للطاقة وهكذا ستكون مشكلتنا المشتركة هي البحث معا على موارد جديدة للحصول على الطاقة.
ولكن المعضلة الحقيقية تكمن في طرح السؤال بصيغة أخرى: هل حقيقة نحتاج لصناعة جنس أخر Human-like Robots يشبهنا في طريقة تفكيرنا وإستقلاليتنا في إتخاذ القرارات بكلّ ما نحمله من خير وشرّ؟
إعدد: د. بلقاسم عبد القادر نصر الدين
تدقيق: إبراهيم صيام
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث