وصل العلماء أخيرًا إلى معرفة وزن المادة المظلمة ، تلك المادة الغامضة غير المرئية التي تجذب كل ما يقترب منها دون أن تصدر ضوءًا، إذ أشار مجموعة من العلماء في بحث جديد إلى تقديرات تسهم في تحديد وزن جسيماتها، ما يفتح آفاقًا لمعرفة ماهية هذه المادة الغامضة.
تشير التقديرات السابقة إلى أن الكتلة المحتملة لجسيمات المادة المظلمة تتراوح من 10 مرفوعًا للأس 24 إلكترون فولت إلى 10 مرفوعًا للأس 19 جيجا إلكترون فولت، أما البحث الجديد فاستطاع تضييق المجال ليصبح من 10 مرفوعًا للأس 3 إلكترون فولت إلى 10 مرفوعًا للأس 7 إلكترون فولت، وهذا أقل بتريليونات الأضعاف مقارنةً بالمجال المُقدر سابقًا.
قال العالم خافيير كالمت، أستاذ الفيزياء في جامعة ساسكس البريطانية، إن النتائج قد تساعد الباحثين على تركيز جهودهم ضمن النطاق الجديد لحساب كتلة الجسيمات، وربما الكشف عن قوة غير معروفة موجودة في الكون.
ما المادة المظلمة؟
تشير بعض التقديرات إلى أن المادة المظلمة تشكل نحو 83% من إجمالي المادة الموجودة في الكون، ويسود الظن بأنها تتفاعل مع الضوء والمادة العادية بقوة الجاذبية فقط، ما يعني استحالة رؤيتها إلا بانحناء أشعة الضوء.
لاحظ الباحثون وجود المادة المظلمة للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن العشرين، عند رصد مجموعة من المجرات، وبعد السبعينيات انتشرت نظريات بأن المجرات مترابطة بالمادة المظلمة التي تملأ نسيجها بهالات واسعة، إذ أدركوا أن دوران المجرات أسرع مما تتوقع النظريات والحسابات الفلكية، نظرًا إلى كمية المادة المرئية التي تحتويها.
بدأ العلماء بعد ذلك محاولة معرفة مكونات هذه المادة الغامضة وماهية جسيماتها، فأشار بعضهم إلى احتمالية تشكلها من جسيمات دقيقة جدًا كتلتها أصغر من كتلة الإلكترونات تُسمى النيوترينوات، أو جسيمات صغيرة باردة تُسمى الأكسيونات، أو الجسيمات الضخمة ضعيفة التفاعل، وغيرها.
يقول كالمت إنه بوسع البحث الجديد تضييق دائرة الاحتمالات، واستبعاد بعض الجسيمات من احتمالية تكوين المادة المظلمة.
الجاذبية الكمّية
يبدو أن المادة المظلمة تتفاعل مع الضوء ومع المادة العادية المرئية بواسطة الجاذبية، لا أي من القوى الأساسية الأخرى، فاستخدم الباحثون نظريات الجاذبية لحصر الاحتمالات المتعلقة بكتلة جسيمات المادة المظلمة.
استخدم الباحثون نظريات الجاذبية الكمومية التي قلصت المدى المحتمل لكتلة جسيمات المادة المظلمة كثيرًا، مقارنةً بالحسابات القديمة التي اعتمدت على نظرية النسبية العامة لأينشتاين، يقول كالمت: «الفكرة بسيطة، ومن الغريب أننا لم نستخدمها من قبل».
تعتمد النظرية النسبية على الفيزياء الكلاسيكية، وتوقعاتها لكيفية عمل الجاذبية ممتازة، لكنها لا تصلح في بعض الظروف التي تتأثر بميكانيكا الكم، مثل مركز الثقب الأسود. أما نظريات الجاذبية الكمومية -التي لا تملك أدلة قوية تدعمها- فتفسر الجاذبية اعتمادًا على ميكانيكا الكم، التي تفسر القوى الأساسية الأخرى، القوة الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة.
حدد الباحثون الحد الأدنى لكتلة جسيم المادة المظلمة استنادًا إلى نظرية النسبية العامة، والحد الأعلى استنادًا إلى توقعات نظريات الجاذبية الكمومية لوقت تحلل جسيمات المادة المظلمة. قال كالمت إن القيم التي تستند إلى النسبية العامة ساهمت أيضًا في تحديد قيم الحد الأعلى، ما يجعل هذا التقدير مستقلًا عن أي نموذج مستخدم للجسيم في الجاذبية الكمية.
وأشار أيضًا إلى أن الدراسة وجدت أن تأثيرات الجاذبية الكمومية لم تكن ذات أهمية عمومًا، لكنها أصبحت مهمة بعد أن استغرق جسيم المادة المظلمة الافتراضي وقتًا طويلًا جدًا -تقريبًا العمر الحالي للكون- ليتحلل.
قدّر الفيزيائيون سابقًا أن كتلة جسيم المادة المظلمة أقل من كتلة بلانك -نحو 1.2 X 10 مرفوعًا للأس 19 جيجا إلكترون فولت- وأثقل بألف ضعف على الأقل مقارنةً بأكبر الجسيمات المعروفة، بل أثقل بمقدار 10 مرفوعًا للأس 24 إلكترون فولت، لتناسب الملاحظات حول أصغر المجرات المعروفة التي تحتوي على مادة مظلمة.
وحتى اليوم، ما تزال الدراسات التي حاولت تضييق المدى المحتمل لحساب كتلة جزيء المادة المظلمة محدودة، رغم اتساع دائرة فهمنا لنظريات الجاذبية الكمومية.
قوة غامضة
يشير كالمت إلى إمكانية استخدام الحسابات الجديدة لحدود كتلة جسيم المادة المظلمة في التجارب لنعرف هل تتفاعل المادة المظلمة مع قوة الجاذبية فقط أم أنها تتأثر بقوى أخرى غير معروفة. ويقول: «إذا اكتشفنا جسيمًا يمتلك كتلة أكبر من النطاق الذي حددناه، فهذا سيكون دليلًا قويًا على وجود قوة أخرى مؤثرة في المادة المظلمة سوى قوة الجاذبية».
اقرأ أيضًا:
ترجمة: بيان علي عيزوقي
تدقيق: محمد حسان عجك
مراجعة: أكرم محيي الدين