إذا أردنا أن نفهم كيفية اتحاد الذرات لتكوين الجزيئات، فنحن في حاجة إلى مراقبتها في أثناء تحركها، ولفعل ذلك يجب أن نجبر الذرات على التوقف قليلًا حتى نتمكن من التقاط حركتها، وهي مهمة ليست سهلة.
أقصى ما استطاع الفيزيائيون عمله حتى الآن لفهم العلاقات بين الذرات، هو الاعتماد على متوسط مجموعة كبيرة منها عندما تُبرَّد إلى النقطة التي تتشارك فيها جميعًا نفس الهوية.
تقدم هذه الطريقة العديد من المميزات، لكنها لا تستطيع التقاط التفاصيل الدقيقة لكيفية تصادم الذرات، إذ ينتج عن هذه التصادمات بعثرة بعض الذرات واندماج بعضها الآخر، وحتى لو امتلكنا طريقةً لتصوير الذرات في مساحة ضيقة، فإن التصادمات بينها كفيلة بإفساد التجربة.
لمعرفة ما يدور حقًا وتصوير هذا التفاعل، نحتاج إلى زوجين من الملاقط لالتقاط ذرتين وتثبيتهما وتسجيل التغيرات الحاصلة، ولحسن حظنا فهذا النوع من الملاقط موجود بالفعل، وهو مصنوع من ضوء مُستقطَب خاص laser-based forcepsيُستخدم مصيدةً بصرية للأجسام متناهية الصغر.
يمكننا التقاط ذرات منفردة باستخدام موجات ضوئية قصيرة كفاية، ونحتاج إلى تبريد الذرات حتى نستطيع الإمساك بها، ومن ثم فصلها عن بعضها، هذا الوصف البسيط للتجربة لايعني سهولة تحقيقها، بل هي عملية تتطلب التكنولوجيا المناسبة، والكثير من الصبر.
يقول الفيزيائي مايكل أندرسون: «تتضمن هذه الطريقة حجز ثلاث ذرات وتبريدها إلى درجة حرارة تُقدر بجزء من المليون من الكلفن (-273 سيليزية تقريبًا) باستعمال أشعة ليزر عالية التركيز في غرفة مفرغة من الهواء بحجم محمصة الخبز، حيث تُجمع المصايد المحتوية على الذرات لإنتاج تفاعلات مُتحكَّم بها نستطيع قياسها».
ترتبط ذرات الربيديوم لتشكل جزيئات من الديربيديوم، ولذلك اختيرت لتكون محل الدراسة. يقول الفيزيائي مارفين ويلاند: «لكن ذرتين لا تكفيان لتشكيل جزيء، يتطلب الأمر 3 ذرات لبدء التفاعل».
واجه العلماء صعوبةً في بناء النموذج الرياضي لهذه التجربة، إذ يستلزم ذلك ذرتين لتكوين رابطة، مع وجود ذرة ثالثة تحتفظ بجزء من طاقة الترابط لتحافظ على استقراره، وتسبب إعادة اتحاد الذرات الثلاث نظريًّا تحررها من الارتباط، ما يضيف مشكلةً جديدة للفيزيائيين الذين يحاولون دراسة التفاعل بين الذرات.
تمكن الفريق من التقاط اللحظة التي تقترب فيها جزيئات الربيديوم من بعضها باستعمال كاميرا مخصصة لتكبير التغيرات، ما كشف عن معدل فقد مختلف تمامًا عن المُتوقَّع، إذ وُجد أن الجزيئات كانت تقترب من بعضها أبطأ مما توقعته النماذج الحالية.
ربما يرجع ذلك إلى احتجاز الذرات في المصيدة، أو بسبب التأثيرات الكمية قصيرة المدى، لكن هذا لا يلغي الكم الكبير من الاكتشافات الفيزيائية التي يمكن التوصل إليها بفضل هذه الطريقة.
وفقًا لويلاند، إنها المرة الأولى التي تُدرس فيها هذه العملية منفردةً، واتضح أنها تعطي العديد من النتائج التي لم تتوقعها قياسات التجارب السابقة على سُحب الذرات، وقد تفيد هذه الطريقة أيضًا في تشكيل جزيئات كيميائية مفردة والتحكم فيها.
ستساعد التجارب المستقبلية على تحسين هذه النماذج، وتفسير سلوك مجموعات الذرات واتحادها باختلاف شروط التجربة.
في عالم لا ينضب من الابتكارات التكنولوجية، لا نستبعد تطور الحاجة إلى مُعالجات بدوائر ميكروسكوبية تُبنى ذرةً بذرة.
اقرأ أيضًا:
كيف نشأت العناصر – تخليق العناصر
ترجمة: أحمد جمال
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: أكرم محيي الدين