نظريًّا، تبدو فكرة تحديد عمر الكون بسيطة للغاية. نحن نعرف أن الكون يتمدد، إذن كل ما علينا فعله هو قياس معدل التمدد الحالي واستخدام قوانين الفيزياء لتوقع التغير في معدل التمدد مع مرور الزمن، وبدلًا من التوقع المستقبلي، يمكننا أن نُجري الحسابات رجوعًا إلى الماضي، وصولًا إلى لحظة الانفجار الكبير.
تُعَد هذه هي أفضل طريقة ممكنة لحساب عمر الكون حتى الآن، ومع ذلك قد يحدث انحراف في النتائج، إذ تعتمد الطريقة على افتراضات بسيطة تعطي نتائج واضحة لكنها ليست صحيحة بالضرورة.
إليك كيف يمكنك تحديد عمر الكون. لنبدأ بلحظة توسع الكون، لقد بذلنا وسعنا في محاولة قياس ثابت هابل Hubble Constant. على المقاييس الكونية الواسعة، ترتبط المجرات في كوننا بعلاقة رياضية بسيطة تعتمد على عاملين قابلين للرصد، هما المسافة distance والإزاحة الحمراء redshift، إذ كلما ابتعد الجسم عن الراصد، انزاح طيفه نحو الأحمر.
من الواضح إن العلاقة بين المسافة والإزاحة الحمراء هي علاقة طردية، وبهذا تكون سرعة ابتعاد مجرة ما عنا (المستنتجة من إزاحتها الحمراء) تساوي المسافة إلى تلك المجرة مضروبة في ثابت هابل، وهذا الثابت له نفس القيمة لكل مجرة مُقاسة، حتى المجرات التي تبعد عنا مليارات السنين الضوئية. مع وجود حركة فلكية إضافية متأصلة في كل مجرة ناتجة عن تأثيرات الجاذبية، يظل هذا القانون صحيحًا في جميع المجرات المرصودة.
إذًا كيف نحتسب ثابت هابل؟ يعتمد هذا على كيفية القياس:
- باستخدام الإشارات الناتجة عن المراحل المبكرة من الانفجار الكبير، نحصل على قيمة لثابت هابل تساوي67 كيلومتر/ثانية/ميغابارسك، مع نسبة انحراف 1-2%.
- أما بالاعتماد على مصادر الضوء الفردية، التي لا تصل حتى يبلغ عمر الكون مليارات السنين، نحصل على قيمة 73 كيلومتر/ثانية/ميغابارسك، مع نسبة انحراف 2-3%.
لماذا لا نحصل على رقمين متطابقين؟ ما زال هذا السؤال من معضلات علم الكونيات الحديث.
نلاحظ إن وحدة قياس ثابت هابل هي وحدة سرعة (كيلومتر/ ثانية) إلى مسافة (ميغابارسك Mpc). أي إن مجرة تبعد عنا 100 Mpc تتحرك مبتعدةً عنا بمعدل أسرع 10 مرات من مجرة تبعد 10 Mpc، وأبطأ 10 مرات من مجرة تبعد1000 Mpc ، وهذه هي العلاقة بين المسافة والإزاحة الحمراء.
الزمن العكسي inverse time
من وجهة نظر أخرى فإن ثابت هابل هو سرعة (مسافة / زمن) مقسومة على المسافة، ويمكن أن نعد ذلك وحدةً للزمن العكسي.
ماذا يعني الزمن العكسي فيزيائيًّا؟ يمكننا تصور أنه يشير إلى عمر الكون!
يعادل الميغابارسك الواحد 10^19×3.1 كيلومتر، وبتحويل قيم ثابت هابل إلى الزمن العكسي نجد الآتي:
- تعادل قيمة67 كيلومتر/ثانية/ميغابارسك زمنًا مقداره نحو 14.6 مليار سنة.
- تعادل قيمة73 كيلومتر/ثانية/ميغابارسك زمنًا مقداره نحو 13.4 مليار سنة.
هذه هي القيم المقبولة لعمر الكون، وهما قيمتان متقاربتان جدًّا، لكنهما مختلفتان بنسبة نحو 9% (نفس نسبة الاختلاف بين قيمتي ثابت هابل). إذًا أيهما الرقم الأدق الذي يمثل عمر الكون؟ ما زلنا لا ندري السبب الخفي وراء هذه المعضلة.
لكن قيمة ثابت هابل ليست ببساطة معكوس عمر الكون، حتى وإن كانت الوحدات تشير إلى أن القياس هو قياس للزمن، بل يجب أن يشمل معدل التوسع المُقاس كل صور المادة والطاقة الداخلة في تكوين الكون، بما في ذلك:
- المادة الطبيعية.
- المادة المظلمة.
- النيوترونات.
- الإشعاع.
- الطاقة المظلمة.
- الانحناء المكاني.
وغيرها من مكونات الكون التي قد تكون ما زالت مجهولة لنا.
يمكن حل معضلة تمدد الكون بسهولة في الحالات البسيطة، فإذا كان الكون مكونًا من الإشعاع فقط، سنجد أن ثابت هابل مضروبًا في عمر الكون منذ الانفجار الكبير يساوي 1/2، أما إذا تكون الكون من المادة (الطبيعية والمظلمة) فإن حاصل ضرب ثابت هابل في عمر الكون يساوي 2/3، أما في حالة الطاقة المظلمة، فلن نحصل على إجابة دقيقة، لأن قيمة حاصل ضرب الثابت في عمر الكون حينها سيتزايد باستمرار إلى ما لا نهاية.
إذن يمكننا حساب عمر الكون ولكن ليس باستخدام ثابت هابل وحده، نحتاج أيضًا إلى أن تتضمن الحسابات المكونات المختلفة الكون. لو افترضنا كونين لهما نفس معدل التوسع الحالي، لكن يتكون كل منهما من صور مختلفة من الطاقة، فسيكون لكل منهما تاريخ توسع سابق مختلف عن الآخر، ومن ثم يختلف عمر كل منهما عن الآخر.
إذًا، لمعرفة العمر الفعلي للكون منذ الانفجار الكبير، علينا حساب معدل تمدد الكون مع أخذ مكوناته في الاعتبار، ويمكن تحقيق ذلك بعدة طرق، لكن علينا أن نتذكر أن العديد من الطرق التي نستخدمها لحساب متغير واحد -معدل التمدد مثلًا- تعتمد على افتراضاتنا لمكونات الكون. بمعنى آخر، لا يمكننا افتراض تكوّن الكون من كمية معينة من المادة وكمية معينة من الإشعاع وكمية أخرى من المادة المظلمة بمعزل عن معدل التمدد نفسه.
ولعل الطريقة الأفضل لذلك هي استخدام التوهج المتبقي من الانفجار الكبير: إشعاع الخلفية الكونية الدقيق CMB.
تمثل الصورة خريطة تقلبات إشعاع الخلفية الكونية الدقيق. عمومًا تُظهر كل اتجاهات الكون نفس متوسط درجة الحرارة، نحو 2.725 كلفن، باستثناء هذه القيمة نحصل على النمط الموضح: تقلبات وخروج عن متوسط الحرارة.
تمثل البقع الداكنة الزرقاء والحمراء مناطق تقلبات درجة الحرارة، الأزرق للأكثر برودة والأحمر للأكثر حرارة، وذلك في نطاق 200 ميكروكلفن مقارنةً بالمتوسط، وتُظهر هذه التقلبات أنماطًا معينة من المقدار على مجموعة متنوعة من المقاييس الزاوية، مع ارتفاع التقلبات في المقدار بنحو درجة واحدة من المقياس الزاوي ثم تتناقص وتتزايد بتذبذب، وهو ما يدل على بعض الإحصاءات الحيوية في الكون.
وفقًا للتقلبات الكونية المُقاسة يمكن افتراض عدة نماذج كونية كالآتي:
نلاحظ وجود نمط معين: يؤدي افتراض وجود مادة أقل وطاقة مظلمة أكثر إلى قيمة أكبر لثابت هابل، في حين يؤدي افتراض وجود مادة أكثر وطاقة مظلمة أقل إلى قيمة أصغر لثابت هابل، الشيء المشترك بين كل هذه الافتراضات أنها تؤدي إلى نفس عمر الكون تقريبًا.
يبلغ عمر الكون وفقًا لذلك 13.8 مليار سنة. يمكننا أن نؤكد ذلك بثقة لامتلاكنا مجموعة كبيرة من البيانات، وبناءً على أن توسع الكون بسرعة أكبر يحتاج إلى مادة أقل وطاقة مظلمة أكثر، وحاصل ضرب ثابت هابل الخاص به مع عمر الكون يساوي قيمةً أكبر، في حين يتطلب توسع الكون بسرعة أقل مادةً أكثر وطاقةً مظلمةً أقل، وحاصل ضرب ثابت هابل الخاص به مع عمر الكون يساوي قيمةً أصغر.
لمزيد من الدقة، يمكننا القول أن عمر الكون يتراوح بين 13.6 و14 مليار سنة، بنسبة دقة تصل إلى 95%. ما زالت العديد من خصائص الكون محل شك لكن عمره لم يعد واحدًا منها. يمكنك أن تجري هذه الحسابات بنفسك، فقط عليك أن تراعي مكونات الكون وإلا توصلت إلى نتائج ساذجة وغير صحيحة.
اقرأ ايضًا:
كيف يحسب عمر الكون باستخدام موجات الجاذبية؟
ترجمة: مريم عادل
تدقيق: إبراهيم قسومة
مراجعة: أكرم محيي الدين