توفرت السجائر الإلكترونية (e-cigarettes) في الأسواق منذ بدايات العقد الماضي، وزاد استخدامها في السنوات السابقة، وقد بدأت الدلائل على النتائج قصيرة المدى للسجائر الإلكترونية بالظهور الآن، إلى جانب تأثيراتها الإيجابية والسلبية على صحة مستخدميها.
تعرّف السجائر الإلكترونية على أنها أجهزة تعمل بطاقة البطاريات على تسخين سائل معين – غالبًا ما يحتوي على نيكوتين ممزوج بالبروبيلين غليكول والغليسيرين، ونكهات تتراوح من العلكة إلى البطيخ – وتحويله إلى بخار يمكن للمستخدمين استنشاقه، فتمد الجسم بالنيكوتين، وهو مادة عالية الإدمان، بدون إنتاج أي دخان.
وقد أعلنت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في شهر أيار- May لعام 2016 أن سلطتها الضابطة لمنتجات التبغ ستمتد الآن لتشمل السجائر الإلكترونية، وبالتالي سيتم ضبط هذه الأجهزة – إلى جانب السيجار، والنرجيلة (الشيشة)، وتبغ الغليون – بطريقة مماثلة للسجائر التقليدية، وقد منعت هذه القوانين، التي بدأ تطبيقها في الثامن من شهر آب- August، بيع هذه المنتجات للذين لم يتجاوزوا الثامنة عشر من عمرهم، سواء في المتاجر أو عبر الإنترنت.
وبسبب حداثة السجائر الإلكترونية نسبيًا كمنتجات موفرة للنيكوتين، توجد عدة أسئلة غير مجابة تتعلق بسلامتها وتأثيراتها الصحية، بما يتضمن تساؤلات حول الاستخدام المطول لها، وفعاليتها في مساعدة المدخنين التقليديين على الإقلاع، فما هي السجائر الإلكترونية تحديدًا، وكيف تؤثر هذه المواد الكيميائية على القلب والرئتين بالإضافة إلى الصحة العامة للفرد؟
هي أسئلة طرِحَت على خبيرَي تبغ لاستقصاء آرائهما، فكانت الأقوال كالتالي:
ما هو معلوم عن السجائر الإلكترونية
قال ستانتون غلانتز، بروفيسور في الطب ومدير مركز دراسة وأبحاث مراقبة التبغ في جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو: «لا شك في أن النفخة الواحدة من سيجارة إلكترونية هي أقل خطرًا من نفخة سيجارة تقليدية، بشكل عام، تحرر السجائر الإلكترونية النيكوتين بكمية أقل من السجائر العادية، لأنها تولد بخارًا عوضًا عن دخان تبغ، ولكن ذلك لا يعني دوماً أن تلك الأجهزة تمثل وسيلة أكثر أمانًا من السجائر العادية.
ففي الحقيقة، من أخطر ما تسببه السجائر الإلكترونية هو أنها قد تجعل الناس يستمرون في تدخين السجائر التقليدية لفترة أطول، عوضًا عن تشجيعهم على محاولة الإقلاع عنها، فعلى الرغم من تفاوت التقديرات، وُجد أن حوالي 70-90% من مستخدمي السجائر الإلكترونية هم “مستخدمون مزدوجون”، أي أنهم يستمرون في تدخين السجائر العادية بعد البدء باستخدام الإلكترونية».
قال الدكتور مايكل سيجل، وهو باحث في التبغ وبروفيسور في علوم صحة المجتمع في جامعة بوسطن للصحة العامة: «لكن بغض النظر عن كيفية إيصال النيكوتين – سواء عن طريق السجائر الإلكترونية أم العادية – ما زال تأثيره قائمًا على الجسم، فالنيكوتين مادة محفزة للقلب والأوعية الدموية، وقد تسبب تفاقم الأمراض القلبية لدى الأشخاص الذين يعانون من حالات قلبية شديدة مسبقًا».
قال غلانتز: «من غير المؤكد أن النيكوتين يستطيع بمفرده التسبب بأمراض قلبية لدى الأشخاص السليمين، لكن توجد بعض الأدلة على إمكانية تسبب السجائر الإلكترونية بتأثيرات جوهرية على الأوعية الدموية، وبالتالي زيادة احتمالية إصابة المدخنين بنوبة قلبية، كما أن النيكوتين يعتبر سامًا بحالته السائلة المركزة ضمن السجائر الإلكترونية، وقد تزايد عدد الحالات تناوله من قبل الأطفال بغير قصد.
يمتلك النيكوتين تأثيرات على الصحة الإنجابية أيضًا، ويمكن أن يضر بتطور الجنين، بغض النظر عن طريقة التعاطي، وقد يؤدي إلى ولادة أطفال بوزن منخفض».
وأضاف: «لقد ارتفع استخدام المراهقين بمرحلة الثانوية للسجائر الإلكترونية بشكل جنوني، وتشير إحصائيات مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها، إلى أن 1.5% من أولئك المراهقين كانوا قد جربوا السجائر الإلكترونية بحلول عام 2011، وقد وصلت النسبة إلى 16% في عام 2015، هذه النسبة في ازدياد حتى مع إيجاد الباحثين للمزيد من الأدلة على سمية النيكوتين لأجهزة أجسام الشباب وأدمغتهم التي ما تزال قيد التطور.
كما أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية لديهم المزيد من الاضطرابات التنفسية، ويتغيبون عن المدرسة لعدد أكبر من الأيام.
بالإضافة للنيكوتين، يمكن لمواد كيميائية أخرى ضمن السجائر الإلكترونية أن تؤثر على الصحة، فقد أظهرت دراسات على الأبخرة المستنشَقة الصادرة عن تلك السجائر أنها تحمل أجزاء صغيرة بما فيه الكفاية لتصل عميقًا داخل الرئة، وهي ليست “أبخرة ماء غير مؤذية” كما يدعي المسوقون».
قال سيجل: «يمكن لمادة البروبيلين غليكول، الموجودة ضمن سوائل السجائر الإلكترونية أن تهيّج العينين والطرق التنفسية، كما أظهرت دراسات مبكرة أن البروبيلين غليكول والغليسيرين قد يتحللان عند التسخين والتبخير إلى الفورمألدهيد والأسيتألدهيد.
وتعتبر كل من المادتين السابقتين مولدةً للسرطان، على الرغم من عدم وضوح كيفية يتسبب التعرض المستمر لهما بهذا المرض، ولكن بشكل عام، بالرغم من تورط السجائر الإلكترونية في بعض المشاكل الصحية، ما زالت أقل سمية من السجائر التقليدية، وبالتالي يمكن اعتبار كل ما يبعد الناس عن التبغ توجيهًا لهم إلى لطريق السليم».
ويعتقد سيجل أنَّ السجائر الإلكترونية تؤمن بديلًا أكثر أمانًا للمدخنين، لأنهم يتلقون مستويات أقل من بعض المواد السامة والمسببة للسرطان بالمقارنة مع السجائر العادية، على الرغم من استمرار تلقيهم للنيكوتين.
ويرى أن الهدف الأساسي هو إبعاد الناس عن تدخين السجائر الإلكترونية والتقليدية معَا، ولكن الجميع يبدأ من نقطة ما، كما يدرك أن العديد من زملائه في الصحة العامة لا يشاركونه الرأي، فهم يرون في السجائر الإلكترونية هروبًا من تدخين السجائر التقليدية، وخصوصًا بالنسبة للشباب، أو طريقةً للحصول على النيكوتين تقلل حقيقةً من رغبة الناس في الإقلاع.
وينتمي غلانتز للفئة السابقة، فقد وجد في دراسة تحليلية أجراها مع زميل له، ونشرت سابقًا في عام 2016، أن المدخنين البالغين الذين يستخدمون السجائر الإلكترونية هم 30% أقل عرضة لإيقاف التدخين من أولئك الذين يحاولون الإقلاع بدون التحول إلى استخدام السجائر الإلكترونية.
ويعد أحد التفسيرات الممكنة لذلك هو احتمال توجه المدخنين لاستخدام السجائر الإلكترونية بشكل عام كجزء من استراتيجية لتخفيف التدخين، ما يعد محاولة قليلة الفعالية.
ما هو غير معلوم عن السجائر الإلكترونية:
بحسب مراجعة نٌشرت في دورية مراقبة التبغ في أيار- May لعام 2014، لم تكن الدراسات التقييمية لمدى كون السجائر الإلكترونية أقل ضررًا من السجائر التقليدية حاسمةً بما يكفي.
علاوة على ذلك، ما زالت التأثيرات الصحية طويلة الأمد على الأشخاص الحاصلين على النيكوتين بشكل متبخر غير معروفة، وليس واضحًا ما إن كان البروبيلين غليكول، المعروف بتهييجه للطرق التنفسية، قادرًا على التسبب بمشاكل رئوية بعد عقود من تدخين السجائر الإلكترونية.
ولأن السجائر الإلكترونية قد بدأت بالتواجد في الأسواق منذ حوالي عشر سنوات فقط، لم توجد دراسات طويلة الأمد على أشخاص قد استخدموها لثلاثين إلى أربعين سنة، لذلك، ما زالت التأثيرات القصوى للسجائر الإلكترونية مع مرور الزمن على صحة القلب والرئة، بالإضافة إلى إمكانية تسبيبها للسرطان، غير معلومة.
ومن الأسئلة الأخرى غير المجابة، هي كيفية تأثير النكهات المستخدمة في تلك الأجهزة على صحة المستخدمين، وحسب الجمعية الأمريكية للرئة، يوجد حوالي 500 علامة تجارية و7700 نكهة للسجائر الإلكترونية معروضة للبيع حاليًا، وقد ساعد التنوع الكبير للنكهات على جعل تلك السجائر مرغوبةً من قبل الشباب.
«ليس من المعلوم بعد ما إن كانت تمتلك هذه النكهات أية تأثيرات تنفسية عندما يتم تبخيرها واستنشاقها، ونحتاج المزيد من الأبحاث لاستعراف المخاطر المترافقة مع احتمال استنشاق العوامل المنكهة، بالإضافة إلى أننا لا نعرف إلا القليل عن تأثير العوامل المنكهة في قدرة النيكوتين على التسبب بالإدمان».
قال غلانتز: «علينا بذل جهد أكبر لفهم فرق الديناميكية بين تدخين السجائر التقليدية، وكذلك استخدام السجائر الإلكترونية، لدى المستخدمين المزدوجين، كما يجب أن تنظر الأبحاث القادمة إلى إمكانية تداخل الاستخدام المزدوج للسجائر الإلكترونية والعادية، مع الرغبة في الإقلاع عن التدخين، وما إن كان استخدام السجائر الإلكترونية استراتيجية فعالة في إيقاف التدخين، مقارنةً بالأساليب الأخرى، مثل لصاقات النيكوتين والاستشارات السلوكية، لم توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية- FDA على استخدام السجائر الإلكترونية كأداة مساعدة في الإقلاع عن التدخين».
- ترجمة: سارة وقاف.
- تدقيق: بشار غليوني.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر