معنى كلمة الذرة في أصولها اليونانية الشيء غير القابل للتجزئة، لكن بالرغم من معنى اسمها، فإن الذرة تتكون فعلياً من جسيمات أصغر، مثل البروتونات والنيوترونات والإلكترونات. لهذا السبب وجدنا أن معناها غير دقيق تمامًا.

أجرى مجموعة من الفيزيائيين محاكاةً حديثةً، قدمت ولأول مرة عرضاً مجهرياً دقيقًا للحظة التي تنقسم فيها الذرة إلى قسمين. هذا الإنجاز كشف رؤىً جديدةً حول عملية الانشطار الذري ذات الطاقة العالية التي كان لها دور حاسم في تشكيل العصر الحديث للعلوم والتكنولوجيا.

أدرك العلماء في عام 1938، أن مصطلح الذرة ليس دقيقاً بما فيه الكفاية. فقد أظهر الفيزيائيون أوتو هان وليز مايتنر وفريتز شتراسمان، أن نوى اليورانيوم قد تنقسم إلى قسمين عند قذفها بالنيوترونات.

أظهرت هذه الاكتشافات الطاقة الهائلة المخزونة داخل الذرات، مما يوضح الطاقة الكبيرة التي يمكن إطلاقها عن طريق التفاعلات الذرية.

ما زال العلماء يجدون صعوبةً في فهم تفاصيل الانشطار النووي ومبادئه بالكامل، ومع مرور عقود على استخدامه في مجالات متعددة مثل الحروب وإنتاج الطاقة والطب والبحث العلمي .. فإنه لم يكشف لنا عن جميع أسراره حتى الآن.

تُصور البروتونات والنيوترونات بأنها جسيمات متجمعة وبسيطة في النماذج المستخدمة لوصف الذرات، لكن الواقع أكثر تعقيداً بكثير. ففي الذرة الكبيرة، تكون النواة بيئةً ديناميكيةً وفوضويةً تهيمن عليها تفاعلات كمية مكثفة، وتغيرات غير متوقعة في الطاقة.

إنّ دراسة سلوك وتفاعلات النيوكليونات (البروتونات والنيوترونات) داخل الذرات المستقرة والمعزولة علم معقد للغاية. وتزداد صعوبتهُ كثيرًا عندما تخضع الذرة لتحولات كبيرة مثل التفاعلات أو التحلل النووي، مما يضيف متغيرات أُخرى ويسبب عدم استقرار جديد.

قسّم الفيزيائيون النظريون من مختبر لوس ألاموس الوطني وجامعة واشنطن عملية الانشطار النووي المعقدة إلى أربع مراحل متميزة بغية تبسيطها.

أتاح هذا التقسيم فرصةً لفهم مراحل العملية بطريقة أكثر تنظيماً وتفصيلاً لكل جزء من عملية الانشطار.

جاء في وصف المرحلة الأولية لعملية الانشطار النووي ما يلي:

عندما يدخل نيوترون بطيء الحركة إلى النواة، يؤدي إلى توسعها وإعادة تشكيلها لتتخذ شكلاً يُعرف باسم نقطة السرج.

في هذه المرحلة، تبدو النواة إلى حد ما أشبه بقشرة الفول السوداني بسبب الانتفاخ الناتج عن تأثير النيوترون. إذ يُعد هذا التشوه خطوةً أساسيةً نحو الانقسام النهائي للذرة.

في المرحلة الثانية، تمرّ النواة بانتقال سريع من الشكل الشبيه بالسرج إلى نقطة الانقسام. خلال هذه المرحلة القصيرة التي تستغرق نحو 5×10‐²¹ ثانية، تتشوه النواة أكثر وتبدأ شظايا الانشطار أو الأجزاء التي سوف تنقسم إليها الذرة، في التكوّن.

أمّا في المرحلة الثالثة من الانشطار النووي، والتي تحدث بسرعة أكبر من الخطوات السابقة. إذ إنها تستغرق فقط حوالي 10-²² ثانية وتُعرف بمرحلة الانقسام أو تمزق الرقبة حيث تنفصل النواة بالكامل إلى شظايا. إذ يمثل هذا اللحظة الرسمية لانفصال النواة إلى أجزاء متميزة، ما يختتم عملية الانشطار.

نلاحظ أنّ المرحلة النهائية من الانشطار النووي، تكون أبطأ من المراحل السابقة وتستغرق نحو 10-¹⁸ ثانية. في هذه المرحلة تستقر شظايا الانشطار في أشكالها وتبتعد عن بعضها، مطلقةً طاقةً في صورة نيوتروناتٍ وأشعة جاما. قد يؤدي إطلاق الطاقة هذا إلى تحفيز تفاعلات نووية أخرى أو عمليات اضمحلال لاحقة، ما يساهم في إجمالي الطاقة الناتجة عن الانشطار.

يوجد في جعبة العلماء عدة نظريات تهدف إلى تفسير الحركة الدقيقة للجسيمات دون الذرية مع انتقال النواة من شكلها الأولي الشبيه بالسرج إلى مرحلة الانشطار.

مع ذلك، وفي كثير من الحالات، لا تتطابق البيانات التجريبية مع بعض الافتراضات النظرية الأساسية في الفيزياء، أو تتعارض مع النماذج المجهرية التي تحاول محاكاة التفاعلات بين البروتونات والنيوترونات الفردية، لذا تشير هذه الفجوة إلى وجود حدود لفهمنا الحالي لعملية الانشطار النووي على أصغر المستويات.

إنَّ إطار العمل الذي أنشأه عالم الفيزياء أوريل بولغاك من جامعة واشنطن يقدم أدق محاكاة حتى الآن للحظة انقسام نواة الذرة الكبيرة.

يُعرف هذا النموذج بـالمحاكاة الكمية متعددة الأجسام، الذي يصوّر بدقة لحظة الانقسام، حيث ينضغط الجسر الذي يربط بين نصفي النواة وينفصل نهائياً. لذلك تمثل هذه المحاكاة تقدماً كبيراً في فهم الانشطار النووي بدقة عالية.

تطلبت الحسابات التي أجريت على نظائر مختلفة، مثل اليورانيوم 238 والبلوتونيوم 240 والكاليفورنيوم 252، تحت ظروف ابتدائية مختلفة موارد حاسوبيةً كبيرةً. إذ أُجريت هذه الحسابات باستخدام أجهزة الكمبيوتر العملاقة في مختبر أوك ريدج الوطني، الذي يُعد مرفقًا بحثيًّا رائدًا تدعمه وزارة الطاقة الأمريكية. فقد كانت الطبيعة المعقدة لهذه المحاكاة تتطلب مثل هذه التكنولوجيا المتقدمة.

يؤكد بولغاك أنّ الوصف النظري لتمزق الرقبة في عملية الانشطار، الذي طوره فريقه، ربما يكون أدق نموذج حصلوا عليه بعناية حتى الآن. النقطة الرئيسية هي أنّ هذا النموذج طُور من دون إجراء أي افتراضات مبسطة، ما يضمن دقته وموثوقيته.

يوضح بولغاك أنّ نموذجهم يعتمد على توقع دقيق جداً، لم يكن موجوداً من قبل. إذ قامت النظريات السابقة غالباً على الافتراضات واعتمدت على تقديرات حول ما قد يحدث. مع ذلك، تجنب فريق بولغاك الافتراضات، واستخدم بدلاً من ذلك المعادلات المعروفة في الفيزياء النووية وميكانيكا الكم، ثم طبقها بدقة عالية لتقديم توقعاته من دون تبسيط أو تخمين.

كشفت المحاكاة عن تفاصيل غير متوقعة في عملية الانشطار. فبينما توقعت بعض النماذج السابقة وجود درجة عالية من العشوائية الكمية في أثناء مرحلة تمزق الرقبة، كشف نموذج فريق بولغاك عن ثنية مميزة في كثافة الجسيمات دون الذرية قبل ظهور نقطة الانقسام، مما أظهر المزيد من الهيكلية والقدرة على التنبؤ أكثر مما كان متوقعاً.

حصل الفريق أيضًا على اكتشاف آخر من المحاكاة، هو أنّ انقسام النواة يحدث في أوقات مختلفة قليلاً بالنسبة للبروتونات والنيوترونات. وبشكل محدد أكثر، يكمل عنق البروتون (الجزء من النواة المتعلق بالبروتونات) انكساره قبل عنق النيوترون (الجزء المتعلق بالنيوترونات)، مما يشير إلى اختلاف في سلوك البروتونات والنيوترونات في أثناء عملية الانشطار.

أكّدت المحاكاة بعض النظريات التي كانت مثار جدل سابقاً بشأن إطلاق نيوترونات عالية الطاقة خلال مرحلة الانقسام في الانشطار النووي.

لم تؤكد المحاكاة حدوث هذا الإطلاق فحسب، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بتوقع الخصائص الرئيسية لهذه النيوترونات، مثل طاقتها وتوزيعها الزاويّ (كيف تنتشر في اتجاهات مختلفة) واتجاهات تحركها (إلى أي اتجاه تتحرك بعد إطلاقها).

شرح بولغاك أنّ معظم التجارب كانت تركز على اكتشاف النيوترونات في اتجاه حركة شظايا الانشطار. مع ذلك، لم تتمكن من تمييز النيوترونات الناتجة عن مرحلة الانقسام لأنّ معظم النيوترونات التي اكتُشفت كانت نيوترونات حراريةً صادرةً عن الشظايا الساخنة نفسها، وليست النيوترونات عالية الطاقة المتوقعة من عملية الانقسام.

إنّ الخطوة التالية لوضع التوقعات بشأن عملية الانشطار، هي إجراء التجارب للتحقق من صحة هذه التوقعات. إذ إن الهدف الأساسي هنا هو اختبار ما إذا كان الفهم الجديد حول كيفية انقسام الذرة؛ التي كانت تُعد يوماً ما غير قابلة للتجزئة إلى قسمين يتوافق مع الواقع في الإعدادات التجريبية.

اقرأ أيضًا:

علماء يربطون أصغر عقدة على الإطلاق.. وتتكون من 54 ذرة فقط!

التقاط صورة لذرة واحدة منفردة بواسطة التصوير بالأشعة السينية.

ترجمة: آية شميّس

تدقيق: منال توفيق الضللي

مراجعة: باسل حميدي

المصدر