تجربة جديدة أجراها فريق دولي من العلماء لتخليق «المطر الألماسي» والذي يُعتقد أنه موجود داخل عمالقة الجليد كأورانوس ونبتون.
لأكثر من ثلاثة عقود، كانت البنية الداخلية وتطور أورانوس ونبتون موضوع نقاش بين العلماء. ونظرًا لبعدهما عن الأرض، وأن عددًا قليلًا فقط من المركبات الفضائية الآلية قامت بدراستهما مباشرة، فإن ما يدور داخل هذان العملاقان الجليديان لا يزال لغزًا غامضًا؛ وبدلًا من الأدلة المباشرة، اعتمد العلماء على النماذج والتجارب لتكرار الظروف الموجودة بداخلهما.
على سبيل المثال، اعتمد نظريًا أن ظروف الضغط الشديد داخل أورانوس ونبتون تضغط الهيدروجين والكربون إلى الألماس، والذي يغوص بعدها إلى الأعماق.
وبفضل تجربة أجراها فريق دولي من العلماء، فإن هذا «المطر الألماسي» خُلق لأول مرة تحت ظروف مخبرية، مما أعطانا لمحة عن أولى الأشياء التي يمكن إيجادها داخل عمالقة الجليد.
الدراسة مع تفاصيل التجربة نشرت بعنوان: «تشكيل الألماس من ضغط الليزر للمركبات الهيدروكربونية في الشروط الداخلية للكواكب – Formation of Diamonds in Laser-Compressed Hydrocarbons at Planetary Interior Conditions»، في مجلة علم فلك الطبيعة Nature Astronomy برئاسة الدكتور دومينيك كراوس Dr.Dominik Kraus عالم الفيزياء بمعهد الفيزياء الإشعاعية في درسدن – ألمانيا Helmholtz-Zentrum Dresden-Rossendorf Institute of Radiation Physics.
الفريق العلمي الدولي تضمن أفرادًا من: معمل التسريع الوطني SLAC National Accelerator Laboratory ومن معمل لورانس ليفمور الوطني Lawrence Livermore National Laboratory ومن جامعة UC Berkeley.
لعدة عقود، تبنى العلماء فكرة أن البنية الداخلي للكواكب الجليدية مثل أورانوس ونبتون تتألف من نواة صلبة محاطة بتجمعات كثيفة من الجليد.
وفي هذه الحالة، نشير بالجليد إلى جزيئات هيدروجين متصلة بعناصر أخف كالكربون والأكسجين و/أو النيتروجين لإنشاء مركبات كالماء والنشادر، وتحت ظروف الضغط الشديد تتكون هذه المركبات شبه الصلبة مشكلة الوحل الجليدي Slush.
وعلى بعد 10,000 كم تقريبًا تحت سطح هذه الكواكب، يُعتقد أن ضغط الهيدروكربونات يُشكل الألماس؛ ولإعادة خلق هذه الظروف فإن الفريق الدولي استخدم عينة بسيطة من بلاستيك البوليسترين وعرَّضها لاثنين من موجات الصدم مستخدمًا موجات الليزر الضوئية المكثفة في آلة Matter in Extreme Conditions (MEC) والتي يتم إتباعها نبضات من الأشعة السينية في آلة Linac Coherent Light Source ( LCLS) في مختبرات SLAC.
كما أوضح الدكتور كراوس Dr. Kraus رئيس مجموعة شباب المحققين في هيلمهولتز Helmholtz Young Investigator Group في بيان صحفي HZDR:
«حتى الآن، لا أحد قادر على المراقبة المباشرة لهذه الأمطار المتألقة في بيئة تجريبية، وفي تجربتنا نعرض نوع خاص من البلاستيك البوليسترين الذي يتألف من خليط من الكربون والهيدروجين بشروط مماثلة لتلك التي داخل أورانوس أو نبتون.»
البلاستيك في هذه التجربة يحاكي المركبات التي تكونت من الميثان، وهو جزيء يتكون من ذرة كربون واحدة وأربع ذرات هيدروجين.
ووجود هذا المركب هو الذي يعطي كلا من أورانوس ونبتون ألوانهما الزرقاء المتميزة. وفي الطبقات المتوسطة من هذه الكواكب تتشكل أيضًا سلاسل هيدروكربونية يتم ضغطها إلى الألماس، الذي يمكن أن يتكون بأوزان تصل إلى ملايين القيراطات.
موجات الليزر التي استخدمها الفريق، خلقت موجتين صدميتين، تحاكيان بدقة ظروف الحرارة والضغط في الطبقات المتوسطة في أورانوس ونبتون.
الصدمة الأولى كانت أصغر وأبطأ ثم تبعتها الصدمة الثانية الأكثر قوة. وعندما تداخلت الصدمتان بلغ الضغط ذروته وبدأت الألماسات الصغيرة بالتشكل، وعند هذه النقطة فحص الفريق التفاعلات بنبضات الأشعة السنية من LCLS.
هذه التقنية، المعروفة باسم حيود الأشعة السينية X-ray Diffraction، سمحت للفريق برصد تشكل ألماسات صغيرة في الوقت الحقيقي وهذه التقنية كانت ضرورية لأن تفاعلات من هذا النوع لا تستغرق إلا أجزاء من الثانية.
يشرح ذلك أستاذ علوم الفوتون في مختبرات SLAC سيغفريد غلينزر Siegfried Glenzer والمشارك في تأليف ورقة البحث في قوله: «لهذه التجربة كان لدينا LCLS وهو مصدر الأشعة السينية الأكثر توهجًا في العالم، نحتاج إلى هذه النبضات السريعة والمركزة من الأشعة السينية لرؤية واضحة لتشكل هذه الألماسات لأنها لا تتشكل في المختبر إلا لمدة قصيرة جدًا».
في النهاية، وجد فريق البحث أن كل ذرة كربون تقريبًا في العينة البلاستيكية الأصلية دخلت في تشكيل هياكل الألماس الصغيرة؛ وفي حين أنها لا تتجاوز نانومترات قليلة فقط في القطر، فإن الفريق يتوقع أن الألماس على أورانوس ونبتون سيكون أكبر بكثير، ومع مرور الوقت يتوقعون أنه يمكن للألماسات أن تغوص في جوف الكوكبين مشكلة طبقة من الألماس حول القلب.
في دراسات سابقة، كانت المحاولات الساعية لخلق نفس الظروف في قلب أورانوس ونبتون تحصد نجاحًا ضئيلًا، وبالرغم من أن تلك المحاولات أسفرت عن نتائج تكشف تكون الجرافيت والألماس، فإن فرق العلماء الذين قاموا بها فشلوا في أخذ القياسات أثناء وقتها الفعلي.
وكما أسلفنا، فالحرارة والضغط العاليين في العمالقة الغازية/الثلجية لا يمكن محاكاتهما في المختبر إلا لفترة قصيرة جدًا من الزمن.
ومع ذلك وبفضل LCLS الذي يصنع نبضات الأشعة السينية أكثر توهجًا بمعدل مليار مرة من التجارب السابقة ويطلقها بمعدل 120 نبضة في الثانية تقريبًا، تمكن الفريق من قياس التفاعل الكيميائي مباشرة للمرة الأولى.
في النهاية فإن لهذه النتائج أهمية خاصة لعلماء الكواكب الذين تخصصوا في دراسة كيفية تشكل وتطور الكواكب.
وكما أوضح كراوس فإنه ينبغي إعادة التفكير في العلاقة بين كتلة الكوكب ونصف قطره، الأمر الذي سيقود إلى نماذج جديدة لتصنيف الكواكب:
«العلاقة بين كتلة الكواكب ونصف قطرها يمكن أن تخبر العلماء الكثير حول بنيتها الكيميائية. كما أن الكيمياء التي تحدث في الداخل يمكن أن توفر معلومات إضافية حول بعض من السمات المميزة لهذا الكوكب، فنحن لا يمكننا الذهاب إلى داخل الكواكب والنظر إليها، لذلك فإن هذه التجارب المخبرية تتكامل مع مشاهدات الأقمار الصناعية والتلسكوبات الفضائية.»
تفتح هذه التجربة فرصًا جديدة لضغط المادة وإنشاء مواد تخليقية. فهذه الألماسات النانوية Nanodiamonds لها تطبيقات تجارية كثيرة (الصناعات الطبية والإلكترونية والمعدات العلمية.. وغيرها)، وخلق هذه الألماسات بمساعدة أشعة الليزر سيكون أكثر فعالية وأقل تكلفة وأكثر أمانًا من الطرق الحالية، والتي تدخل فيها المتفجرات.
كما يمكن أن نستفيد من هذه التجربة في أبحاث الانصهار والاندماج، التي تعتمد على خلق ضغط شديد ودرجات حرارة عالية لتوليد طاقة وفيرة.
علاوة على ذلك، تقدم نتائج هذه الدراسة تلميحات محتملة لما تبدو عليه أشكال نوى هذه الكواكب الضخمة، بالإضافة إلى كونها تتألف من صخور السيليكات والمعادن، ومن الممكن أن تكون لعمالقة الجليد طبقة من الألماس في حدود طبقاتها الأساسية.
على افتراض أنه يمكننا في يوم من الأيام أن نخلق مواد كهذه، أليس هذا كافيا لأن تستحق هذه الأبحاث والتجارب اهتمامًا اكبر؟
- ترجمة: حيدر علي ضغام
- تدقيق: إبراهيم صيام
- تحرير: أحمد عزب