أصبحت السمنة من أكثر المشاكل انتشارًا بين البشر، إذ أنّ نسبة السمنة في ازدياد مستمر، وعند حد معين قد تؤدي للإصابة بالدرجة الثانية من مرض السكري.
لكن لاتسبب كل أنواع الدهون الضرر لأجسامنا، إذ أن الدهون المتراكمة بالجسم والمسببة للسمنة تدعى بالدهون البيضاء، والخبر الجيد ينبئُنا بوجود نوع من الدهون تدعى بالدهون البنية وتساعد في علاج السمنة.
وفقًا لعدّة تجارب مخبرية أُجريت على الفئران، فإن الجسم يقوم باستغلال الدهون البنية وحرقها للمحافظة على درجة الحرارة الطبيعية اللازمة للبقاء على قيد الحياة، حتى في البيئة الباردة.
يمكن أن ينتُج من حرق الدهون البنية كمية هائلة من الطاقة، إذ أن 100 غرام فقط من الدهون البنية يمكن أن يُحرِق 3400 سُعرة حرارية في اليوم، أي ما يُعادل ضِعف الاستهلاك اليومي لمعظم الناس وأكثر، وهكذا فمن الممكن مكافحة السمنة بشكل أسرع.
والغريب أن الجسم لا يحتَسِب حرقَ الدهون البنية لإنتاج الطاقة يعزو الأمر لأسبابٍ غير واضحة بعد، وهذا يعني عدم تناول المزيد من الطعام للحفاظ على الوزن، في حين وجود الكثير من الدهون البنية لدى الأطفال، وتواجدها بنسبة قليلة عند البالغين، لكنَّ الأسوأ من ذلك، تواجدها في الجسم بشكل غير نشط.
مع ذلك، أظهرت الدراسات الحديثة أنه يمكننا استغلال وتنشيط المزيد من الدهون البنية، ما يجعل هذا خيارًا جيدًا للحدِّ من السمنة.
كيفية إنتاج المزيد من الدهون البنية
لسوء الحظ، فإن الطريقة الوحيدة الموثوق بها لزيادة كمية ونشاط الدهن البني تكون في فصل الشتاء بشرط البقاء دون تدفئة مركزية وعدم استخدام الملابس دافئة.
إن تواجد الأشخاص في البيئة الباردة يحفّز أجسادهم على إنتاج المزيد من الحرارة إذ أن النظام العصبي يحثُّ الدهون البنيّة على مضاعفة كميتها ونشاطها في الجسم، ولكن المشكلة تكمن في كون بقاء الاشخاص في غرفة باردة لعدة أيام أمرًا غير عمليٍّ، ناهيك عن عدم تقبل هذا الفكرة عند الأغلبية.
ومن إحدى الخيارات الممكنِ تطبيقها تحفيزُ الإشارات العصبية التي تؤثر على الدهون البنية باستخدام العقاقير.
لكن العقاقير التي تؤثر على الدهون البنيّة ستزيد أيضًا من ضغط الدم ومعدل ضربات القلب وهذه الطريقة لها تأثير جانبي فقد تسبب النوبات القلبية، خاصةً عند الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، والمفترض أن تعالجهم الدهون البنية.
تكمن المشكلة الأساسية في تنشيط الدهون البنية، وحتى لو استطعنا تحويل كل خلية دهنية بيضاء في الجسم إلى دهن بني، فهذا وحدهُ غير كافٍ، فالدهن البني يحتاج إلى تدفق دموي ممتاز لتوفير كل السعرات الحرارية التي يمكن أن يحرقها، كما يحتاج أيضًا إلى أعصاب متصلة بالخلايا الدهنية البنية لتنشيطها.
جزيء BMP8b
قبل بضع سنوات تمّ تحديد جزيء في الفئران يُسمى BMP8b إذ تم العثور على BMP8b بمستويات أعلى بكثير في الدهون البني منها في الدهون البيضاء، كما تزايد حجم الفئران عند وضعها في بيئة شديدة البرودة.
وقد اكتُشِف أيضًا أن البشر لديهم الجزيء BMP8b وأن حذفه في الفئران منعَ الدهون البنية عن العمل.
وهو موجود في الدم، وقابل للاستخدام كدواءٍ مسؤول عن تنشيط وزيادة كمية الدهون البنية في البشر.
قبل اختبار BMP8b في البشر، لا بدَّ من التحقق من تأثير زيادة BMP8b في الجسم لدى الفئران، وهل سيؤثر فعلًا على الدهون البنية؟
ومن خلال علم الهندسة الوراثية تم تأكيد تواجد جزيء BMP8b في الدهون البيضاء لدى الفئران تمامًا كتواجده في الدهون البنية، ولقد وُجِدَ أن زيادة مستويات BMP8b حوّلت الدهون البيضاء إلى بنية وزادت من نشاطها، إذ أصبحت أجسام الفئران أكثر حساسية للإشارات العصبية التي تنشط الدهون البنية.
ومن الجدير بالذكر، الزيادة غير المتوقعة من قبل BMP8b للتروية الدموية وتعصيب الدهون البيضاء والبنية.
إن هذه العوامل مفيدة فعلًا لمقدرة BMP8b على تزويد البشر بالمزيد من الدهون البنية والتي تمدهم بالطاقة اللازمة للجسم، وإن ازدياد تعصيب الدهون البنية يعني أيضًا أن الإشارات القادمة من الدماغ ستُفعّل وتزيد كمية الدهون البنية.
أخيرًا، لأن BMP8b يجعل الدهون البنية حساسة أكثر للإشارات العصبية تُنشّطها، فربما نستطيع استخدام العقاقير لزيادة هذه الإشارات، لكن بجرعات قليلة لتلافي تأثيراتها الجانبية الناتجة عن الجرعات العالية كالنوبات قلبية، نجد أن هذه النتائج جيدة لكن لا بدّ من القيام بالمزيد من الاختبارات والدراسات على جزيء BMP8b لمعرفة تأثيراته على الدهون البنية عند البشر.
صموئيل فيرتو، باحث مشارك أقدم، جامعة كامبردج. أنطونيو فيدال -بويج، أستاذ التغذية الجزيئية والتمثيل الغذائي، جامعة كامبريدج، وفانيسا بيليغرينلي، باحث، جامعة كامبريدج.
- ترجمة: أريج المالطي
- تدقيق: مرح منصور
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر