رصد العلماء نوعًا جديدًا تمامًا من الموجات المغناطيسية التي تتدفق عبر النواة الخارجية للأرض كل سبع سنوات، مشوهةً قوة الحقل المغناطيسي لكوكبنا في غضون ذلك.
تسري الموجات من الشرق إلى الغرب على هيئة أعمدة طويلة تستطيع قطع 1500 كيلومتر في السنة، ويطلق عليها موجات «ماغنيتو-كوريوليس» لأنها تتحرك على طول محور دوران الأرض بفعل تأثير كوريوليس، وفقًا لما كتبه الباحثون في بحثهم الذي نشرته مجلة (Proceedings of the National Academy of Sciences) في الحادي والعشرين من شهر مارس.
باستعمال أسطول من الأقمار الصناعية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، حدد الفريق منشأ الموجات الغامضة من الطبقة الخارجية لنواة الأرض السائلة، إذ تلتقي هذه الطبقة بطبقة الوشاح الصخري، على عمق 2900 كيلومتر تحت سطح الأرض تقريبًا.
وفقٱ للباحثين، قد يساعد وجود هذه الموجات على تفسير التقلبات الغامضة في الحقل المغناطيسي للأرض، الذي تولده حركة الحديد المنصهر في النواة الخارجية للكوكب.
تُظهر قياسات الحقل المغناطيسي المأخوذة بواسطة الأقمار الصناعية على مدار الأعوام العشرين الأخيرة أن قوة الحقل تنخفض كل سبع سنوات تقريبًا، بالتزامن مع ذبذبات هذه الأمواج المُكتشفة حديثًا.
يقول نيكولا جيليه، الكاتب الرئيس للدراسة، الباحث في جامعة غرينوبل ألب في فرنسا: «طالما وضع علماء الجيوفيزياء نظريات حول وجود موجات كهذه، لكن كان يُظن أنها تحدث بفوارق زمنية أكبر. يقترح بحثنا احتمال وجود موجات أخرى مشابهة تحدث بفوارق زمنية أكبر غالبًا، لكن اكتشافها يتطلب مزيدًا من البحث».
كانت تغيرات الحقل المغناطيسي المرتبطة بهذه الموجات في أشدها قرب خط الاستواء.
نواة الأرض الخارجية كرة من الحديد المنصهر الذي يتلاطم بحركة مستمرة. يُظن أن تدفق هذا السائل الدوار الناقل للكهرباء هو مصدر الحقل المغناطيسي للأرض، الذي يحيط بالكوكب ويمتد مئات آلاف الكيلومترات في الفضاء، حاميًا الأرض من الإشعاعات الضارة.
يتغير الحقل المغناطيسي للأرض باستمرار، على المدى القصير والطويل كليهما. فعلى المدى الطويل، يضعف الحقل المغناطيسي تدريجيًّا على مدى مئات الأعوام. أما على المدى القصير فتُظهر القياسات المأخوذة مؤخرًا بواسطة أدوات أرضية وأقمار اصطناعية تغيرات منتظمة تحدث كل بضع سنوات في قوة الحقل المغناطيسي وشكله.
ظن الباحثون طويلًا أن هذه التغيرات قصيرة المدى في قوة الحقل المغناطيسي تتأثر بالنشاط في نواة الأرض الخارجية. قد تقدم هذه الدراسة الدليل الذي طال البحث عنه على ذلك.
درس الباحثون بيانات الحقل المغناطيسي التي جمعتها أقمار مهمة «سوارم» التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية على مدى أكثر من 20 عامًا بين عامي 1999 و2021. تتضمن المهمة سربًا من ثلاثة أقمار اصطناعية متطابقة أُطلقت لقياس الإشارات المغناطيسية من نواة الأرض وقشرتها ومحيطاتها وغلافها الجوي.
دمج الفريق بيانات هذه الأقمار مع قياسات سابقة للحقل المغناطيسي أجرتها مستشعرات أرضية، ثم استخدموا نموذجًا حاسوبيًّا لمحاكاة المولد الأرضي (geodynamo)، أو التدفق الحملي للسائل في نواة الأرض الخارجية.
اكتشف الفريق وجود موجات ماغنيتو-كوريوليس في نواة الكوكب للمرة الأولى بفضل دمج هذه القياسات.
يبقى مصدر هذه الموجات لغزًا في الوقت الراهن، لكنها وفقًا لجيليه تصدر غالبًا من «اضطرابات ضمن نواة الأرض الخارجية».
وفقًا لجيليه، قد لا تكون هذه الموجات الوحيدة التي تنتشر ضمن نطاق النواة-الوشاح. ففي حين تفسر موجات ماغنيتو-كوريوليس بعض التغيرات التي رصدت مهمة سوارم وغيرها من المستشعرات حدوثها في الحقل المغناطيسي كل سبع سنوات، قد تكون موجات أخرى غير مكتشفة أقل تواترًا مسؤولة عن تغيرات في الحقل المغناطيسي على مدى أطول. يحتاج الباحثون إلى مواصلة مراقبة النواة لاكتشاف هذا النوع من الموجات.
اقرأ أيضًا:
المجال المغناطيسي القوي قد يكون تفسيرًا لأحد أسرار قمرنا
ظاهرة غامضة تضعف الحقل المغناطيسي للأرض
ترجمة: إيهاب عيسى
تدقيق: أكرم محيي الدين