فهم الانفجار العظيم ونتائجه -وخاصةً أفكار متعلقة بموضوع الكون والتسارع- يعد أحد أكبر التحديات الكونية الموجودة.

التفسير الرائد، المعروف باسم نموذج لامبدا-سي دي إم (Lambda-CDM)، يعتمد على مفاهيم المادة المظلمة والطاقة المظلمة التي لم تُرصد مباشرةً بعد ولا يُعرف عنها الكثير، فما نزال نجهل كثيرًا من الأشياء في الكون، وهذه الحالة من عدم اليقين دفعت بعض العلماء للبحث عن تفسيرات أخرى.

أحد هذه التفسيرات، كما هو مفصل في ورقة بحثية جديدة، يستكشف كيف أن زوج «كون المادة المضادة» الذي أُنشئ في أثناء الانفجار العظيم، قد يساعد في تفسير الكون المرئي دون الحاجة إلى المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

النموذج الرياضي Lambda-CDM (لامبدا-المادة المظلمة الباردة)، الذي يفسر الانفجار العظيم وتوسعه، هو أفضل تخمين لدينا -حتى هذه اللحظة- يمتلك تفسيرًا حول سبب توسع وتسارع الكون، لكنه مليئ بالعديد من الثغرات. أكبر هذه المشكلات المحيرة هو أن النموذج، كما يوحي اسمه، يعتمد على وجود المادة المظلمة والطاقة المظلمة، وهما مفهومان نظريان لم يرصدا على نحو مباشر بعد.

الآن، يقدم نامان كومار -باحث في المعهد الهندي للتكنولوجيا- فكرةً جديدة، وهي أن كوننا هو في الواقع جزء من زوج متشابك مع كون آخر. نشر كومار فكرته في مجلة “Gravitation and Cosmology” في أبريل، وشرح تعقيداتها جزءًا من سلسلة “Science X Dialog”، إذ يشارك الباحثون معلومات عن أعمالهم.

كتب كومار في بيان صحفي: «في عملي، أقترح نموذجًا آخر لشرح التوسع المتسارع الحالي للكون. على عكس النماذج الحالية، لا يتطلب هذا النموذج أي شكل من أشكال الطاقة المظلمة أو نهج الجاذبية المعدلة. ومع ذلك، فنحن بحاجة إلى كون مضاد شريك يتدفق فيه الزمن بعكس اتجاه الزمن في كوننا».

هذه ليست المرة الأولى التي تُطرح فيها فكرة كهذه. ففي عام 2018، قدم علماء من معهد بيريمتر للفيزياء النظرية في أونتاريو كندا فكرةً تفيد أن كوننا هو صورة مرآة لكون يتدفق فيه الزمن إلى الوراء.

في ذلك الوقت، اعترف المؤلفون بأن فكرتهم ما تزال تحتاج إلى تجاوز العديد من العقبات الرصدية والتجريبية، لكنها وفرت مرشحًا طبيعيًا جذابًا للمادة المظلمة؛ وهو النيوترينو العقيم. أيضًا تلك الفكرة لا تنتهك قاعدةً أساسيةً في الفيزياء تُعرف بتناظر CPT، ما يعد ميزةً كبيرةً لأي نظرية تأمل في تفسير التوسع الكوني.

بناءً على هذا النهج، قال كومار إن ورقته البحثية تستخدم مفاهيم مستعارة من نظرية الكم (الإنتروبيا النسبية) والنسبية العامة (شرط الطاقة الصفرية) لتوضيح كيف يمكن للكون أن يتسارع على نحو طبيعي مع وجود الكون والكون المضاد.

كتب كومار: «الإنتروبيا النسبية، التي تتطلب وجود حالتين، تتوافق في هذه الحالة مع الكون وشريكه الكون المضاد. يبدو أن التوسع المتسارع أمر لا مفر منه في كون أُنشئ في أزواج تحترم شرط الطاقة الصفرية».

استكشاف توسع الكون والظواهر المحيطة بالانفجار العظيم -خاصة فترة التضخم- يبدو أنه في النسخة العلمية النظرية من إلقاء الأشياء على الحائط ورؤية ما يلتصق.

بينما يتحدى العلماء افتراضاتنا الأساسية واختبار النظريات القديمة بمرور الزمن، من المحتمل أن تستمر التفسيرات التي طُورت على مدى قرون من قبل شخصيات بارزة مثل إسحاق نيوتن وألبرت آينشتاين في الثبات.

ولكن بينما يواصل العلماء حول العالم البحث عن وجود المادة المظلمة والطاقة المظلمة -التي ما تزال تُعد من قبل الكثيرين أفضل تخمين لدينا- لا يضر أبدًا استكشاف تفسيرات أخرى محيرة للعقل لكنها ممكنة لوجود كل شيء.

اقرأ أيضًا:

هيكل عملاق يكمن في الفضاء السحيق يتحدى فهمنا لتطور الكون

لماذا توجد وحدات عديدة لقياس المسافات في الكون؟

ترجمة: أمير المريمي

تدقيق: حسام التهامي

المصدر