اشتهر ألبرت أينشتاين بثلاثة أمور: قصة شعره، ونظرياته عن النسبية، وإيمانه بأن فهمنا للعالم الفيزيائي يُعد معجزة بحدّ ذاتها. المقصود هو أنه من خلال تسخير العلوم والرياضيات باستخدام خلايانا العصبية، يستطيع البشر استنتاج القوانين الفيزيائية التي يبدو أن الكون يطيعها.
تفسر هذه القوانين كلّ ما يحيط بنا من ظواهر؛ من أبسط الظواهر كإضاءة مصباح أو سقوط مطرقة على الأرض، إلى التصاق الذرات مع بعضها أو تباعدها، وتُمكننا من توقع أحداث مستقبلية مثل اندماج المجرات، أو انفجار النجوم، أو خلق ظروف استثنائية في مسرعات الجسيمات. ولكن حتى مع هذه القوانين والكثير من الخبرة، فإن العلماء لم يصلوا إلى فهم شامل للكون بعدْ ولم يقتربوا حتى من ذلك.
ما المادة المظلمة؛ المادة غير المرئية التي تعمل بمثابة سقالات جاذبية للمجرات، والطاقة المظلمة؛ هذه القوة الغامضة المسؤولة عن التوسع المتسارع للكون؟
يشترك كلا المصطلحين بالغموض؛ لأن الفيزيائيين (والجميع) لا يعرفون ما وراءهم. لكن مثل هذه الألغاز تضيف إلحاحًا إلى السعي المتزايد نحو فهم أشمل لما يجعل الكون يتحرك.
يعتقد بعض علماء الفيزياء أن هذا الفهم الشامل قد يتضمن وجود (نظرية كل شيء) (TOE): وهي إطار نظري أساسي واحد يحكم الكون.
يعتقد فيزيائيون آخرون في الوقت نفسه أن الكون غير مفهوم تمامًا كما أشار أينشتاين، وهذا في رأيهم يجعل البحث عن نظرية كل شيء مجرد مضيعة للوقت.
يتفق الجانبان على أن البشر لن يجدوا أبدًا نظرية لكلّ شيء قادرة على تفسير كلّ شيء حرفيًا، بغض النظر عن مدى نجاح TOE في تفسير الكون من أبسط مبادئه، فمن غير المرجح أن تفسر سبب تفضيلك للمخللات الإضافية على برجر الجبن أو خوفك غير العقلاني من المهرجين.
عندما يتحدث الفيزيائيون بشاعرية عن نظرية كل شيء، فإنهم يقصدون شيئًا محددًا للغاية. إذ تقول الفيزيائية كاثرين فريز؛ الأستاذة في جامعة تكساس في أوستن: «ما يتحدثون عنه هو توحيد كلّ قوى الطبيعة في قوة واحدة».
لم يكتشف العلماء حتى اليوم سوى أربع قوى أساسية فقط، وتُكمل فريز: «لدينا الكهرومغناطيسية، لذلك يعرف الجميع عن الكهرباء والمغناطيسية، والجميع يعرف أيضًا القوة التي تجعلنا نسقط ونحرج أنفسنا وهي الجاذبية، أما القوتان المتبقيتين فهما أكثر غموضًا: فالقوة النووية القوية تربط البروتونات والنيوترونات معًا داخل نوى الذرات، في حين تساعد القوة النووية الضعيفة الذرات والجسيمات دون الذرية على التفكك عن طريق شكل من أشكال التحلل الإشعاعي».
إن تطوير إطار نظري واحد يجمع هذه القوى معًا من خلال وصفها بأنها مظاهر لقوة واحدة أكبر هو نسخة فيزيائية محددة من «كلّ شيء» في TOE.
يقول ديمتري نيكولايديس؛ عالم الفيزياء النظرية في جامعة بلومفيلد وصاحب كتاب «في بحث عن نظرية كل شيء: فلسفة الفيزياء»: «إذا تم الإثبات تجريبيًا من القدرة على توحيد القوى الأساسية الأربع، سيكون أمرًا مثيرًا للإعجاب وإنجازًا عظيمًا، لكنه سيظل بعيدًا عن نظرية لكلّ شيء قادرة على وصف حقيقة الكون، ولكن على أي حال علينا المحاولة».
لدى العلماء سبب وجيه للاعتقاد بقدرتهم على صياغة نظرية تصف «كلّ شيء» على الأقل «كلّ شيء» موجود بحدودها الحالية، ففي نهاية المطاف، لقد حدث بالفعل بعض التوحيد؛ فقد جمع الفيزيائي جيمس كليرك ماكسويل الضوء والكهرباء والمغناطيسية معًا منذ أكثر من 100 عام من خلال تعريفهم على أنهم سمات فردية للقوة الأكبر للكهرومغناطيسية.
كانت القوة الضعيفة آخر قوة انضمت إلى عائلة القوى الأربعة، بعد أن طور العلماء مسرعات الجسيمات عالية الطاقة. فداخل هذه الأجهزة، تتصادم الجسيمات بسرعة تقارب سرعة الضوء، وتقول فريز: «إن استكشاف الكون عند مستويات طاقة أعلى يكون أكثر كفاءة وفاعلية، الذي يوافق الذهاب إلى ماضي الكون».
كلما زادت طاقة الاصطدام، اقتربنا من تكرار ظروف درجة الحرارة العالية والكثافة الهائلة التي يُعتقد أنها سادت في اللحظات الأولى بعد الانفجار الأعظم.
عندما يصل العلماء إلى مثل هذه الحالات «الكونية الشابة» باستخدام مسرعات الجسيمات، فإنهم يرون أن الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة تعملان كقوة واحدة (القوة الكهروضعيفة)، ما يشير إلى أن هاتان القوتان كانتا قوة واحدة في بداية الكون.
تشك فريز في أن القوة النووية القوية ستنضم إليهما إذا تمكنت مسرعات الجسيمات من الوصول إلى طاقات عالية بما يكفي لمحاكاة نسخ كونية أكثر سخونة وأكثر قدمًا الذي ستظهر فيه الجسيمات التي تتوسط القوة النووية القوية، لكن من المؤكد أن فترة حياتنا الحالية لن تكون كافية لظهور تكنولوجيا مماثلة.
إن الجدال حول القوة الأخيرة التي تُعد الأضعف والتي هي الجاذبية هو مهمة أصعب بكثير، ويمكن إثبات أن الكهرومغناطيسية، وكذلك القوى النووية القوية والضعيفة، تتبع أساسًا القواعد الكمومية الغريبة ولكن القابلة للحساب. ولكن إن أفضل وصف للجاذبية في الوقت الحاضر هو النظرية النسبية العامة لأينشتاين التي تتعلق بالكون على نطاقات أكبر. ولا يتوافق هذان الإطاران جيدًا بعضهما مع بعض؛ إذ تملي ميكانيكا الكم والنسبية على نحو فعال قواعد منفصلة ومتناقضة للكون.
تتعامل نظرية الكم عادةً مع الكون في أجزاء صغيرة، أو كميات، في حين أن النسبية العامة ترى أن الكون مستمر حتى في أصغر المقاييس.
يقول نيكولايدس: «إن التحدي الأكبر في العثور على TOE هو العثور على نسخة كمومية ناجحة للجاذبية، أي الجمع بين قواعد نظرية الكم وقواعد نظرية النسبية العامة لأينشتاين أو العثور على قواعد جديدة بالكامل».
قبل أن يصل العلماء إلى نظرية الجاذبية الكمومية، فمن غير المرجح أن يحققوا نجاحًا كبيرًا في مهمة توحيد الجاذبية مع القوى الثلاثة الأخرى.
لكن كما هو الحال دائمًا، فإن واضعي النظريات لديهم بعض الأفكار التأملية؛ إحداها تُسمى الجاذبية الكمومية الحلقية التي تفترض أن الفضاء يتكون من قطع صغيرة غير قابلة للتجزئة، وبموجب هذه النظرية، سيصبح الزمكان نفسه كميًا، ما يسمح للعلماء فهم سلوك الزمكان عند مقاييس كبيرة من خلال عدسة كمومية.
هناك أيضًا نظرية الأوتار التي تصف الكون بأنه مصنوع من أوتار مهتزة فائقة الصغر (صغيرة على نحو لا يمكن تصوره)، وفي نسختها الحالية، تفترض وجود ما لا يقل عن 10 أبعاد.
في هذه النظرية، ستكون الأوتار المهتزة مسؤولة عن نشوء الغرافيتونات، وهي جسيمات صغيرة تعمل بموجب قوانين ميكانيكا الكم ولكنها تحمل قوة الجاذبية.
يقول كارلو روفيلي؛ أحد أبرز مؤيدي نظرية الجاذبية الكمية الحلقية، الذي يشغل منصب باحث زائر في المعهد بريمتر للفيزياء النظرية في أونتاريو: «لقد رفعت نظرية الأوتار الآمال في الثمانينيات».
لكنها ليست مرشحًا مناسبًا لتكون نظرية لكلّ شيء، من وجهة نظره؛ لأنها لا تتمتع بسجل حافل من النجاحات، ويضيف روفيلي: «فلم يتم تأكيدها وإثباتها حتى اليوم بعد نصف قرن».
(ولكن لكي نكون منصفين، فإن الجاذبية الكمومية الحلقية لم تقدم الكثير من الإنجازات ايضًا).
على الرغم من أن روفيلي يعمل على الجاذبية الكمومية، فإنه يظن أن البحث عن نظرية لكلّ شيء عقيم.
يقول روفيلي: «هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة التي نجهل إجابتها، وأظن أنه من الأكثر واقعية محاولة حلها واحدة تلو الأخرى بدلًا من تجربة نظرية واحدة لكلّ شيء، وأيضًا، «كلّ شيء» كثير للغاية، إن العالم معقد ومن الأفضل التعامل معه باستخدام أدوات نظرية متعددة».
هناك أيضًا وجهة نظر سوداوية إلى حد ما يتبناها نيكولايدس وآخرون، مفادها أن TOE (بتعريف أوسع حتى من تعريف الفيزيائيين لمثل هذه النظرية) يجب أن تكون موجودة في مكان ما، ولكن قد لا يجدها البشر أبدًا، وحتى لو فعلنا ذلك ووصلنا إليها، فإن «كلّ شيء» لن يكون كلّ شيء حقًا، ويقول: «يمكننا، على الأقل من ناحية المبدأ، معرفة سبب كلّ ظاهرة باستثناء ظاهرة واحدة، لم نتمكن من معرفة أو تفسير أكثر الظواهر إثارة للاهتمام: لماذا يوجد شيء بدلًا من لا شيء، لماذا توجد «طبيعة» في المقام الأول، أو «لماذا هذه الطبيعة مع هذه القوانين؟ لماذا لا يوجد نوع آخر؟» العلم لا يستطيع الإجابة عن ذلك».
مع ذلك، فإن العلماء سيستمرون بلا شك في محاولاتهم للسعي نحو التوحيد على أي حال. وتقول فريز: «النهج الذي اتبعه الفيزيائيون للتعامل مع الكون هو التبسيط ثم التبسيط ثم التبسيط، فمن خلال التأمل، نرى أن الرياح تفعل هذا والكرسي يفعل ذلك، وبإمكاننا وصف كلّ هذا بمعادلة واحدة، فإننا قد حققنا تقدمًا».
قد يتوقع الشخص ما سيفعله كلّ شيء آخر وبأقل تقدير، فإن ذلك قد أدى إلى العديد من التقدمات الرئيسية على مر العصور.
إذا نجح الفيزيائيون من صياغة نظرية لكل شيء قد تسفر عن اكتشافات قد تغير مسار التاريخ البشري، أو ربما لن ينتج عنها أي اكتشافات علمية كبيرة على الإطلاق، وستقدم فقط رؤى مبتكرة لمجالات وأنظمة تبتعد بدرجة كبيرة عن تجربة الإنسان، بحيث تصبح غير مهمة في الحياة اليومية للبشر جميعًا. وتظل الفيزيائية فريز مثلًا متفائلة قائلة: «ستتغير الأمور بالطريقة التي تفعلها الاكتشافات العظيمة دائمًا، لا تعرف ما ستكون عليه حتى تصل إلى هناك، وهذا بالتأكيد شيء لا تستطيع الفيزياء أن تتنبأ به».
اقرأ أيضًا:
الميكانيك الكمي والكلاسيكي تناقض!
نظرية كل شيء « نظرية M » شرح مبسط
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: غفران التميمي
مراجعة: هادية أحمد زكي