عند النظر إلى أصول الحياة وكل الشروط الضرورية والسابقة في مسار تطورنا الطويل والمتعرج، يبدو وجودنا محض صدفة ويكاد يكون معجزة. لكن نظرية جديدة ترفع احتمالات العثور على مخلوقات فضائية ذكية، وقد لا يكون البشر مميزين في الكون إطلاقًا.

لكي نصل في تطورنا إلى حالنا اليوم، كان لا بد من حدوث أشياء كثيرة يستحيل مع غيابها وجودنا، بدءًا من دوران كوكب مملوء بالمياه على مسافة معينة بعيدًا عن نجم بحجم معين، مرورًا بالخلايا الحية والحيوانات، حتى أن الأمر تطلب مشي السمكة على الأرض.

عزز نموذج الخطوات الصعبة لأصول البشرية هذه الفكرة طوال عقود، ما يشير إلى أن ظهور البشر غير محتمل إلى حد كبير، وذلك بالنظر إلى المدة التي استغرقها تطور البشر مقارنة بالخط الزمني الإجمالي للشمس والأرض.

ووفقًا لهذا النموذج، ينطبق هذا الاحتمال الشديد غير المعقول على جميع أنحاء الكون، وتطور أي حياة ذكية تشبه الإنسان سيكون بعيد المنال على أي كوكب. لكن نظرية مضادة جديدة قلبت هذه الفكرة رأسًا على عقب.

ففي فبراير 2025 نُشر بحث في مجلة Science Advances، ووفقًا له قد تكون الحياة الذكية على الأرض وخارجها أكثر شيوعًا مما اعتقدنا بالسابق. إذ تقدم دراسة المراجعة نقدًا مفصلًا لنموذج الخطوات الصعبة وطريقة بديلة لفهم سبب استغراق الأمر مليارات السنين لتطور الجنس البشري.

ووفقًا للإطار المقترح حديثًا، إذا انقرض البشر، قد يظهر شكل آخر من أشكال الحياة الذكية مكانهم بسهولة، ومن غير المرجح أن تكون البشرية وحدها في الكون دون وجود مخلوقات فضائية كما كنا نعتقد.

ومع إن هذه النظرية الجديدة ليست دليلًا مباشرًا على وجود مخلوقات فضائية، فقد قدمت طريقة دراسة مكان مخلوقات فضائية وزمان ظهورها وإمكانية وجودها أيضًا.

تقول جينيفر ماكالادي: «ربما لا يكون وجودنا صدفة تطورية. نحن نتيجة متوقعة لتطور كوكبنا، تمامًا مثل أي حياة ذكية أخرى موجودة هناك».

نموذج الخطوات الصعبة للتطور

لفهم النظرية الجديدة، من المهم أولًا فهم النظرية القديمة. وقد اقترح الفيزيائي براندون كارتر النسخة الأولى منها عام 1983، وفيها نظر إلى العمر المتوقع الإجمالي للشمس، ولاحظ أن البشر ظهروا على الأرض في النصف الأخير، مع بقاء بضعة مليارات من السنين فقط من ضوء الشمس وإمكانية الحياة.

فسَّر هذا بأن متوسط الوقت اللازم لتطور حياة شبيهة بالبشر على أي كوكب معين أطول بكثير من نافذة قابلية الحياة لمعظم الكواكب. والسبب وراء الوقت الطويل الذي استغرقه ظهور البشر هو لزوم حدوث تسلسل معين من الخطوات البيولوجية الصعبة ضئيلة الاحتمال يسمح بذلك.

في البداية اقتصر طرحه على خطوتين صعبتين هما: أصل الحمض النووي، والقفزة التطورية النهائية التي أتاحت الوصول إلى مستوى الذكاء البشري. وبنى العلماء اللاحقون على النموذج واقترحوا خطوات صعبة أخرى محتملة. وتُلخص المراجعة الجديدة هذه الخطوات وتركز على الخطوات الخمس الأكثر شيوعًا في الأبحاث السابقة، وهي: أصول الحياة، والتمثيل الضوئي، والكائنات حقيقيات النوى، والحيوانات متعددة الخلايا، والبشر.

وفقًا للتفكير بالخطوات الصعبة والسجل الحالي لتاريخ الأرض، حدثت كل من هذه الأشياء الخمسة مرة واحدة فقط، وتطلبت تغييرات جينية متعددة في نفس الوقت، وهي ضرورية لوجودنا، ما جعل البشر نتاجًا لكميات كبيرة من الحظ والصدفة.

منحدر زلق نحو الحياة الذكية

على النقيض من ذلك، يجد النموذج الجديد تفسيرات بديلة لسبب ظهور كل من هذه الأحداث النادرة، ما يفتح إمكانية أنها ليست مستبعدة. إذ ينظر النموذج إلى الحياة الذكية بوصفها نتيجة لحلقات التغذية الراجعة الكوكبية بين الجيولوجيا والبيولوجيا على الأرض، وفيها يصبح التغيير التالي لتغيير معين محتملًا أو حتى حتميًا.

وبحسب توضيح ماكالادي، يحدث تطور الحياة بالتزامن مع تطور كوكبنا، فلا يمكن فصلهما بالنتيجة. وباختصار، ربما تطورنا فور سماح المحيط الحيوي للأرض بذلك. وتقول:

«ما نقوله حقًا إن البشر وصلوا في الوقت المحدد فيما يتعلق بتطور نظام الأرض. وقد تتطور بعض المحيطات الحيوية خارج الأرض بسرعة أكبر من الأرض، نحن فقط لا نعرف ذلك».

تقترح ورقة المراجعة بضع أسباب تجعل ما يسمى بالخطوات الصعبة أقرب إلى مسار إجباري، إذ تشير بدايةً أن السجلات الأحفورية والجينية غير مكتملة للأسف ولا تلتقط بدقة كل ما تطور على الأرض. لذلك، فإن الأشياء التي افترض كارتر وآخرون أنها حدثت مرة واحدة فقط، ربما حدثت بالفعل مرات عديدة في تاريخ كوكبنا.

وتؤكد ماكالادي أيضًا أن التكرارات في التطور شائعة جدًا، إذ تقول:

«توجد أمثلة أكثر بكثير من أمثلة الخطوات الصعبة. الحياة مبتكرة وديناميكية بشكل لا يصدق»

فمثلًا، كان يُعتقد منذ فترة طويلة أن اكتساب الخلايا للبلاستيدات -أسلاف البلاستيدات الخضراء التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي- حدث فردي في البيولوجيا. لكن دراسة من عام 2005 أعادت التفكير في ذلك مشيرة إلى أن عملية مماثلة جدًا حدثت مرة أخرى في وقت أقرب في زمن التطور.

ووفقًا للإطار الجديد، قد يتفوق ابتكار تطوري في شجرة الحياة على العقد المماثلة الأخرى فور تأسيسه، فأي تغيير بيولوجي معين قد يغير البيئة بحيث يمنع حدوث تغييرات مماثلة مرة أخرى. إن احتمالية حدوث حدث تطوري واحد ليست مستقلة عن أي أحداث أخرى، وهذه الفكرة (أن الحياة على الأرض شكلت الأرض نفسها) هي المفتاح للنظرية الجديدة.

والمثال الأوضح على هذا هو عملية التمثيل الضوئي التي تتطلب بيئة كيميائية معينة للتطور. وبالتطور، غيرت هذه العملية الغلاف الجوي للأرض تغييرًا جذريًا، ما قضى على الظروف التي جعلتها ممكنة في البداية، وتعزز بذلك التطور المتوقع. يقول دانييل ميلز:

«استغرقت الحياة الذكية مليارات السنين لتتطور لأن النوافذ التي يمكن عبورها لتحقيق كل خطوة ضرورية كانت أصغر بكثير مما افترضه كارتر، ولم تظهر إلا في وقت متأخر جدًا في تاريخ الأرض».

ويشير إلى أن الحيوانات كانت مستحيلة الوجود حتى نحو 2 مليار سنة من عمر الأرض على أقرب تقدير، عندما ظهر الأكسجين أول مرة في الغلاف الجوي. وأضاف أن متطلبات الاستيطان البشري طويل الأمد لم تتحقق إلا منذ نحو 400 مليون سنة، أي بعد انقضاء 91% من تاريخ الأرض. أي أن كارتر افترض إمكانية تطور البشر في أي وقت، لكن هذا خطأ لأن الفترة الأطول من تاريخ الأرض، لم يكن الكوكب داعمًا لوجود البشر.

لم يكن ظهور البشر ضربة حظ بالضرورة بل ربما كان محتومًا بسبب سلسلة من الظروف الكوكبية والأحداث البيولوجية، فيها كل حدث يجعل الحدث التالي أكثر احتمالية. لكن الدراسة لا تثبت هذا الاحتمال، وإنما توفر مسارًا لبدء اختباره.

دليل على وجود مخلوقات فضائية

يشير كل من ماكالادي وميلز إلى الحاجة إلى الكثير من الدراسات العلمية الملموسة قبل أن نتحدث بثقة عن ندرتنا في الكون والتأكد من عدم وجود مخلوقات فضائية.

يمكن للملاحظات البيئية والتجارب المعملية التي تتحقق من متطلبات درجة الحموضة ودرجة الحرارة للكائنات الحية الدقيقة أن توضح الشكل الذي كانت الأرض بحاجة إلى أن تبدو عليه حتى تظهر هذه الأشكال من الحياة أولًا.

والتعمق في البروتينات والجينات القديمة قد يسلّط الضوء على الأنساب المفقودة، ويقدم علم الجيولوجيا المتقدم صورة أوضح للبيئات القديمة، وقد تساعد النمذجة المناخية على سد الفجوات.

ولتحديد أي النظريتين أكثر ترجيحًا (الخطوات الصعبة أو الخطوات غير الصعبة)، بوسعنا الاستمرار في النظر إلى ما هو أبعد من كوكبنا. فمع تحسن رصدنا للكواكب الخارجية، قد يقدم مسح أغلفتها الجوية بحثًا عن علامات الأكسجين إشارة قوية إلى أن مسارات تطورية مماثلة حدثت أكثر من مرة.

وقد تعزز النظرية الجديدة وحدها البحث عن مخلوقات فضائية وحياة خارج كوكب الأرض. لكن حتى لو لم يحدث ذلك، فإنها تقدم طريقة جديدة للتفكير في كوكبنا وأنفسنا.

يشير ميلز إلى أن بعض من يؤمنون بنظرية الخطوات الصعبة (مثل إيلون ماسك) يعدونها جزءًا كبيرًا من تبرير حاجة البشر إلى استعمار كواكب أخرى، لأننا ربما نكون الفرصة الوحيدة لحضارة معقدة في الكون. يقول ميلز: «هذا يضع الكثير من الضغوط علينا».

لكن إن لم نكن استثنائيين فإن المخاطر تتغير. إذا انقرضنا بأيدينا أو نتيجة ظروف خارجية، فقد يأتي بعد ذلك مجتمع آخر واعٍ بذاته ومتقدم تقنيًا. يقول ميلز: «سأجد ذلك مريحًا، أتمنى أن نصمد ونستمر، ولكنني سأكون سعيدًا إذا حصلت الأرض على فرصة أخرى».

اقرأ أيضًا:

الصمت العظيم؛ أربعة فقط من بين 10 آلاف مجرة قد تستضيف مخلوقات فضائية ذكية

هل نعيش وحدنا في هذا الكون؟ دراسة جديدة تشير إلى ندرة وجود المخلوقات الفضائية

ترجمة: لور عماد خليل

تدقيق: تمام طعمة

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر