قبل ما يزيد على 3700 سنة، قدر علماء الرياضيات البابليون نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، ونقشوا جوابهم المساوي 25/8 أو 3.125، كأول حساب تقريبي لثابت الدائرة «باي» على لوح طيني.
في وقتنا الحاضر، اقترب كارل-جونه هاستر -الفيزيائي الفلكي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا- من دقة الجواب السابق؛ ففي دراسة ظهرت على موقع arXiv.org سجل هاستر قيمة الثابت باي بما يساوي 3.115.
استطاع الباحثون حساب القيمة الحقيقية للثابت باي بدقة تصل إلى خمسين تريليون خانة عشرية مستعينين بالحواسيب العملاقة، وغالبًا قد تكون رأيت القيمة التي تبدأ بـ 3.141592653.
يعد تقدير هاستر متأخرًا بضعة آلاف من السنين في دقته، لكن هذا التأخير عديم الأهمية مقارنة بهدفه الأساسي وهو فحص نظرية النسبية العامة لأينشتاين التي تربط الجاذبية بديناميكا الزمكان.
تتضمن الموجات الثقالية العديد من المعلومات حول قوانين الفيزياء. على سبيل المثال، عندما تدخل أجسام هائلة مثل الثقوب السوداء في دوامة حول بعضها تنتج تموجات في نسيج الزمكان.
لاحظ هاستر -العضو بمرصد الموجات الثقالية بالتداخل الليزري «ليجو» للتعاون العلمي- ظهور الثابت باي في عدد من الحدود الرياضية بمعادلة تصف انتشار الموجات.
يقول إيمانويل بيرتي، الفيزيائي النظري بجامعة جونز هوبكنز الذي لم يشارك في الدراسة لكنه عضو في التعاون العلمي في مرصد ليجو: «ما قاله كارل ببساطة هو أن كل هذه المعاملات الرياضية بالمعادلة تعتمد على الثابت باي، فدعونا نغير قيمة الثابت ونرى إن كانت القياسات ما تزال تتوافق مع النسبية العامة».
أدرك هاستر أنه بالإمكان أن نعامل قيمة باي معاملة المتغير وليس كثابت رياضي. وبعد ذلك تحقق من المعادلة الخاصة بالموجات الثقالية مقارنة بالقياسات التجريبية التي حصل عليها مرصد ليجو.
يجب أن تُطابق نظرية أينشتاين القياسات فقط في حال استخدم هاستر قيمًا للثابت باي قريبة من الأرقام الحقيقة التي يُحصل عليها بطرق أخرى. إذا طابقت النسبية العامة قياسات ليجو عند استخدام قيم باي غير القريبة من العدد الحقيقي، فعندها يعتبر ذلك علامة على وجود عيوب جوهرية في النظرية.
بعد تجربة قيمٍ من -20 إلى 20، كان هاستر قد تحقق من أكثر من عشرين حدثًا موجيًا مراقبًا. وجد في النهاية أن العدد الذي طابق النظرية كان حوالي 3.115. لذا فإن وصفة أينشتاين -على الأقل حاليًا- تظهر بلا حاجة لأي تغيير.
يقول هاستر: «في عقلي على الأقل، أرى أن في هذه الدراسة خلطة جميلة من كونها مسلية ومذهلة وأيضًا منتجة لاختبار فعال وقوي لحدٍ ما لنظرية أينشتاين النسبية العامة».
يظهر الثابت باي في كل مكان ليس فقط في الدوائر بل في ذرة الهيدروجين أيضًا والطريقة التي تقع فيها الإبر على خطوط متوازية كما في تجربة إبرة بوفون. إن سبب ظهور عامل رياضي قيمته باي في معادلة الموجات الثقالية مثير قليلًا، لكن الأكثر إثارة هو تفاعل هذه الموجات مع بعضها.
يقول الفيزيائي بيرتي: «عندما تتحرك موجة ثقالية خارجًا فإنها تتداخل مع الانحناء في نسيج الزمكان بما يشمل الطاقة التي نتجت من موجات أخرى في الماضي».
عندما يرمي أحدهم أول حجر في بركة ماء هادئة، تنتج تموجات ناعمة عبر سطح البركة، وإذا رميت حجارة أخرى بعدها مباشرة، سيزول نمط الموجات الناعم بسبب ظاهرة تداخل الموجات الحاصلة بين أول موجة مع التموجات الجديدة القادمة من الثانية.
تعمل الموجات الجاذبية بشكل مماثل لكن باختلاف المحيط من الماء إلى الزمكان.
تحتوي المعادلة التي تصف هذا التأثير المتفاعل ذاتيًا على الثابت باي ضمن عدد من حدودها الرياضية.
في اختبار سابق لنظرية أينشتاين أُجري في مرصد ليجو في عام 2016، دُرست نتائج تغير قيم عدة حدود جبرية فرديًا عوضًا عن أخذ عامل مشترك مثل باي. رغم أن هذا المنهج ينجح في اختبار نظرية النسبية العامة، فقد أراد الفيزيائيون رؤية جميع العوامل تتغير معًا وذلك هو ما قدمه أسلوب هاستر بالضبط باستخدامه لباي.
تبقى هذه الاختبارات للنظرية بعيدة عن كونها حاسمة، وإحدى المشاكل هي اللا يقين النسبي بين أرقام هاستر: فتقديره لقيمة باي حاليًا يتراوح بين 3.027 و3.163.
تقليص الفارق بين القيمتين يتطلب مراقبة اندماج أجسام أقل وزنًا مثل النجوم النيوترونية التي تولّد موجات ثقالية تصمد وقتًا أكثر 300 مرة من الموجات المولّدة من تصادم ثقبين أسودين.
حاليًا توجد بيانات حول اندماج نجمين نيوترونيين فقط، لكن الأرقام والبيانات لن تتغير حتى يستأنف مرصد ليجو العمليات، لأنها متوقفة بسبب فيروس كورونا المستجد.
ليس الجميع قلقين حول جنون تقنية بحث وتتبع باي.
يقول كريس بيري، الفيزيائي الفلكي بجامعة نورثويسترن مازحًا: «يناقش الكثيرون فكرة أن يتم تغير “يوم باي، الرابع عشر من مارس” إلى “أسبوعي باي، من الثاني إلى الخامس عشر من مارس” لتفسير الريبة الحالية في الحسابات التجريبية».
من المرجع أن يرفع هذا الاقتراح عدد الفطائر التي يستهلكها الفيزيائيون الذين يحبون رقم باي.
اقرأ أيضًا:
أينشتاين و نظرية النسبية العامة
ترجمة: محمد لؤي الحليمي
تدقيق: جعفر الجزيري