عندما ننظر إلى البيئة المحيطة بنا يبدو أننا نعيش على سطح مستوٍ، بفضل هذا التصور نستطيع التنقل داخل مدينة جديدة باستخدام خارطة، أي قطعة ورقية مسطحة -ثنائية الأبعاد- تعبّر عن كل الأماكن حولنا.

آمن بعض الناس في الماضي بأن الأرض مسطحة لهذا السبب، لكن يعلم معظمنا الآن أن هذا بعيد جدًا عن الحقيقة، إذ نعيش على سطح كرة عملاقة لها بعض النتوءات، كل من سطح الكرة والسطح المستوي فضاء ثنائي الأبعاد، أي إن بوسعنا المشي في أي اتجاه: الشمال والجنوب والشرق والغرب، لكن ما الفضاءات الأخرى المحتملة التي ربما نعيش فيها؟ أو ما الفضاءات ثنائية الأبعاد الأخرى حولنا؟

هنا يأتي دور مجال الطبولوجيا الهندسية، إذ يدرس علماء الرياضيات كل الفضاءات الممكنة في كل الأبعاد، ومصطلحات هذا المجال وأفكاره واسعة الانتشار في شتى المجالات، من تصميم شبكة استشعار آمنة، إلى تنقيب البيانات، أو نشر الأقمار الصناعية.

شكل الكون:

عندما نستكشف الكون الذي نعيش فيه، يبدو مثل فضاء ثلاثي الأبعاد، تمامًا كما يبدو سطح الأرض ثنائي الأبعاد. لكن إذا نظرنا إلى الكون إجمالًا، سيكون فضاءً أكثر تعقيدًا وغرابة من نسخة عملاقة ثلاثية الأبعاد.

في حين لا نحتاج إلى الطبولوجيا للتفريق بين سطح الكرة الأرضية وسطح كرة الشاطئ، فإن معرفة كل الفضاءات ثنائية الأبعاد مفيدة جدًا، منذ أكثر من قرن مضى أدرك علماء الرياضيات كل الفضاءات ثنائية الأبعاد الممكنة والكثير من خصائصها.

منذ مطلع الألفية تعلم علماء الرياضيات الكثير عن كل الفضاءات ثلاثية الأبعاد المحتملة، وبتنا نعرف الكثير مع إننا لا نملك فهمًا كاملًا لها كما في حالة الفضاءات ثنائية الأبعاد، مع هذه المعرفة يستطيع الفيزيائيون والفلكيون محاولة تحديد الفضاء ثلاثي الأبعاد الذي نعيش فيه.

لا يُعرف الجواب بالكامل وتوجد الكثير من الاحتمالات المثيرة للاهتمام والمفاجئة، وتُصبح الخيارات أعقد إذا أخذنا في الحسبان الزمن بوصفه بُعدًا. إذ نلاحظ أن محاولتنا لوصف موقع شيء في الفضاء -مذنب مثلًا- تتطلب أربعة أرقام: ثلاثة تصف موقعه وواحد يصف زمن وجوده في هذا الموقع. بهذا نستطيع النظر في الفضاءات رباعية الأبعاد الممكنة وفي أي منها نعيش.

الطبولوجيا في الأبعاد العليا:

في هذه المرحلة، لا يوجد سبب للنظر في فضاءات ذات أبعاد أكثر من أربعة، فذلك هو أكبر عدد من الأبعاد قابل للتخيل يصف كوننا، لكن فرعًا في الفيزياء يسمى نظرية الأوتار يقترح أن للكون مزيدًا من الأبعاد.

توجد تطبيقات عملية للتفكير في فضاءات ذات أبعاد عليا، مثل التخطيط لحركة روبوت. لو افترضنا محاولة فهم حركة ثلاثة روبوتات تتحرك ضمن أرضية مستودع، بوسعنا وضع شبكة على الأرض تصف موقع كل روبوت بواسطة إحداثيات على الشبكة. لمّا كان كل من الروبوتات الثلاثة يتطلب إحداثيين اثنين، فنحتاج إلى ستة أرقام لوصف كل المواقع الممكنة للروبوتات. على هذا بوسعنا النظر إلى المواقع الممكنة للروبوتات بأنها فضاء سداسي الأبعاد.

تنطبق مسألة الفضاءات ذات الأبعاد العليا على أمثلة أخرى، من نمذجة حركة الكواكب والمركبات الفضائية إلى محاولة فهم شكل مجموعات البيانات الكبيرة.

عُقد مرتبطة:

يدرس الطوبولوجيون مسألة من نوع آخر: كيف يمكن لفضاء أن يستقر داخل آخر؟ إذا أمسكت مثلًا حلقة خيط معقودة، يصبح لديك فضاء أحادي الأبعاد -حلقة الخيط- داخل فضاء ثلاثي الأبعاد، غرفتك.

تُسمى هذه الحلقات: العُقد الرياضية. نمت دراسة العُقد بفضل الفيزياء أولًا، وسرعان ما أصبحت محور الطوبولوجيا، فهي ضرورية لكيفية فهم الفضاءات ثلاثية ورباعية الأبعاد، للحصول على بُنى متقنة ما زال الباحثون يحاولون فهمها. للعُقد تطبيقات كثيرة أخرى، مثل نظرية الأوتار في الفيزياء، أو تخليق الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين في علم الأحياء، أو عدم التناظر في الكيمياء.

في أي شكل نعيش؟

الطوبولوجيا الهندسية موضوع جميل ومعقد، وما زلنا نملك أسئلة لا حصر لها عن الفضاءات تحتاج إلى إجابات.

مثلًا، ما أبسط فضاء رباعي الأبعاد مغلق؟ كيف ترتبط العقد في الفضاءات ثلاثية الأبعاد بالأسطح في الفضاءات رباعية الأبعاد؟

الطبولوجيا مفيدة حاليًا في العلم والهندسة. الكشف عن ألغاز الفضاءات في كل الأبعاد سيكون قيّمًا جدًا لفهم العالم الذي نعيش فيه ولحل مسائل العالم الحقيقي.

اقرأ أيضًا:

ما مدى احتمالية أننا نعيش في كون ثنائي الأبعاد فقط؟

إن كانت الأبعاد الإضافيّة موجودة فعلًا، فعليها أن تكون صغيرة للغاية

ترجمة: وليد محمد عبد المنعم

تدقيق: محمد حسان عجك

المصدر