نظرية الألعاب: هي هيكل نظري لفهم مواقف اجتماعية بين لاعبين متنافسين. بمفهوم آخر، نظرية الألعاب: هي علم الاستراتيجية، أو على الأقل هي عملية اتخاذ القرار الأمثل من أشخاص مستقلين ومتنافسين على أسس استراتيجية.
الرواد الأساسيون لنظرية الألعاب هما عالما الرياضيات: «جون فون نيومان»، و«جون ناش»، بالإضافة إلى الاقتصادي «أوسكار مورجنسن».
حجر أساس:
يُفترض من اللاعبين داخل اللعبة أن يكونوا عقلانيين وأن يسعوا لتعظيم مكافآتهم.
أساسيات نظرية الألعاب:
تركز نظرية الألعاب على اللعبة التي تُعد نموذجًا لموقف تفاعلي بين لاعبين عقلانيين. تُعد مكافأة أحد اللاعبين مشروطة بتنفيذ استراتيجية لاعب آخر مفتاح نظرية الألعاب.
تحدِّد أو تعرِّف اللعبة هويات اللاعبين وتفضيلاتهم والاستراتيجيات المتاحة. وكيف تؤثر هذه الاستراتيجيات على العوائد.
طبقًا للنموذج، توجد متطلبات، أو افتراضات عدة ربما تكون ضروريةً. تشمل نظرية الألعاب نطاقًا تطبيقيًا واسعًا مثل: علم النفس وعلم الأحياء التطوري والحرب والسياسة والاقتصاد وإدارة الأعمال.
على الرغم من المميزات الكثيرة، ما تزال نظرية الألعاب علمًا شابًّا متطورًا.
لمحة سريعة:
طبقًا لنظرية الألعاب، تؤثر الأفعال والخيارات الخاصة باللاعبين في عائداتهم.
تعريفات نظرية الألعاب:
في أي لحظة، عندما يكون لدينا موقف ما، يشمل لاعبَين أو أكثر يتضمن آثارًا ونتائج قابلة للقياس، يمكن حينها استخدام نظرية الألعاب للمساعدة في تحديد احتمالية النتائج.
لنبدأ بتعريف بعض المصطلحات الشائعة في دراسة نظرية الألعاب.
اللعبة: مجموعة من الملابسات تؤدي إلى نتائج أو أفعال يفتعلها اثنان أو أكثر من متخذي القرار (اللاعبين).
اللاعبون: متخذو القرار الاستراتيجي داخل اللعبة.
الاستراتيجية: خطة متكاملة للّاعب، تأخذ في الاعتبار الملابسات التي قد تظهر داخل اللعبة.
المكافأة: التعويض الذي يناله اللاعب بمجرد وصوله إلى نتائج محددة. (يمكن أن تقاس المكافأة بشكل كمي، بدءًا من الدولارات إلى منفعة ما يجنيها اللاعب).
هيكل المعلومات: المعلومات المتوافرة عند نقطة معينة في اللعبة. (المصطلح «هيكل المعلومات» غالبًا ما يظهر عندما يكون للعبة مكوِّن تسلسلي).
التوازن: هو نقطة في اللعبة يكون عندها اللاعبان قد اتخذا قراريهما وظهرت نتائج تلك القرارات.
توازن ناش: هو نقطة عندها تظهر نتائج قرارات اللاعبين، ولا يمكن زيادة المكافأة بتغيير القرار من جانب واحد.
يمكن التفكير في هذه النقطة بأنها نقطة «عدم الندم». بمعنى أنه بمجرد اتخاذ القرار، لن يساور الندم اللاعب بخصوص ذلك القرار وأثره في نتائج اللعبة.
يمكن الوصول إلى توازن ناش بمرور الوقت في أغلب الأحوال، ومع ذلك، فبمجرد الوصول إلى توازن ناش، لا يمكن الانحراف عنه.
بعدما فهمنا توازن ناش، لنلقِ نظرة على كيفية تأثير القرار أحادي الجانب في الموقف. هل يعني ذلك شيئًا؟
لا، لا يجب أن يعني شيئًا، لذا يوصف توازن ناش بأنه نقطة عدم الندم.
بشكل عام، يمكن أن تحدث أكثر من نقطة توازن في اللعبة، وهذا ما يحدث في الألعاب الأكثر تعقيدًا من لعبة ذات خيارين ولاعبَين.
في الألعاب المتزامنة أو المتسلسلة، يمكن الوصول إلى واحد من هذه التوازنات عن طريق المحاولة والخطأ. يطبَّق هذا السيناريو للخيارات المختلفة قبل الوصول إلى التوازن أكثر في عالم الأعمال. مثال على ذلك، عندما تحدد شركتان أسعار منتجات شديدة القابلية للاستبدال مثل النقل الجوي والمشروبات غير الكحولية.
أثر النظرية في الاقتصاد والأعمال:
حققت نظرية الألعاب ما يشبه الثورة في علم الاقتصاد، وذلك بمعالجة مشاكل حاسمة في نماذج الاقتصاد الرياضي. على سبيل المثال، كافح اقتصاد المدرسة الكلاسكية الحديثة لفهم ترقب المشاريع وكيف لا تستطيع التعامل مع المنافسة غير الحرة.
لقد حولت نظرية الألعاب الانتباه من التوازن الثابت، إلى عمليات السوق.
في إدارة الأعمال، تُعد نظرية الألعاب مكسبًا لنمذجة السلوك التنافسي بين الوكلاء الاقتصاديين. يملك عالم الأعمال عادةً خيارات استراتيجية ربما تؤثر على القدرة على تحقيق المكاسب الاقتصادية. على سبيل المثال، مواجهة الأعمال لمأزق التخلي عن منتج موجود وتطوير منتج جديد، وانخفاض الأسعار مقارنةً بالمنافسة، وتبني استراتيجيات تسويقية جديدة.
عادةً ما يستخدم الاقتصاديون نظرية الألعاب لفهم سلوك الشركات المحتكرة؛ إذ تساعد على التنبؤ بالنتائج المحتملة عند تثبيت هذه الشركات للأسعار وعمليات التواطؤ.
لمحة سريعة:
مُنح عشرون من منظري نظرية الألعاب جائزة نوبل التذكارية في علم الاقتصاد عن مشاركاتهم.
أنواع نظرية الألعاب:
بالرغم من وجود عدد من الأشكال لنظريات الألعاب مثل المتماثل وغير المتماثل والمتزامن والمتتابع.. إلخ، يشيع شكلان أكثر من غيرهما، وهما نظريتا الألعاب المتعوانة وغير المتعاونة.
نظرية الألعاب المتعاونة:
تتعامل مع التحالفات أو المجموعات المتعاونة، فقط عندما تكون المكافأة معروفة. وتدور هذه اللعبة بين تحالفات من اللاعبين أكثر من كونها لعبة بين لاعبين (أفراد). السؤال هنا هو كيف تتشكل المجموعات؟ وكيف توزع المكافأة بين لاعبيها؟.
نظرية الألعاب غير المتعاونة:
تهتم بكيفية تعامل وكلاء اقتصاديين مع بعضهم البعض لتحقيق أهدافهم الخاصة. والمثال الأشهر للألعاب غير المتعاونة هو الألعاب الاستراتيجية، إذ تُعرف كل من الاستراتيجيات المتاحة والنتائج الناجمة عن توليفة من الخيارات مسبقًا. أبسط الأمثلة من العالم الحقيقي للألعاب غير المتعاونة، لعبة حجرة ورقة مقص.
أمثلة على نظرية الألعاب:
لقد حللت النظرية الكثير من الألعاب، فيما يلي وصف مختصر لبعض منها.
معضلة السجين:
هي أكثر مثال معروف لنظرية الألعاب. لنفترض أن مجرمين اثنين قُبض عليهما لارتكابهما جرمًا ما، وأن الادعاء العام لا يملك دليلًا قويًا بما يكفي لإدانتهما.
للحصول على اعتراف، عزل المسؤولون المجرمَين في زنزانتين انفراديتين، وسئل كلاهما على انفراد، علمًا بانعدام التواصل بينهما.
قدم المسؤولون أربع صفقات غالبًا ما تقدم بشكل صندوقين في صندوقين.
- إذا اعترف كلاهما، فسينالان عقوبة الحبس لخمس سنوات.
- إذا اعترف السجين الأول بينما لم يعترف الثاني، فسيعاقب الأول بثلاث سنوات، بينما يعاقب الثاني بتسع.
- إذا اعترف الثاني ولم يعترف الأول، سينال الأول عشر سنوات، بينما الثاني سيعاقب بسنتين.
- إذا لم يعترف الاثنان، سينال كل منهما سنتين في السجن.
الاستراتيجية المثلى هي ألا يعترفا، لكن لا أحد منهما لديه علم باستراتيجية الآخر، ومن غير المؤكد لديهما أن أحدهما لن يعترف؛ لذا يُحتمل أن يعترف كلاهما، فينال كل منهما خمس سنوات في السجن.
يقترح توازن ناش في معضلة السجين أن كلا اللاعبين سيتخذان القرار الأفضل فرديًا والأسوأ لكليهما.
يُعرف مصطلح العين بالعين بأنه الاستراتيجية الأمثل لمعضلة السجين. العين بالعين مصطلح قدمه «اناتون رابوبورت» الذي طور استراتيجية يرى فيها أن كل مشارك في معضلة السجين يتبع في دوره سلسلة من الأفعال الثابتة تجاه الدور السابق لخصمه. مثلًا، إذا استُفز لاعب، فإنه يستجيب بفعل انتقامي، أما إن لم يُستفز، يتعاون.
لعبة الديكتاتور:
هي لعبة بسيطة يتعين فيها على اللاعب «أ» أن يتقاسم جائزةً نقديةً مع اللاعب «ب» الذي ليس له أي دور في قرار اللاعب «أ». بالرغم من أنها ليست استراتيجية في حد ذاتها لنظرية الألعاب، تثبت بعض الرؤى المثيرة لسلوك الناس.
كشفت التجربة عن أن خمسين بالمئة من المشاركين احتفظوا بالنقود كلها لأنفسهم، وخمسة بالمئة تقاسموها مناصفةً مع الشركاء. وخمسة وأربعين بالمئة أعطوا المشارك الآخر قسمًا أصغر.
لعبة الديكتاتور مرتبطة بشكل وثيق بلعبة أخرى تُسمی لعبة «الإنذار»، وفيها يُمنح اللاعب «أ» مبلغًا من المال، وعليه أن يمنح جزءًا منه للّاعب «ب»، الذي يمكنه أن يقبل أو يرفض ما مُنح له. الفخ هنا هو أن اللاعب «ب» إذا رفض ما مُنح له، فلن يحصل أي من «أ» و«ب» على شيء.
لعبتا الديكتاتور والإنذار تحملان دروسًا مهمة لمسائل مثل المنح الخيرية وأعمال الإحسان.
معضلة المتطوع:
في هذه الحالة، يجب على شخص ما أن يتعهد بتنفيذ مهمة للصالح العام، وتكون أسوأ النتائج المحتملة ألا يتطوع أحد. مثال على ذلك: لنفرض أن شركة ما تعاني من احتيال محاسبي متفشٍ دون علم الإدارة العليا، ومن ناحية أخرى، يعلم بعض صغار موظفي قسم المحاسبة بهذا الاحتيال، ولكنهم مترددون في إبلاغ الإدارة العليا؛ لأن نتيجة هذا الإبلاغ قد تعرِّض الموظفين المتورطين في الاحتيال إلى الملاحقة القانونية، إضافةً إلى نعت هؤلاء المُبلغين بالوشاة، ما قد يؤدي إلى بعض التداعيات، ولكن، على الجانب الآخر، إذا لم يتطوع أحد، فقد يؤدي الاحتيال وسيع المدى بالشركة إلى الإفلاس، ثم يفقد الجميع وظائفهم.
لعبة الحريش «أم أربع وأربعين»:
شكل موسع للّعبة في نظرية الألعاب، وفيها يتبادل اللاعبان فرصةً للحصول على حصة أكبر من خبيئة مالية متزايدة ببطء.
تصمَّم اللعبة كالتالي: إذا مرر اللاعب الخبيئة إلى منافسه (الذي يأخذها بدوره)، يحصل اللاعب على كمية أقل من المال فيما لو أخذ الوعاء.
يُستنتج من لعبة الحريش أنه بمجرد حصول اللاعب على الخبيئة، فإنه يحصل على حصة أكبر من المال، بينما يحصل اللاعب الآخر على حصة أقل. واللعبة لديها عدد محدد مسبقًا من الأدوار ، وهو ما يعرفه سلفًا كلا اللاعبين.
حدود نظرية الألعاب:
تشبه أكبر المشاكل المتعلقة بنظرية الألعاب مشاكل معظم النماذج الاقتصادية، إذ تعتمد على الافتراض القائل إن الأشخاص عقلانيون مهتمون بذواتهم ميالون لتعظيم المنفعة.
بالطبع نحن كائنات اجتماعية متعاونة تهتم برفاهية الآخرين -غالبًا- على حساب أنفسنا.
لا تستطيع نظرية الألعاب الاعتماد على كوننا نميل إلى توازن ناش في بعض الأوقات ولا نفعل في أوقات أخرى؛ وذلك بناءً على السياق الاجتماعي للاعبين وهوياتهم.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: أحمد السقا
تدقيق: عون حداد
مراجعة: تسنيم الطيبي