يُعد ألبرت آينشتاين من أعظم ما أنجبت البشرية ذكاءً وعبقريةً، على الرغم من أنه لم يكن مخترعًا مثل توماس إديسون أو نيكولا تيسلا، إلا أن نظرياته الفيزيائية ما زالت تؤثر في عالمنا حتى اليوم.
قضى آينشتاين معظم حياته باحثًا في نظريات النسبية، ومحقّقًا في مفاهيم المكان والزمان والمادة والطاقة.
في هذا المقال سنعرض عليكم أهم نظريات وإنجازات هذا العالم والمفكر الفّذ.
1- النظرية الكمية للضوء:
طرح آينشتاين فكرة ثورية في وقته، إذ اقترح أن الضوء يتكون من حزم صغيرة جدًا من الطاقة تُسمّى الفوتونات، وأضاف أن هذه الفوتونات تمتلك خاصيتين: خاصية الجُسيم وخاصية الموجة. فضلًا عن ذلك، اجتهد هذا العبقري في مراقبة سلوك الإلكترونات وهي تنبعث من المعادن بعد تعريضها لضربات كهربائية كبيرة، مثل البرق، ومن هنا توسّع في مفهوم التأثير الكهروضوئي، والذي سنتطرق إليه لاحقًا في هذه المقالة.
2- النظرية النسبية الخاصة:
ألبرت آينشتاين حوالي عام 1905، وهو العام الذي نُشر فيه أوراق Annus Mirabilis
أثناء أبحاثه بدأ آينشتاين يلاحظ بعض الحالات من عدم التوافق بين نظريات ميكانيكا نيوتن ومفهوم المغناطيسية، خاصةً معادلات ماكسويل، وهو ما دفعه لطرح ورقة علمية نُشرت في سبتمبر 1905 يقترح فيها مفهومًا مغايرًا للنظر في سلوك وميكانيكا الأجسام المتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء. هذا المفهوم غيّر نظرتنا للفيزياء آنذاك وأصبح يُعرف لاحقًا بنظرية آينشتاين للنسبية الخاصة.
تقترح النسبية الخاصة أنه بإمكان شخصين مختلفين مشاهدة نفس الحدث في وقتين مختلفين، شرط أن يكونا في حركة منتظمة. قد يبدو هذا التعريف معقدًا لفهم النظرية النسبية الخاصة، لذا سنحاول أن نفكّكها بمثال بسيط.
بدأ آينشتاين في وضع نظريته من فكرة أن الضوء ينتقل دائمًا بسرعة ثابتة، 300 ألف كلم في الساعة، ثم أخذ يتكهن بتأثير ذلك، إن صحّ، حول مفاهيمنا للزمان والمكان.
تخيّل معي الآن أنّ هناك مراقبًا يقف على جسر للسكك الحديدية أثناء مرور قطار، وأن طرفي هذا القطار ضُربا بصاعقتي برق في اللحظة التي يمر بها منتصف القطار بالمراقب، ونظرًا لأن ضربات البرق وقعت على بُعد نفس المسافة من المراقب، فإن ضوءها سيصل إلى عينيه في نفس الوقت، ومنه سيستنتج المراقب أن الضربتين وقعتا في آن واحد.
تخيّل أن هناك مراقبًا آخر داخل هذا القطار ويجلس في منتصفه بالضبط، ولأن القطار يتحرك إلى الأمام، فإن الضوء الصادر عن البرق في مؤخرة القطار يجب أن يسافر لمسافة أبعد مقارنة بالضوء القادم من المقدمة، الذي سيصل هذا المراقب متقدمًا عن ضوء المؤخرة، وسيستنج هذا الراكب أن صاعقة البرق التي ضربت مقدمة القطار وقعت أولًا. المثير في الأمر أن استنتاج المراقب داخل القطار واستنتاج الذي يراقب خارجه صحيحان.
أوضح آينشتاين أن الزمان والمكان مرتبطان ويؤثران في بعضهما، فيما يُعرف الآن بمصطلح الزمكان، وأن كليهما مفهومان نسبيان متعلقان بسرعة الضوء.
3- عدد أفوجادرو:
قد يبدو هذا العدد غير مألوف لدى الكثير، لكنه ليس غريبًا على أي طالب نجح في اجتياز مادة الكيمياء في المدرسة الثانوية، وهو أحد الثوابت المستخدمة في الكيمياء والفيزياء، وسُمّي بهذا الإسم نسبة إلى العالم الذي أوجده (أفوجادرو).
أثبت آينشتاين وجود الذرات بينما كان يعمل على تطوير نموذجه الرياضي لشرح الحركة البراونية- الحركة العشوائية لجسيمات الموائع (الغازات والسوائل)، ومن هذا المنطلق وضع الأساس لحساب عدد أفوجادرو، أي عدد الذرات في مول واحد من جزيء أو عنصر.
اقترح آينشتاين في بحثه في الحركة البراونية وجود جسيمات صغيرة لا يمكن تمييزها، وهو ما أثبت لاحقًا من قبل جان بيرين، الذي أجرى تجارب باستخدام مجهر عالي الدقة للتحقق من نموذج آينشتاين الرياضي. سمح هذا لبيرين بحساب عدد أفوجادرو وإثبات وجود الذرات، وحصل بذلك على جائزة نوبل في عام 1926.
4- تكاثف بوز-آينشتاين (Bose-Einstein Condensate):
في العام 1924 استلم آينشتاين ورقة من الفيزيائي الهندي ساتيندرا ناث بوز يفترض فيها أن فوتونات الضوء يمكن أن تُعدّ جزيئات غاز. أُعجب آينشتاين بنظرية بوز وعمّمها على غاز مثالي يتكوّن من ذرات أو جزيئات متطابقة.
عمل آينشتاين مع بوز لتوسيع هذه الفكرة لتشمل الذرات، ما أدى إلى التنبؤ بحالة جديدة من المادة: تكاثف بوز-آينشتاين. وقد أُنتجت أول عينة لهذه الحالة في عام 1995.
توقع آينشتاين كذلك أنه في درجات حرارة منخفضة جدّا، ستتكتّل الجسيمات معًا لتتخذ حالة كمومية في أدنى مستوى من الطاقة. هذه الظاهرة تسمى تكاثف بوز-آينشتاين، وتصف سلوك مجموعة من الذرات المُبرّدة إلى ما يقارب الصفر المطلق (273.15 درجة مئوية تحت الصفر تقريبًا). عندما تصل الذرات إلى درجة الحرارة هذه، فإنها بالكاد تتحرك وتبدأ في التكتل معًا والدخول في نفس حالات الطاقة أي أنها تُصبح متطابقة، ومن وجهة نظر فيزيائية، تتصرف مجموعة الذرات في تلك الظروف كما لو أنها ذرة واحدة.
نحن نعلم الآن أن هذا التكاثف يحدث فقط لـ “البوزونات”، أي الجسيمات التي تمتلك لفًا مغزليًا كميًا بقيم صحيحة، مثل: (0، +1، -1، +2، -2).
5- النظرية النسبية العامة:
في عام 1916، نشر آينشتاين نظرية النسبية العامة، وهي تعميم لمفاهيم النسبية الخاصة وقانون الجذب العام لنيوتن، وتصف الجاذبية كخاصية للمكان والزمان. ساهمت هذه النظرية في فهمنا لبنية الكون على نطاق واسع.
يمكن تفسير نظرية النسبية العامة على النحو التالي:
تمكّن نيوتن من تحديد قيمة الجاذبية بين جسمين على أنها قوة تجاذب بين جسمين، بغض النظر عن مدى كتلتهما أو المسافة التي تفصلهما. أما آينشتاين فاستنتج أن قوانين الفيزياء لا تتغير لجميع المراقبين غير المتسارعين، وأن سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن السرعة التي يسافر بها المراقب. ووجد أن المكان والزمان متشابكان وأن الأحداث التي تحدث في وقت واحد لأحد المراقبين يمكن أن تحدث في وقت مختلف لمراقب آخر. أدى هذا إلى نظريته القائلة بأن الأجسام الضخمة في الفضاء يمكن أن تشوه نسيج الزمكان.
ساعدت تنبؤات آينشتاين الفيزيائيين المعاصرين على دراسة وفهم الثقوب السوداء وعدسات الجاذبية.
6- التأثير الكهروضوئي (Photoelectric Effect):
تناقش نظرية آينشتاين للتأثير الكهروضوئي انبعاثات الإلكترونات من سطح المعدن عندما يُسلّط الضوء عليه. لاحظ العلماء هذه الظاهرة لكنهم لم يتمكنوا من تفسيرها وفق نظرية ماكسويل الموجية للضوء.
ساهمت نظرية آينشتاين عن أن الضوء حزمٌ منفصلة من الطاقة تُسمىّ الفوتونات في حل لغز ظاهرة التأثير الكهروضوئي، إذ اقترح انبعاث الإلكترونات من الأجسام الصلبة إثر سقوط الضوء عليها، سمّاها الإلكترونات الضوئية (Photoelectrons).
شكّل هذا النموذج أساسًا لكيفية عمل الخلايا الشمسية- فالضوء يدفع الذرات لإطلاق الإلكترونات التي تولّد تيارًا ينتج عنه توليد الكهرباء.
7- ثنائية الموجة والجسيم (Wave-Particle Duality):
كان عمل ألبرت آينشتاين في تطوير نظرية الكم من أكثر أعماله تأثيرًا على الإطلاق. فخلال حياته المهنية المبكرة، استمرّ آينشتاين في التأكيد على أن الضوء يجب أن يُعامل بمثابة موجة وجسيم. بمعنى آخر، يمكن للفوتونات أن تتصرف كجسيمات وكموجات في نفس الوقت، وهذا ما أصبح يُعرف لاحقا باسم ثنائية الموجة والجسيم.
نُقل عنه قوله في هذا الصدد:«إننا نواجه نوعًا جديدًا من الصعوبة؛ لدينا صورتان متناقضتان عن الواقع، كلتاهما على حدة لا تشرح بتمام ظاهرة الضوء، لكنهما معًا يفعلان».
خاتمة:
ساهمت أعمال آينشتاين في إلهام الكثير من العلماء الذين جاءوا بعده، كما كان لها تأثير كبير في مجالات عدّة، مثل ميكانيكا الكم الحديثة، ومفهوم الزمن المادي، والضوء، والألواح الشمسية، وحتى الكيمياء الحديثة.
ما جعل آينشتاين عظيمًا في نظر الكثير هو فضوله غير المحدود وميله لاستجواب العالم من حوله بلا هوادة أو قيود، لذا فمن المهم جدًا لنا ألا نتوقف عن طرح الأسئلة، لأن «الفضول يحمل أسباب وجوده معه»، كما قال آينشتاين الذي ترك بصمة فريدة وإنجازات غيّرت جذريًا فهمنا للفيزياء بالصورة التي نعرفها اليوم.
اقرأ أيضًا:
ما هي ميكانيكا الكم ؟ تفسير ميكانيكا الكم وتبسيطها
ترجمة: رضوان بوجريدة
تدقيق: جعفر الجزيري