بدأت السيطرة على جائحة كوفيد-19 مع إطلاق حملة اللقاحات مؤخرًا. ويتطلب تسارع عملية التلقيح توافقًا مع عملية الإنتاج والتوزيع للقاحات. أعلنت شركة AstraZeneca أن لقاحها المطور مع جامعة أكسفورد سينتج ملياري جرعة مما سيساعد بدوره الدول النامية.
سيتطلب ذلك وقتًا طويلًا وملحوظًا حتى ينتشر التلقيح الجماعي في كل مكان في العالم، في المقابل فموقف الحكومات الآن أفضل للتخطيط للانتعاش الاقتصادي.
ستكون هناك حاجة إلى الإنفاق الحكومي لتقليل خطر حدوث ضرر دائم للاقتصاد من صدمة هذا الوباء العالمي، الذي تسبب في انكماش الناتج المحلي الإجمالي والذي لا مثيل له في التاريخ الحديث عند أغلب الاقتصاديات.
يقدر صندوق النقد الدولي (IMF) أن الناتج القومي بالنسبة للاقتصاديات المتقدمة والناشئة سينكمش بنحو %6 في عام 2020، باستثناء الصين إذ يتوقع له بالنمو. لكن سرعة التعافي مختلفة كثيرًا. يقدر الناتج القومي الإجمالي بالنسبة للاقتصاديات المتقدمة أن يكون كبيرًا بنسبة -4.7٪ قبل مستوى ما قبل الجائحة في عام 2019. أما بالنسبة للاقتصاديات الناشئة، باستثناء الصين، ستكون خسارة الإنتاج مدهشة بنسبة -8.1٪.
تشير سياسات البنك المركزي إلى تعافٍ طويل الأمد أيضًا. وأشار المجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه سيبقي أسعار الفائدة في أدنى مستوياتها لغاية نهاية عام 2023 كحد أدنى.
أطال البنك المركزي الأوروبي برنامج الشراء الطارئ للوباء لغاية آذار 2022 مع إعادة استثمار عائداته، أي الاستمرار بضخ النقد، حتى نهاية عام 2023 على الأقل.
يشير كلا البنكين المركزيين إلى دعمهما للاقتصاديات من خلال سياسة نقدية متحررة للسنوات الثلاث القادمة. إنه انعكاس لمستوى الضرر الاقتصادي الناتج عن الوباء.
ستحتاج العديد من الدول إلى سياسات مالية لدعم النمو وتفادي الخسارة في الناتج قبل أن يصبح دائمًا.
بعض الاقتصاديات مقيدة ماليًا لهذا سيكون لديها قدرة محدودة على الاقتراض بداعي الإنفاق، الأمر الذي يصور بعض الاختلافات بين مسارات الإنعاش بين الاقتصاديات المتقدمة والاقتصاديات الناشئة. في الوقت الذي تواجه فيه الاقتصاديات المتقدمة انخفاضًا قياسيًا في تكاليف الاقتراض، فإن عددًا من الاقتصاديات النامية بحاجة إلى تخفيف الديون والحصول على قدرة أقل لاستخدام السياسة المالية التي ستعرقل تعافيها من جديد.
عندما يتعلق الأمر بالتعافي، يجب تكييف الإنفاق حسب الوظائف.
لتفادي التباطؤ، حين تخفض صدمة البطالة إمكانية النمو، سيجب على الإنفاق الحكومي دعم الوظائف ومحاولة تجنب العاملين المُحبطين الذي بدوره يخفض مشاركة القوى العاملة في الاقتصاد.
إن تمديد برامج الإجازة المتعدد في أوروبا إلى العام المقبل إضافةً إلى حزمة التحفيز التي نُوقشت في الكونغرس يهدفان إلى معالجة هذه المشكلة.
يعد الحفاظ على الشركات القابلة للنمو والتي تمثل أيضًا مراكز تشغيل، جانبًا مهمًا آخر. على سبيل المثال، تخطط المملكة المتحدة إنشاء برنامج قروض دائمة مدعومًا من الحكومة للشركات الصغيرة والمتوسطة ابتداءً من يناير لتحل محل برنامج كوفيد-19، الذي يبلغ 65 مليار جنيه استرليني جزءًا كبيرًا من الدعم الحكومي.
يمكن الإنفاق على التعافي بالنسبة للاقتصاديات المتقدمة أن يُخصص لدعم أهداف النمو طويلة الأجل (مثل النمو الأخضر: وهو عبارة عن مصطلح لوصف مسار النمو الاقتصادي المستدام بيئيًا) وإدارة التحديات المتواجدة منذ زمن (مثل الإنتاجية المنخفضة).
غيّر صندوق النقد الدولي خلال كوفيد-19 لهجة خطابه لتشجيع الدول القادرة على تحمل تكلفة القيام بذلك على الاقتراض من أجل الاستثمار، وتحويل الأهمية من الانضباط المالي إلى تعزيز النمو الاقتصادي الذي يمكنه الاستفادة من أسعار الفائدة المنخفضة القياسية.
قدر صندوق النقد الدولي عن طريق أحدث تقرير عن توقعات الاقتصاد العالمي أنه خلال الفترات المصحوبة بأشياء مجهولة مثل الوباء العالمي، فإن 1%من الناتج المحلي الإجمالي المنفق على البنية التحتية العامة سيخلق نموًا يعادل %2.7 في الناتج المحلي الإجمالي وزيادةً في نسبة التوظيف بنسبة %2.1 بعد عامين إضافةً إلى تعزيزه الاستثمار الخاص. وهذا يعني تأمين ما بين وظيفتين إلى ثماني وظائف لكل مليون دولار يُستثمر في البنية التحتية التقليدية.
لكن إذا كان الاستثمار متعلقًا بالبنية التحتية الخضراء، مثل الكهرباء الخضراء أو البحث والتطوير، سيكون التأثير أكبر والوظائف ستكون من خمس إلى 14 وظيفة لكل مليون دولار مُستثمر من طريق الدولة.
يمكن أن يولد انخفاض رصيد رأس المال والمكون التكنولوجي المرتفع للاستثمارات الخضراء تأثيرًا أكبر من البنية التحتية التقليدية. لكن هناك اختلاف أيضًا.
على سبيل المثال، يمكن للبنية التحتية الرقمية أن تمكن وصولًا أفضل وتقنية ارسال عالية السعة ذات نطاق واسع من الترددات الأسرع التي تدعم العمل عن بعد والتجارة الإلكترونية الرئيسية. يساعد ترابط وسائل النقل الأفضل في العمل الهجين وعمليات التسليم عبر الإنترنت.
باختصار، يتطلب خلق فرص العمل وتعزيز النمو الأكثر اخضرارًا إلى تركيز مبالغ غير عادية من الإنفاق الحكومي على الاحتياجات قصيرة الأمد والأهداف طويلة الأمد.
إضافةً إلى ذلك، إذا وجب على الحكومات التمييز بين الإنفاق الجاري والإنفاق الرأسمالي، فيمكن مستثمري السندات تقدير إذا كان هناك تأثير نمو طويل الأمد من الإنفاق الأخير. يمكن لرفع معدل نمو الاقتصاد المتصل بزيادة الدين أن يساعد في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي المستخدم عمومًا في تحليل القدرة على تحمل الديون، لن تكون الكلمة النهائية في المالية العامة، لكن الدول التي أنفقت بشكل استراتيجي من الممكن أن تُقيم وبتأييد أكثر من قبل الدائنين.
في نهاية عام 2020، على الرغم من خطورة أشهر الشتاء القادمة، ونتيجة لتطور سرعة اللقاح، من الممكن التطلع إلى الأمام والبدء بالتخطيط بطريقة صارمة وحذرة لمرحلة التعافي.
ليندا يويه أستاذة مساعدة في الاقتصاد في كلية لندن للأعمال ومؤلفة كتاب «الاقتصاديون العظماء: كيف يمكن لأفكارهم أن تساعدنا اليوم».
اقرأ أيضًا:
التعافي الاقتصادي بعد جائحة كورونا قد يستغرق سنوات
مع اقتراب الأزمة الاقتصادية التي ستنجم عن كورونا.. إليك ما ينبغي أن تفعله بأموالك
ترجمة: يوسف حمد
تدقيق: مازن النفوري