في أثناء دراستهم فئرانًا معدلة وراثيًا، اكتشف باحثون أدلة مثيرة للفضول تقترح أن مسارًا من الدم إلى الدماغ قد يكون مسؤولًا عن إدخال المركبات الضارة التي تساهم في داء ألزهايمر إلى المادة الرمادية في أدمغتنا.
لا يزال هذا البحث في مراحله الأولية، وما نزال بعيدين عن تطبيقه على البشر، لكنه يُعَد تقدمًا مثيرًا للاهتمام بإمكانه مساعدتنا على تفسير كون هذا المرض التنكسي معقدًا جدًا فيما يتعلق بالتوصل إلى علاجه وفهم أسبابه.
نتيجة لعقود من الدراسات المتواصلة، يُعد أميلويد بيتا -ببتيد بيتا النشواني- المسبب الرئيسي في نشأة حالة الخرف المعروفة بداء ألزهايمر.
رغم السمعة التي يتمتع بها أميلويد بيتا، فإننا لا ندرك إلا القليل عن هذه السلسلة القصيرة من الأحماض الأمينية وعن دورها المعتاد في الجسم حتى الآن، لكن ما نعرفه هو أنها إذا كوّنت تكتلات في الدماغ، فإن مصير الصحة العقلية على المدى الطويل لن يكون جيدًا بعد ذلك.
إن مسألة أميلويد بيتا ليست تمامًا واضحة المعالم، رغم اكتشاف الكثير عن تنقله داخل الجسم وإلى الدماغ في السنوات الأخيرة، وكيف أن وجوده في الدماغ يؤدي في نهاية المطاف إلى موت الخلايا العصبية، فإن بعض الأسئلة الملحة ظلت دون إجابة، ومنها: لماذا لا ترتقي العلاجات التي تستهدف لويحات أميلويد بيتا إلى مستوى التوقعات؟
بدلًا من التركيز على دراسة تلك اللويحات، يهتم أحد مجالات البحوث ذات الصلة بدراسة العلاقة بين أميلويد بيتا وفئة من المركبات التي تنقل الدهون تسمى البروتينات الدهنية (Lipoproteins).
بواسطة دراسة فئران معدلة وراثيًا، تمكن باحثون من معهد كورتن لبحوث الابتكارات الصحية في أستراليا من اكتشاف أدلة مشوقة تقترح أن بروتينات أميلويد بيتا المنتجة في مناطق مختلفة من الجسم تتسلل إلى الدماغ من طريق هذه البروتينات الدهنية.
يقول عالم الفسيولوجيا، الباحث الرئيسي للدراسة جون مامو: «تبين دراستنا أن الترسبات البروتينية السامة التي تتكون في أدمغة مرضى ألزهايمر على الأرجح تتسرب إلى الدماغ عبر البروتينات الدهنية، وهي المركبات التي تحمل الدهون في الدم».
«يُعَد هذا المسار مهمًا لأننا إذا استطعنا ضبط مستويات البروتينات الدهنية التي تحمل أميلويد بيتا في الدم ومنعها من التسرب إلى الدماغ، فإن ذلك قد يفسح المجال لعلاجات جديدة تمنع نشوء مرض ألزهايمر وتبطئ فقدان الذاكرة».
كان التحدي الذي يواجهه الباحثون هو فهم الآلية التي تتمكن بها مجرد سلسلة بروتينية قصيرة موجودة في مختلف أنحاء الجسم من التراكم في خلايا الدماغ بتراكيز تصبح في نهاية المطاف مميتة.
أحد الاحتمالات المقترحة أن أميلويد بيتا يُنتَج ببساطة بكميات كبيرة داخل أنسجة الدماغ مباشرةً، ومع ذلك، فإن وجوده في الدم بمستويات مرتفعة يُعَد مؤشرًا استثنائيًا لتوقع تكوّن اللويحات الدماغية لاحقًا.
لوحظ أن النسخة المذابة من البروتين الدهني منخفض الكثافة تحمل نحو 70-90% من أميلويد بيتا في البلازما عند البشر. وتشير بعض الملاحظات إلى أن تسرب هذا المركب المعقد من الشعيرات الدموية العميقة في أدمغة مرضى ألزهايمر يسبب تلف الأوعية الدموية بصور فريدة من نوعها.
أُجريَت بعد ذلك دراسات أخرى على الفئران، أشارت كذلك إلى وجود علاقة بين البروتينات الدهنية وأميلويد بيتا. مثلًا، أبدت الفئران التي استهلكت نظامًا غذائيًا غنيًا بالدهون المشبعة -نوع الدهون الذي يتطلب الكثير من البروتينات الدهنية لنقله في الدم- الأوعية الدموية المسربة نفسها في الدماغ.
مع ذلك، لم يكن من الممكن استبعاد احتمالية أن إنتاج أميلويد بيتا موضعيًا في الدماغ ساهم كذلك في الوصول إلى تلك التراكيز السامة من السلسلة الببتيدية. لذا -بالاستعانة بالهندسة الوراثية- صمم مامو وفريقه فئرانًا تؤدي جيناتها دورًا جوهريًا في إنتاج أميلويد بيتا في الكبد.
من ثم فإن أي حالات مرضية تشبه ألزهايمر يمكن العثور عليها في أدمغة تلك الفئران لا بد أنها تنشأ من نقل أميلويد بيتا إلى الدماغ.
يقول مامو: «مثلما توقعنا، وجدت الدراسة أن الفئران التي أنتجت أميلويد بيتا في الكبد عانت التهابًا في الدماغ، وموتًا سريعًا لخلايا الدماغ، وفقدانًا للذاكرة».
ما زال الأمر بحاجة إلى مزيد من البحث، إلا أن هذا الاكتشاف يقترح إمكانية توفر علاجات لمرض ألزهايمر تستهدف النظام الغذائي، أو تستخدم أدوية بإمكانها ضبط التفاعلات بين البروتينات الدهنية وأميلويد بيتا.
يُتوقع زيادة عدد الأشخاص المصابين بألزهايمر بين المتقدمين في السن حول العالم خلال العقود القادمة. حاليًا، يُعتقَد أن عدد المصابين بالمرض يفوق 30 مليون شخص.
كلما تعلمنا أكثر عن طريقة عمل أميلويد بيتا في تنقله عبر الجسم، أصبحت لدينا فرص أفضل في إيجاد سبل مبكرة لتشخيص وعلاج هذا المرض، الذي يسبب فقدانًا في الوظيفة العصبية ويؤثر في حياة الكثير من الناس.
اقرأ أيضًا:
إزالة مسببات ألزهايمر من أدمغة الفئران باستخدام الصوت والضوء فقط
لقاح لمرض ألزهايمر! هل باتت الوقاية من ذاك المرض ممكنةً؟
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: نايا بطّاح