حصلت شركة سبيس إكس (Space X) على تمويل مالي جديد قدرُه 500 مليون دولار أمريكي، والذي يُعَدُّ بمثابة هِبة سماويّة للشركة، كونها تعمل على ثلاثة مشاريع ضخمة، إذ تسعى الشركة إلى إطلاق شبكة أقمار صناعية توفّر شبكة إنترنت عالميّة، كما تعمل على إرسال مركبة فضائية إلى المريخ لاستكشافه واستعماره، وكذلك تسعى الشركة إلى بناء نظام النقل الأسرع في العالم.
أكّدت سبيس إكس أنها قدّمت نصوصًا وموادًا عن الشراكة (الاستثمار في الشركة) وكذلك عن سلسلة الإمداد (سلسلة التمويل). ووفقًا لوثيقةٍ قُدِّمت لموقع (Business Insider) فإنّ سلسلة الإمداد هذه توفّر 3 ملايين سهم جديد، وتبلغ قيمة كُلٍّ منها 169 دولارًا أمريكيًا، مما يعني أن سبيس إكس ستحصل على 507 ملايين دولار أمريكي. ومع أخذ كُل جولات الإمداد/التمويل التسع التي قامت بها الشركة بعين الاعتبار، والتي حصدت ما يُقارب 2.2 مليار دولار أمريكي، فإنّ موقع (Equidate) يُقدّر قيمةَ الشركة بما يقارب 27.5 مليار دولار أمريكي. إلّا أنه تبقى القيمة الحقيقة للشركة غير دقيقة إلى أن يكون هناك عرض بيع خاص -وفيه تُعرَض أسهم الشركة للبيع على مجموعة صغيرة من المستثمرين- أو أن يكون هناك عرض عام أوّلي (Initial Public offering) وهو عرض سندات الشركة للشراء من قِبَل عامّة الناس، وفيه تُعرَض أسهم الشركة للبيع على العامّة للمرة الأولى في سوق الأوراق المالية.
لا يزال من غير المعروف من يشتري أسهم شركة سبيس إكس، ذلك أن مبيعات الاستثمارات الخاصّة عادةً ما تكون سريّة ومرتّبة مُسبقًا. كما أن ممثّل الشركة رفض أن يتحدث عن الإيداعات وعن المشاريع التي ستُصرفُ عليها هذه الأموال. ولكن بحسب تصريحات ماسك وغوين شوتويل (Gwynne Shotwell) كبير مسؤولي التشغيل ورئيس شركة سبيس إكس، فإن هذه الأموال ستُستثمَر في هذه الثلاثة المشاريع الضخمة.
شبكة ستارلنك (Starlink) العالمية
في مارس/آذار من العام الجاري، صادقت هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية على خطة شركة سبيس إكس الساعية إلى إطلاق 12,000 قمر صناعي لتوفير شبكة إنترنت عالمية. هذا العدد من الأقمار الصناعية يزيد عن ضِعف عدد جميع المركبات الفضائية التي أطلقتها البشريّة!
ويهدف المشروع إلى توفير تغطية عالمية ذات نطاق واسع وسرعة تفوق متوسط معدل السرعة العالمي الحالي بأكثر من 178 مرة، ففي العام 2015 نشرت شركة أكاماي (Akamai) تقريرًا يفيد بأن سرعة الإنترنت كانت تبلغ حينها 5.6 ميغا بت في الثانية، في حين أن شبكة ستارلنك ستوفّر سرعة تبلغ 1 غيغا بت في الثانية. كما أنها ستوفّر الإنترنت لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليفه. وفي فبراير/شباط من العام الجاري، غرّد إيلون ماسك على حسابه على التويتر قائلًا: «في حال نجحت، فإن كوكبة الأقمار الصناعيّة لستارلنك ستوفّر الإنترنت للذين يحصلون على أقل خدمات».
وقد أنشأت سبيس إكس مصنعًا للأقمار الصناعية في ريدموند واشنطن (Redmond Washington)، وفي 22 من فبراير/شباط أطلقت قمرَين صناعيَين تجريبيَين. غير أن صنع آلاف الأقمار الصناعية وإرسالها إلى مدار أرضي منخفض، حتى ولو استُخدِمَ صاروخ (Falcon Heavy) لنقل عشرات الأقمار الصناعية في كل مرة سيتطلب أموالًا هائلة.
في وقت سابق، تحدّث أجيت باي (Ajit Pai) رئيس هيئة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية عن خطط شركة سبيس إكس قائلًا: «يمكن لتكنولوجيا الأقمار الصناعية أن تساعد في الوصول إلى الأمريكيين الذين يعيشون في المناطق الريفية أو في المناطق التي يصعُبُ تخديمُها، حيث لا تصلها كابلات الألياف الضوئية وكذلك أبراج الاتصالات».
صواريخ ضخمة لاستعمار المريخ
في 6 فبراير/شباط من العام الجاري، وبعد أن أطلقت سبيس إكس الصاروخ العامل الأقوى في العالم فالكون هيفي (Falcon Heavy)، قال إيلون ماسك أنّ معظم الموارد الهندسية للشركة اتجهت نحو نظام جديد يُدعى (The Big Falcon Rocket) أو (The Big F***ing Rocket) كما يُحبُّ إيلون أن يسميه. ويُعَدُّ نظام (BFR) نظامَ إطلاق قابل لإعادة الاستخدام، يبلغُ طوله 106 أمتار (348 قدم)، وقد صُمِّمَ لنقل ما يصل إلى 100 شخص و136 طن (150 طن أمريكي). ويتألّف تصميم النظام من قسمين رئيسين هما: صاروخٌ بطول 191 قدم يدفع المركبة الفضائية إلى المدار الأرضي، ومركبةٌ فضائية بطول 157 قدم (47 متر) تتحرك باتجاه القمر أو المريخ.
وسيعملُ كُلُّ شيء على الأكسجين والميثان السائل، أضف إلى أن الصواريخ ستعود لتَحُطَّ أرضًا وتصبح قابلة لإعادة الاستخدام بالكامل، مما يعني أن تكلفة السفر إلى الفضاء ستنخفض ألفَ مرة. وقد حُدد موعد أوّل رحلة غير مأهولة نحو المريخ، وستكون في العام 2022 على أحسن الظروف، وستليها رحلة مأهولة في العام 2024. وبسبب تكلفته المنخفضة -كما هو متوقع- سيُستخدم نظام (BFR) مرارًا وتكرارًا كما لو أنه طائرة نفّاثة. ويتوقع إيلون ماسك أن يعوّضَ نظامُ (BFR) كُلَّ منتجات الشركة الأُخرى بمرور الوقت. وكان إيلون ماسك في وقتٍ سابق قد صرّح قائلًا: «نريدُ نظامًا واحدًا، سفينةَ نقلٍ واحدة وصاروخًا واحدًا مُعزَّز، يعوّضُ كُلًّا من فالكون 9 وفالكون هيفي ومركبة دراغون الفضائية»، وأضاف قائلًا: «إذا تمكّنا من تحقيق ذلك، فإنّ جميع الموارد التي تُصرَف على فالكون 9 وفالكون هيفي ومركبة دراغون الفضائية يمكن توفيرها من أجل نظام (BFR)».
وقد حصلت سبيس إكس مؤخرًا على تصريح قانوني لبناء مصنع في موقع تاريخي مهجور عند ميناء لوس أنجلوس، وستبلغ مساحة المصنع 18,580 متر مربع (200,000 قدم مربعة)، حيث سيتمّ تصنيع المركبات الفضائية وكذلك الصواريخ المعززة من أجل نظام (BFR)، ويبعد هذا الموقع عن المقر الرئيسي للشركة مسافةَ 22 كيلومتر (14 ميل)، ويُعَدُّ موقعًا مثاليًا لنقل الصواريخ عبر الماء إلى منشآت الاختبار والإطلاق، والتي تقع في تكساس. وقد كشف إيلون ماسك مؤخرًا النقابَ عن آلة ضخمة بطول 40 قدمًا (12 مترًا) وعرض 30 قدمًا (9 أمتار) تعمل على صنع المركبات الفضائية لنظام (BFR) من مواد مركبة من ألياف الكربون، بالإضافة إلى ذلك، فإن سبيس إكس تجلب معدات أُخرى خاصة بالنظام إلى الميناء، وذلك من أجل البدء في عملية صنع السفن الفضائية.
في الحقيقة، إنّ تكاليف الأعمال التي تنجزها الشركة، لا سيّما عمليات الإطلاق التجريبية، والتي من المقرر أن تحدث في مطلع العام القادم، ليست منخفضة على الإطلاق، إلّا أن النصف مليار دولار التي حصلت عليها الشركة ستساعدها في إنجاز مشاريعها.
صرّحت غوين شوتويل، في مؤتمر تيد للعام 2018 قائلةً إنها قد تفوق إيلون ماسك في رؤيتها فيما يخصُّ نظام (BFR)، فقالت: «المريخ كوكب رائع، لكنَّه بحاجة إلى النهوض به»، وأضافت: «أريد أن أجد أُناسًا، أو أيًّا كان ما يسمون أنفسَهم، في نظامٍ شمسي آخر».
نظام النقل الأسرع في العالم
في الحقيقة، إن نظام الصواريخ الكُبرى الخاصة بشركة سبيس إكس، لن تكون مفيدة فقط فيما يتعلق ببلوغ أماكن بعيدة عن الأرض، بل أيضًا ستؤدي غرضًا على الأرض نفسها.
قال إيلون ماسك: «إذا كُنّا نبني وسيلةً للذهاب إلى القمر والمريخ، فلماذا لا نستخدمها في الذهاب إلى أماكن أُخرى على الأرض نفسها؟»، وقد أوضحت سبيس إكس أن مركبة (BFR) الفضائية يمكنها أن تقطع 7.4 كيلومتر (4.6 ميل) في الثانية الواحدة، أي أكثر باثني عشر مرة من سرعة طائرات (Concorde) النفاثة ذات السرعة التي تفوق سرعة الصوت، وبالتالي فإنّ هذه المركبات ستكون نظام النقل الأسرع في العالم. إذْ قد يتمكّن المسافرين من الطيران من لوس أنجلوس إلى نيويورك خلال 25 دقيقة، ومن بانكوك إلى دبي خلال 27 دقيقة، ومن لندن إلى نيويورك خلال 29 دقيقة، ومن دلهي إلى سان فرانسيسكو خلال 40 دقيقة.
وفي تصريح لموقع (Business Insider) أشار رائد الفضاء السابق في وكالة ناسا الأمريكية ليروي تشاو (Leroy Chiao) إلى أنّ وسيلة النقل هذه لن تكون لأصحاب القلوب الضعيفة، كما أنه من الصعب أن نتصوّر هذه الوسيلة كوسيلة نقل غير مكلفة، وأضاف قائلًا: «لكن الشيء الوحيد الذي تعلمته من مراقبة إيلون ماسك، هو ألّا أحكمَ عليه مُسبَقًا»، في حين أوضحت شوتويل خلال مؤتمر تيد أن نظام النقل هذا قد يتمكّن من بدء العمل خلال عقدٍ من الآن.
في الواقع، إن نصف مليار دولار لا تكفي لإحداث ثورة في عالم الإنترنت، أو لإرسال البشر إلى المريخ، أو إقامة نظام طيران يعتمد على الصواريخ، فكيف إذا كان هذا المبلغ سيُغطّي المشاريع الثلاثة معًا!
حسنًا، هكذا مبلغ يُعَدُّ انطلاقة جيّدة بالنسبة لشركة مثل سبيس إكس، والتي قامت بالكثير بمبلغ أقل من هذا بكثير.
- ترجمة: محمد غيث بغدادي
- تدقيق: صهيب الأغبري
- تحرير: زيد أبو الرب