قد تعد المعلومات حتى الآن شيئًا غير ذي كتلة ملموسة؛ لكن في غضون بضعة قرون فقط سيكون مجموع البت الرقمي الذي تنتجه البشرية سنويًا أكثر من عدد الذرات على كوكبنا الأزرق، والمذهل أكثر من هذا أنها سوف تشكل نصف كتلة الأرض.
هذا ملخص دراسة جديدة محيرة للعقل تلقي الضوء على مدى تنامي المعلومات عبر الزمن وعواقبها الوخيمة المحتملة.
إننا نعيش في زمن المعلومات الوافرة. الهواتف الذكية في كل مكان، وتُستخدم منصات التواصل الاجتماعي بمعدل يجعل كل شخص يُنتِج كمًا مذهلًا من المحتوى الرقمي يوميًا.
قدّرت شركة آي بي إم وغيرها من شركات البحث التكنولوجي أن 90٪ من المعلومات الرقمية في العالم حاليًا قد أنتجت في العقد الأخير فقط، ما حثّ عالم الفيزياء ميلفين فوبسون من جامعة بورتسموث في إنجلترا ليتساءل: «إلام قد يقودنا ذلك مستقبلًا؟».
بدأ فوبسون تحليله بحقيقة أن الأرض تحتوي حاليًا على ما يقارب 1021 أو مليار تريليون بت من المعلومات الرقمية. وقال: «هذا هو جملة ما نصنعه بشكل جماعي؛ هذا مجموع المحتوى الرقمي الذي ينتجه ويخزنه كل شخص في كل مكان على الكوكب».
وبعد ذلك حسب كمية المعلومات الممكن وجودها في المستقبل. وهذا ليس بالاستقراء البسيط؛ لأن كمية المعلومات الجديدة هي نفسها في ازدياد مع الزمن.
بافتراض معدل نمو سنوي بالمحتوى الرقمي قيمته 20٪، أظهر فوبسون أنه بعد 350 سنة من الآن سيصل هذا العدد إلى أكثر من عدد الذرات المكونة للأرض، التي تقدر تقريبيًا بالعدد: 1050 أو 100 تريليون تريليون تريليون تريليون ذرة.
حتى قبل حلول ذلك الوقت سوف تستخدم البشرية طاقةً مساويةً من استهلاكها الحالي فقط لأجل الحفاظ على جميع تلك الأصفار والآحاد.
وتساءل فوبسون: «أين سنخزن جميع هذه المعلومات؟ وكيف نمدّها بالطاقة؟ أنا أُسمّي هذه بالأزمة الخفية؛ إذ إنها حتى اليوم ما زالت مشكلة خفية بحق».
ومع أن هذه المدة الزمنية قد تنتمي إلى المستقبل البعيد الذي نستطيع أن نتجاهله في الوقت الحاضر؛ إلا أن فوبسون يحذر من أمر مقلق آخر. ففي العام 1961، اقترح الفيزيائي الألماني الأمريكي رولف لاندوير أنه بناءً على أن محو بت رقمي تنتج عنه حرارة بالغة الصغر؛ فإن هناك علاقة بين المعلومات والطاقة.
ومع أن هذا الاكتشاف ما زال محل نقاش علمي، والمعروف بمبدأ لاندوير؛ فإنه قد نال تأكيدات من تجارب في الآونة الأخيرة. وقد نُشرت دراسة في العام 2019 في مجلة AIP Advances اقترح فيها فوبسون وجود علاقة محتملة بين المعلومات والكتلة.
يعتمد الاقتراح هذا على معادلة أينشتاين الشهيرة E=mc2 التي اشتقها في بداية القرن العشرين. أظهرت أعمال أينشتاين أن الطاقة والكتلة قابلان للتبادل، وهذا ما قاد فوبسون لحساب الكتلة المحتملة لبت واحد من المعلومات وهو أقل 10 مليون مرة من الإلكترون.
هذا يعني أن مقدار الكتلة الحالية للمعلومات المنتَجة كل عام ضئيل جدًا، ومن ثمّ فهو عديم الأهمية؛ إذ إنه يقدر تقريبًا بكتلة بكتيريا إشريكية قولونية واحدة فقط. ولكن بنفس افتراض حدوث نمو سنوي مقداره 20٪؛ فإن نصف كتلة الأرض قد يتحول لمعلومات رقمية في غضون أقل من 500 عام.
وإذا افترضنا نموًا سنويًا مقداره 50٪؛ فإن نصف الأرض ستكون معلومات رقمية بحلول العام 2245.
نشرت نتائج بحث فوبسون هذه في 11 أغسطس بذات المجلة.
وقال فوبسون: «أنا أرى أن هذا يشكل مشكلة حقيقية؛ مثل حرق الوقود الأحفوري والتلوث البلاستيكي وإزالة الغابات وغير ذلك من المشاكل الكبرى، أعتقد أن أمر المعلومات هو أمر يغفل عنه الجميع؛ إننا نغير الكوكب شيئًا فشيئًا».
في الحقيقة يعتبر فوبسون أن معدلات النمو السنوي المستخدمة في ورقته العلمية بها تحفّظٌ إلى حد ما؛ إذ تقدِّر مؤسسة البيانات الدولية النمو الحالي بمقدار 61٪، ويعتقد أن كارثة المعلومات هذه قد تحصل في وقت أقرب مما هو متوقع. تعد إحدى الطرق لتخفيف مشاكل تخزين كميات هائلة من المعلومات هي تطوير تكنولوجيا للاحتفاظ بالمعلومات في وسائط غير مادية مثل التصوير التجسيمي أو الهولوجرام.
قال فيزيائي الجسيمات لويس هيريرا من جامعة سالامانكا في إسبانيا، الذي لم يكن مشاركًا في هذا البحث: «إن الحجج المطروحة في الدراسة مدهشة ومثيرة للتفكير؛ لكن فكرة أن المعلومات لها كتلة تبقى أمرًا نظريًا، يحتاج إلى العديد من التجارب لإثباته».
وأضاف هيريرا قائلًا: «إنه في معرض الحديث عن هذه الفترة الزمنية الكبيرة وفي ظل محن أخرى حقيقية ومعاصرة، أعتقد أنه يوجد الكثير من المشاكل لنهتم بها غير هذه».
اقرأ أيضًا:
ترجمة: سامي أنضوني
تدقيق: محمد الصفتي