إذا كان أحد أفراد أسرتك مراهقًا، فأنت معتاد الصمت أو الردود الغامضة في المحادثات، والميل إلى النوم طوال اليوم، وتفضيل استخدام الهواتف وأجهزة الكومبيوتر على لقاء الأحباب وجهًا لوجه.
تعد هذه السلوكيات طبيعية لدى أغلب المراهقين، لكنها قد تكون مؤشرًا أيضًا إلى الاكتئاب، فإما أن تكون هذه التغيرات المفاجئة في المزاج هي أعراض الصحة النفسية وإما أنها تصرفات مراهقين فقط.
غالبًا ما تشمل أعراض الاكتئاب لدى المراهقين:
- تهيّج غير معتاد
- نوبات غضب
- تعب وانخفاض النشاط وخمول
- آلام أو مشكلات في المعدة
- انخفاض الاهتمام بالأنشطة المعتادة
- انخفاض الاهتمام بقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء
- هبوط الدرجات أو عدم الاهتمام بالمدرسة
- نقد الذات السلبي
- التحدث عن الموت أو الانتحار
إذا لاحظت هذه الأعراض في معظم الأيام أكثر من أسبوع أو أسبوعين، فقد يكون ابنك يعاني الاكتئاب.
إليك بعض النصائح حول كيفية التعامل مع الموضوع:
1) اسأل، واستمر بذلك:
اعثر على وقت هادئ وخاص لخوض المحادثة، ويُفضّل وجود أحد الوالدين فقط، وذلك حتى لا يشعر طفلك بالارتباك أو تخلق حالة من المواجهة.
وضّح السلوكيات التي تقلقك:
- أتساءل: لماذا لم تلتقِ مع أصدقائك كثيرًا مؤخرًا؟
- أنا قلق لأنك تنام أكثر من المعتاد
- لاحظت أنك تغضب بسرعة هذه الأيام
- أنا قلق لأنك لم تبذل الكثير من المجهود في دروسك مؤخرًا
ثم تابع بتوجيه أسئلة مفتوحة الطرف:
- ما الذي حدث حتى غيرت رأيك بأصدقائك؟
- هل يمكنك تفسير ما الذي يقلقك؟
- ما الذي يجعلك تشعر بهذه الطريقة؟
- هل تفكر في الموت؟
ضع في حسبانك أن سؤالك عن الانتحار لن يعطي طفلك فكرة تنفيذه، بل إنه سيسهل تقديم الدعم المناسب له.
من الطبيعي جدًا أن تشعر بالخوف والرغبة في استشارة اختصاصي الصحة النفسية فورًا، ولكن التحدث معهم أولًا قد يوضح الحالة أكثر.
استمر بالتحدث إليهم حتى لو لم تجدِ المرة الأولى نفعًا، وذكرهم بأن الاكتئاب حالة صحية نفسية شائعة، ليست خيارًا أو فشلًا شخصيًا أو قرارًا يمكنهم التحكم فيه بأنفسهم، وذلك عندما تشعر بمعارضتهم للتحدث عنه.
2) كنت مستعدًا للاستماع:
أصغِ إليهم جيدًا عندما يبدؤون بالتحدث عما يحصل لهم، وحاول أن تستغل هذه الفرصة باهتمام وتركيز كامل.
يسبب الاكتئاب أحيانًا شعور الناس بالإثقال على أحبائهم، وقد يجعلهم ذلك يترددون في التواصل معهم.
عندما يحين الوقت للتكلم:
- أعطهم كامل اهتمامك.
- تجنب مقاطعة جملهم أو إنهاءها أو ملء الفراغات فيها، بل اسمح لهم بالتحدث لوحدهم حتى لو استغرق الأمر وقتًا أطول.
- ركز على حديثهم لا على ما تريد أن تقوله لهم.
- لخّص ما أخبروك به للتحقق من أنك تفهمه، مثل: «يبدو أنك كنت تشعر بالحزن واليأس في الحياة ولا تستطيع إيجاد الطاقة للقيام بأي شيء، أليس كذلك؟».
- اطلب التوضيح إذا لم تفهم ما يقصدون.
قد لا تتفهم بالضبط ما يشعرون به، لذلك تجنب التقليل من ألمهم بقول عبارات مثل:
- إنها ليست مشكلة كبيرة
- يشعر الجميع بذلك أحيانًا
- كنت متقلب المزاج كثيرًا عندما كنت مراهقًا، لكنني لم أعد كذلك
أظهر تعاطفًا ومصداقية بدلًا من ذلك:
- يمكنني أن أرى كيف تشعر بالإرهاق من هذه الأفكار
- هذا يبدو مؤلمًا، لكنك لست وحيدًا فأنا هنا لدعمك
- أتوقع أن الشعور بالحزن طوال الوقت يجعلك مرهقًا، لا بد من أنك تعاني الكثير
3) ساعدهم على الحصول على الدعم:
عادةً ما يكون الدعم من قبل الاختصاصي أفضل طريقة للتحسن، إضافةً إلى تعاطف الأهل مع طفلهم ودعمهم له.
قد يساعد طفلك التحدث إلى مستشار المدرسة أو طبيب الأطفال أو المعلم المفضل لديه على تقبل فكرة العلاج أكثر، وقد يصبح أكثر استعدادًا لتلقي العلاج عندما يشجعه الآخرون الموثوق بهم.
قد يساعد التحدث عما يجري في جلسات العلاج أيضًا على تبسيط العملية، وإذا بدا عليهم الخوف من دخول المستشفى أو تناول الدواء، عليك أن تشرح لهم أن المعالج سيستمع إلى أفكارهم ويقدم لهم الدعم دون إدانة، وسيساعدهم على التحسن.
4) أعطهم بعض الوقت:
قد يساعد تشجيع طفلك على البقاء نشطًا والمشاركة في المسؤوليات المنزلية على استمرار شعوره بدعمك، ومع ذلك، قد تكون هناك أوقات تزداد فيها حالات الخمول.
عليك منحهم استراحة من الأعمال المنزلية والواجبات المنزلية مثلما إذا كانوا مصابين بالإنفلونزا، فالاكتئاب هو أيضًا مرض وقد يستنزف طاقتهم ويمنعهم من بذل الجهد المعتاد.
فقد يواجهون صعوبة في التركيز، أو التحرك ببطء أكثر من المعتاد، أو الشعور بالإحباط ونقد الذات الزائد عند ارتكاب خطأ ما.
حاول ألا تزيد التوتر بقول أشياء مثل: «لقد اقتربت المواعيد النهائية لتقديم الطلبات للجامعة، أو ألا تحتاج إلى الدراسة من أجل الامتحانات النهائية؟»، لأنهم قد يشعرون بالفعل بالضغط ويلومون أنفسهم على معاناتهم، لذلك اعرض المساعدة على أداء الواجبات المدرسية.
إذا كان لديهم مشروع بحثي على سبيل المثال، فيمكنك مساعدتهم على تبادل الأفكار أو اصطحابهم إلى المكتبة للعثور على المصادر.
5) غيّر روتين العائلة:
قد تفيد تغييرات نمط الحياة في أعراض الاكتئاب كثيرًا، وقد تشمل هذه التغييرات:
- زيادة النشاط البدني
- وجبات غذائية منتظمة
- التعرض الطويل لأشعة الشمس
- أوقات نوم محددة
- استرخاء ليلي
قد يؤدي دمج هذه التغييرات في روتين العائلة إلى تحسين حالة الجميع، ويمكن للعادات الجديدة أن تزيد من وقت الأسرة مع بعضها، الأمر الذي يزيد شعور الطفل بالارتباط والدعم.
بعض الأشياء التي يمكنك تجربتها:
- خذ نزهة عائلية بعد العشاء.
- خصص آخر ساعة أو ساعتين قبل النوم لممارسة ألعاب الألغاز أو الاستماع إلى الكتب الصوتية مع العائلة.
- طهي وجبات الطعام معًا، ويمكن ترتيب تحديات لابتكار وصفات جديدة.
- الحصول على قسط كاف من النوم، فيحتاج المراهقون إلى مدة تتراوح بين 8 و 10 ساعات من النوم كل ليلة.
6) تشجيع العلاقات الداعمة:
قد يساعد حفاظ المراهقين على الصداقات المهمة على استمرار شعورهم بالارتباط الاجتماعي حتى في معاناتهم.
أجر ببعض التعديلات والاستثناءات المؤقتة على القواعد المتعلقة بالتواصل الاجتماعي حتى تتحسن الأعراض، مثل حفلات المبيت والبقاء خارج المنزل لأوقات متأخرة.
يجب تشجيعهم أيضًا على تجربة أنشطة وهوايات جديدة، مثل تعلّم دروس الغيتار أو الفن أو الرياضة، إضافةً إلى التطوع والأفعال الإيثارية مثل مساعدة الجيران.
ما عليك تجنب فعله:
1) الانتقاد والعقاب:
قد تتصرف في الحالات الطبيعية تجاه رسوب أطفالك في الامتحانات أو عدم إكمال الواجبات المدرسية بمنعهم من الخروج من المنزل أو تحديد وقت مشاهدة التلفاز أو سحب هواتفهم.
لا يجوز اتخاذ الاكتئاب حجة لسوء السلوك، لكن من الضروري فصل آثاره عن الأخطاء الفعلية، لأن طريقة التعامل مع الموضوع قد تجعل الأمور أسوأ، لذلك:
- أخبرهم بأنك على دراية بمعاناتهم، وشجعهم على الاستمرار في المحاولة، وقد تقترح عليهم دعوة صديق للدراسة أو اللعب أو الخروج معًا.
- اعملوا معًا لإيجاد الحلول، فقد تقول لابنك: «أعلم أنه من الصعب إنهاء الأعمال المنزلية في هذه الحالة، لذلك ما الذي تعتقد أنه يمكنك فعله الآن؟».
- أخبرهم أنك تحبهم وتدعمهم مهما حدث.
2) إدانة سلوكيات إيذاء الذات:
من المؤلم للغاية معرفة أن ابنك قد بدأ بإيذاء نفسه، وعلى الرغم من أنه أمر لا يجوز تجاهله، فإن ذلك لا يعني تلقائيًا أن ابنك يفكر في الانتحار.
قد تكون غريزتك الأولى هي البحث عن أدوات إيذاء الذات والتخلص منها، وفحص جسده كل يوم، أو مراقبته طوال الوقت، إلا إن هذه التصرفات ستخجل طفلك وتدفعه بعيدًا.
دائمًا ما تكون التصرفات العاطفية والخالية من الإدانة أكثر فائدة:
اسأله: «هل يمكنك إخباري المزيد عن المشاعر التي تجعلك ترغب في إيذاء نفسك؟».
أو: «أستطيع أن أرى أنك تتألم كثيرًا، لكنني قلق بشأن سلامتك، لذا هل يمكننا التحدث عن بعض الأشياء البديلة التي يمكن تجربتها؟».
3) أخذ الأمور على المحمل الشخصي:
قد لا يرغب طفلك دائمًا في التحدث عن مشاعره أو مشاركة التقدم الذي يحرزه في جلسات العلاج، لذلك لا يجوز دفعهم للكلام عنوةً لأن ذلك لن يساعدهم على الشعور بالراحة عند التحدث.
تجب معرفة الآثار الجانبية للعلاج والأفكار المؤلمة المتكررة، وعليك تذكيرهم أنك تدعمهم دائمًا ومستعد للإنصات إليهم في أي وقت.
متى نحتاج إلى المساعدة الفورية؟
ليس كل من يعاني الاكتئاب يفكر في الانتحار، والكثير من الأشخاص الذين لديهم أفكار انتحارية لا يفكرون في الانتحار جديًا، ولكن يجب أخذ أي احتمال للانتحار على محمل الجد.
عليك الحصول على دعم من قبل اختصاصي فورًا إذا لاحظت أيًا من العلامات التالية عليهم:
- كتابة قصص أو قصائد عن الموت
- إظهار سلوكيات خطرة، مثل تعاطي المخدرات أو الكحول
- التحدث عن الموت أو الرغبة في التخلص من آلامهم
- الابتعاد أكثر عن الآخرين
- قول إن الآخرين سيكونون أفضل حالًا من دونهم
- التخلي عن الممتلكات الشخصية
إذا أخبروك أنهم يفكرون في الانتحار:
- اسأل عن كونهم قد وضعوا خطة علاجية في الجلسات، واتّبع معهم خطوات العلاج.
- تواصل مع معالجهم للحصول على الإرشادات حول الخطوات اللاحقة.
- انقلهم إلى المستشفى للحصول على الدعم اللازم.
عليك ألا تتركهم وحدهم في حال مرورهم بنوبة الاكتئاب، وتحقق من عدم امتلاكهم لأي أسلحة أو أدوية.
اقرأ أيضًا:
هل ما تعانيه اكتئاب أم حزن يزول؟ كيف تدرك الفرق؟
لماذا الاكتئاب معركة طويلة الأمد؟
ترجمة: آية وقاف
تدقيق: محمد الأسطى
مراجعة: عون حدّاد