تبعد كتلة القزم الأبيض شتاين 2051 ب (Stein 2051 B) حوالي 18 سنة ضوئية من الأرض، وهو يمثل موضوعًا للجدل منذ أكثر من قرن.
الآن، قامت مجموعة من علماء الفلك أخيرًا بإجراء قياس دقيق لكتلة النجم وانهت نقاش عمره 100 عام، وذلك باستخدام ظاهرة كونية كان أول من توقعها ألبرت أينشتاين.
قام الباحثون بحساب كتلة النجم باستخدام ملاحظات منضبطة التوقيت من تليسكوب هابل الفضائي، الذي درس شتاين 2051 ب عندما حدث خسوف مع نجم آخر أكثر بعدًا، كما شوهد من الأرض.
خلال هذا العبور، بدا أن النجم الذي في الخلفية قد تغير موقعه في السماء، متحركًا إلى الجانب قليلًا، على الرغم من أن موقعه الفعلي في السماء لم يتغير مطلقًا.
يعرف هذا الوهم البصري في الكون باسم شائع هو عدسات الجاذبية، وقد رُصِدَت آثاره على نطاق واسع في جميع أنحاء الكون، وخاصة بالقرب من الأجسام عالية الكتلة، مثل المجرات الكاملة.
يحدث هذا التأثير لأن الجسم الضخم يحجب المساحة المحيطة به ويعمل كعدسة هائلة مسببًا انحناء لمسار الضوء القادم من الجسم البعيد.
في بعض الحالات، يعطي هذا وهما كاذبا بانزياح النجم الموجود في الخلفية.
(يخلق الماء أيضا هذا النوع من الإنزياح (الوهم البصري)؛ ضع قلم رصاص في كوب من الماء، ستلاحظ أن الصف المغمور من قلم الرصاص يبدو غير متصل بالنصف الجاف).
توقع أينشتاين أن أحداث هذه الإنزياحات يمكن أن تستخدم لقياس كتلة نجم منفرد.
وذلك لأن المدى الذي يخلقه موقع النجم الخلفي يعتمد على كتلة النجم الأمامي.
لكن التلسكوبات في ذلك الوقت كانت تفتقر إلى الحساسية اللازمة لجعل هذا الحلم حقيقة واقعة.
يقول العلماء الذين قاموا بهذا العمل الجديد : لا أحد، قبل الآن، قد استخدم انزياح نجم في الخلفية لحساب كتلة نجم مفرد.
في الحقيقة، لدى العلماء مثال وحيد قاموا فيه بقياس هذا الإنزياح بين النجوم الفردية: كان هذا خلال الكسوف الشمسي الكلي عام 1919، رأى العلماء أن كتلة الشمس تصنع انزياحًا لبعض النجوم في الخلف من الشمس.
لم يكن هذا القياس ممكنًا إلا بسبب قرب الشمس من الأرض.
نشرت ورقة تصف العمل الجديد على الانترنت اليوم في دورية العلوم.
عدسات كونية
إفترضت نظرية أينشتاين للنسبية العامة أن الفضاء مرن و ليس ثابت، وأن الأجسام الضخمة (مثل النجوم) تخلق منحنيات في الفضاء، ككرة بولينج تصنع منحنىً على سطح فراش.
وتعتمد الدرجة التي يشوه بها جسم ما الزمكان (space-time) على مقدار كتلة هذا الجسم (على سبيل المثال، فإن كرة البولينج الأثقل تضع بصمة أعمق على فراش).
يسافر شعاع الضوء عادة خط مستقيم في فراغ الفضاء، ولكن إذا مر الشعاع بالقرب من جسم ضخم، فإن منحنى الفضاء الذي يصنعه النجم يصبح كمنحنى في الطريق، مما يؤدي إلى انحراف الأشعة الضوئية من مسارها المستقيم السابق.
و أوضح أينشتاين أن هذا الانحراف يمكن أن يوجه المزيد من الضوء نحو المراقب، على غرار ما تفعله العدسة المكبرة من تركيز ضوء الشمس في بقعة واحدة.
يؤدي هذا التأثير إلى ظهور الجسم الموجود في الخلفية أكثر لمعانا، أو ينشئ حلقة من الضوء الساطع حول الجسم الأمامي و هو ما يسمى بحلقة آينشتاين.
و رصد علماء الفلك حلقات أينشتاين والحدث الساطع (brightening event)عندما تمكنت العدسات الأمامية الهائلة، كالمجرات الكاملة من خلق هذه الظاهرة.
ولقد رصدت هذه الظاهرة في كل أنحاء مجرة درب التبانة، حيث يمكن للنجوم المفردة أن تسبب تأثير العدسة.
كما تم استخدامها للكشف عن الكواكب حول النجوم الأخرى.
سجل الفلكيون في الدراسة الجديدة، أول رصد غير مسبوق لما يسمى العدسة غير المتماثلة (asymmetric lensing) التي تتضمن نجمين من خارج المجموعة الشمسية للأرض، حيث يبدو تغيير موقع النجم الذي في الخلفية.
يقول ساهو – كلايلاش ساهو، عالم الفلك في معهد علوم تلسكوب الفضاء في بالتيمور، والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية الجديدة : ” ترتبط درجة الإنزياح ارتباطًا مباشرًا بكتلة الجسم الأمامي.
ومع أجسام خفيفة نسبيًا، كالنجوم، فإن الإنزياح يكون صغير للغاية، وبالتالي يصعب اكتشافه، وفي حالة شتاين 2051 ب، كان الإنزياح حوالي 0.002 ثانية-قوس على سطح السماء، أو كما لو كنا ننظر لربع دولار من مسافة 1500 ميل (2400 كيلومتر).
يقول ساهو : “ويتطلب قياس هذا التغيير الدقيق أداة قوية، مثل كاميرا تلسكوب هابل عالية الدقة، والتي تم تركيبها في عام 2009. وقد مكن هذا الجهاز من رصد ضوء نجم في حالة إنزياحه، مثل الضوء المنعكس من شتاين 2051 ب – مثل الفراشة بجوار المصباح”.
تحصل الباحثون على ثمانية قياسات بين أكتوبر 2013 وأكتوبر 2015، تمكنوا من خلالها مراقبة القزم الأبيض يتحرك في أنحاء السماء، انتظارًا لصناعة كسوف مع نجم الخلفية ثم يخلق إنزياحًا.
ولاحظ العلماء أيضا الموقع الفعلي لنجم الخلفية بعد أن مر القزم الأبيض أمامه.
تؤثر العديد من المتغيرات على قدرة العلماء على رصد المزيد من الأحداث.
وتشمل هذه المتغيرات محاذاة الأجسام، والكتلة والقرب من جسم المقدمة، المسافة الفاصلة بين جسم المقدمة والخلفية، وحساسية التلسكوب.
ولكن ساهو يعتقد أن فريقه قد اثبت فاعلية هذه الطريقة وأن العلماء يمكنهم استخدامها لقياس الكتل التى يتراوح عددها بين نجمتين إلى أربعة نجوم مجاورة سنويًا.
حفريات نجم
تعرف النجوم الأقزام البيضاء على أنها النجوم التي توقفت عن حرق الهيدروجين داخل نواتها، ثم تبدأ طبقاتها الخارجية في الانهيار.
في هذا النوع من النجوم، تنهار ما تبقى من كتلتها في نواة كثيفة تعرف باسم القزم الأبيض.
هذا الانهيار يرفع درجة حرارة سطحها حتى أنها قد تحرق النجوم التي لا تزال على قيد الحياة.
يقول تيري أوسوالت لدورية العلوم أستاذ الهندسة والفيزياء في جامعة إمبري ريدل للطيران في دايتونا بيتش بولاية فلوريدا : “ما لا يقل عن 97 في المائة من النجوم في السماء، بما في ذلك شمسنا، ستصبح أو هي بالفعل أقزام بيضاء لأنها أحافير – بقايا – جميع الأجيال السابقة من النجوم، الأقزام البيضاء هي المفتاح لتصنيف تاريخ وتطور المجرات مثل مجرتنا”.
و يستطرد أوسوالت، الذي لم يشارك في البحث الجديد، إن كتلة شتاين 2051 ب كانت “مصدرًا للجدل لأكثر من 100 عام”
الصورة الحالية التي توصل إليها العلماء عن الأقزام البيضاء تشير إلى أن كتلة ونصف قطر هذه الأجسام تكشف عن معلومات مهمة عن كيفية تشكيلها، و المادة المصنوعة منها، ونوع النجوم التي شُكِلَت منها، كما يشرح ساهو..
أشارت القياسات السابقة لكتلة شتاين 2051 ب أنها كانت تتألف إلى حد كبير من الحديد، ولكن هذا الاكتشاف أظهر الكثير من المشاكل على أساس النظريات المقبولة حول تكوين قزم أبيض وتطوره من نجم سابق، وفقًا لورقة البحث.
على سبيل المثال، لتشكيل كميات كبيرة من الحديد، فالنجم الذي أصبح شتاين 2051 ب يجب أن يكون ضخمًا للغاية، ولكن نصف قطر شتاين 2051 ب يشير إلى أنه تشكل من نجم ليس أكبر كثيرًا من الشمس.
فإذا كانت قياسات كتلة شتاين 2051 صحيحة، لابد أن يرجع علماء الفيزياء الفلكية مرة أخرى إلى لوحة الرسم لمعرفة كيف يمكن أن يكون قد تشكل هذا الجسم.
وقال ساهو إن علماء الفلك أدركوا أن قياسات كتلة شتاين 2051 ب كانت على الأرجح غير صحيحة، ولكن لم يكن لديهم أي وسيلة لمعرفتها على وجه اليقين.
عادة، الطريقة الوحيدة لقياس كتلة نجم هو رصد كيف يتفاعل مع جسم ضخم آخر.
على سبيل المثال، في نظام ثنائي حيث اثنين من النجوم يدوران حول بعضها البعض، فإن النجوم الأثقل يكون لها تأثير كبير على حركة الأخف وزنا، ومن خلال مراقبة تفاعل النجمين مع مرور الوقت، يمكن للعلماء حساب المزيد والمزيد من القيم المحددة لكتل النجوم.
شتاين 2051ب لديه رفيق، ولكن المدارين متباعدين جدًا، لذلك فتأثيرهما على بعضهما البعض ضعيف جدًا.
وتظهر النتيجة الجديدة أن شتاين 2051 ب هو في الواقع قزم أبيض طبيعي جدًا، و يتناسب مع نظرية إنتاج القزم الأبيض بشكل دقيق.
وقال ساهو : إن كتلته تبلغ حوالى 0.68 ضعف كتلة الشمس مما يشير إلى أنها تشكلت من نجم يبلغ حجمه حوالى 2.3 ضعف كتلة الشمس.
وهذا بالمقارنة مع القياس السابق الذي بين أن كتلة القزم الأبيض حوالي 0.5 ضعف كتلة الشمس.
وأضاف أنه لا يوجد عدد كبير من الأقزام البيضاء تم تحديد كتلتها و نصف قطرها بدقة على حد سواء.
واضاف “إنها تثبت صحة علاقة الرياضية بين نصف قطرالقزم الأبيض وكتلته وحيثعلماء الفيزياء الفلكية يستخدمون هذه، ومن الجيد أن نعرف أنها تقف على قدم صلبة”.