لقد اعتقدنا أننا نعرف كيف تدور النجوم، ولكن هذا النجم يضع معرفتنا في موضع التساؤل.

يتميز النجم هيركليز V889 بأن سرعة دورانه أكبر عند خطوط العرض الوسطى مما هو عليه عند خط الاستواء أو القطبين، على عكس الشمس أو أي جسم فضائي. لم يستطع علماء الفضاء الذين رصدوا هذا النمط في الدوران إيجاد تفسير بعد، لكن عندما يجدون ما يفسر هذه الظاهرة فمن المتوقع أن تنشأ بعض التغيرات الكبيرة في افتراضاتنا حول السلوك النجمي.

أدرك علماء الفضاء أن الشمس تدور عندما بدؤوا بتتبع البقع الشمسية ورصدها، وهذا لم يكن مفاجئًا، مع الأخذ في الحسبان أن كل الأجسام الفضائية تدور «حتى القمر وإن ظننت لأول وهلة أنه لا يفعل». مع ذلك، كشفت الملاحظات الدقيقة أنه على عكس الكواكب أو الأقمار، فإن الشمس لا تدور كلها بالسرعة ذاتها. إذ إن خط استواء الشمس يستغرق 25 يومًا أرضيًا لإتمام دورة كاملة، في حين يستغرق القطبان 34 يومًا، وتكون السرعة في خطوط العرض الوسطى متوسطةً بينهما.

يُظن أن هذا يرجع إلى أن البلازما الساخنة تصعد إلى سطح الشمس على نحو موازٍ تقريبًا لمحور الدوران بالقرب من القطبين، وعموديًا على خط الاستواء. ويكون الحفاظ على قوى عزم الدوران الزاوي على نحو أكبر عند خط الاستواء، وفي الأجسام السائلة يوجد فرق في القوى بين المناطق المختلفة إذ لا يمكن حدوث تطابق في سرعة الدوران.

حتى باستخدام أكثر التلسكوبات تقدمًا، فإنها تفتقد القدرة على رصد البقع النجمية على النجوم الأخرى وتتبعها بالدقة ذاتها التي رُصدت بها تلك البقع على الشمس، مع ذلك، يمكننا أن نرى ما يكفي لنعرف أن بعض المناطق تدور أسرع، وبعضها يدور أبطأ. وإلى حد ما نستطيع قياس فرق سرعة الدوران بين خطوط العرض المختلفة، ووُجد إما أنها تدور أسرع عند الاقتراب من خط الاستواء، وإما أن تكون السرعة متقاربة في جميع خطوط العرض.

توصل العلماء إلى هذه الاستنتاجات عبر رصد دوران النجوم في وقت قصير نسبيًا، وكانت الفيزياء النظرية تتفق تمامًا مع ذلك الرصد، وبدا الكل راضيًا، حتى نظرنا إلى النجم هيركليز V889.

مع كتلة ودرجة حرارة أكبر من الشمس قليلًا، لكن بعمر 50 مليون عام فقط، يُعد النجم هيركليز V889 أحد أكثر النجوم شبهًا بالشمس عندما كان عُمرها 1% من عمرها الحالي. يبعد النجم عنا نحو 115 سنة ضوئية، لذلك فهو لا يُعد قريبًا جدًا، لكن يظل أقرب من 99.9% من كل النجوم في المجرة، ما يجعله مرشحًا رئيسيًا للدراسة.

تدور النجوم بسرعة في بداية تكوينها، وتتباطأ بمرور الزمن. وينطبق ذلك على النجم هيركليز V889 إذ يدور دورة كاملة مرة كل 32 ساعة، ما سمح لعلماء الفلك برصد عدد كبير من الدورات. قبل أربعة عشر عامًا، أفادت دراسة بالنتيجة المتوقعة وهي أن خط الاستواء يدور أسرع من القطبين، لكن تلك الدراسة تجاهلت خطوط العرض الوسطى.

نظرًا إلى التدرج في سرعة خطوط عرض الشمس، افترض العلماء النتيجة ذاتها مع هذا النجم، لكن اكتشف فريق بقيادة دكتور ميكو تومي من جامعة هلسنكي -المعروف بمساعدته في اكتشاف كوكب بروكسيما سنتوري ب- بعض الظواهر الغريبة في هذا النجم. إذ وجدوا أن أقصى سرعة دوران تحدث عند خطوط عرض 37-40 درجة. ويدور خط الاستواء أبطأ، ثم أبطأ أكثر عند القطبين.

قال تومي: «نجحنا في تطبيق تقنية إحصائية طُوّرت حديثًا على بيانات النجم (هيركليز V889) الذي دُرس في جامعة هلنسكي لسنوات. لم نتوقع رؤية هذا الشذوذ في دوران النجم. يشير ذلك إلى أن فهمنا للديناميكا النجمية والحقول المغناطيسية غير كافٍ».

استخدم الفريق التقنية ذاتها لاكتشاف طريقة دوران النجم (إل كيو هيدرا)، وهو نجم أقل حجمًا من الشمس بنسبة 20%، لكن بنفس عمر النجم هيركليز V889. ولا يمكن تمييز طريقة دورانه تقريبًا عن أي جرم في الفضاء، إذ يدور خط الاستواء والقطبان بالسرعة ذاتها. مع ذلك يظن الباحثون أنه من المحتمل أن خط الاستواء يدور أسرع بفارق ضئيل جدًا، لكننا نفتقر إلى القدرة على رصد ذلك.

تُتبعت حركة النجمين على مدار 30 عامًا بواسطة تلسكوبات مرصد فيربورن، وهي تلسكوبات بحجم تلسكوبات الهواة، لا التلسكوبات العملاقة المستخدمة عادةً في علم الفلك، هذه التلسكوبات المتواضعة لا يمكنها رصد البقع النجمية من تلك المسافة، لكنها تعوض ذلك بواسطة الملاحظات طويلة المدى التي رصدت تغير السطوع في هذه المدة.

اختار تومي وفريقه منحنيات في البيانات تُشير إلى أوقات وجود البقع النجمية أساسًا في أجزاء من النجم. ومع تسجيل بيانات الآلاف من دورات النجمين في غضون 30 عامًا، استمد الباحثون عينة كبيرة من البيانات للعمل عليها.

قال تومي: «من المدهش أنه حتى في عصر المراصد الفضائية العظيمة -مثل هابل وجيمس ويب- أمكننا الحصول على معلومات أساسية عن الفيزياء الفلكية النجمية باستخدام تلسكوبات أرضية صغيرة بقطر 40 سم».

اقرأ أيضًا:

اكتشاف نظام نجمي ثلاثي والصور مذهلة

الكشف عن أكثر من 900,000 مجرة ونجم وثقب أسود في أضخم خريطة رُصدت بالأشعة السينية للكون

ترجمة: محمد إسماعيل

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: باسل حميدي

المصدر