عادةً تُشبَّه المجرات ببصمات الأصابع، إذ من المستحيل وجود مجرتين متطابقتين من النواحي كافة، ولكن في عام 2013، رصد الباحثون مجرتين تتشابهان بنسب عالية جدًا؛ ما أدى إلى تساؤلات عدة في علم الفلك.
حديثًا، توصل العلماء إلى إجابة عن هذه التساؤلات، قد تساهم في كشف كثير من أسرار المادة المظلمة.
كان عالم الفلك في جامعة شاوني تيموثي هاميلتون أول من رصد المجرة، منذ نحو عشر سنوات، في أثناء تحليله لبيانات مستخرجة من تيلسكوب هابل؛ ما أدى إلى تسميتها بجرم هاميلتون ( Hamilton’s object).
ما فاجأ الباحث هو التشابه العالي بين المجرتين، إذ ظهر هذا التشابه بأعلى نسبه في المنطقة الوسطية التي توجد فيها معظم النجوم، ويقول هاميلتون: «كان الأمر مفاجئًا للغاية، إذ ظننت أنهما مجرتان متداخلتان في بعضهما. ورغم عدم توافق البيانات مع هذه النظرية، فإنني لم أجد أي تفسير آخر«.
ولكن في عام 2015، اقترح الفلكي ريتشارد غريفيثس من جامعة هاواي نظرية أخرى، تتمثل بظاهرة عدسة الجاذبية (gravitational lensing).
تحدث هذه الظاهرة عند اصطفاف أجرام فلكية كبيرة في الفضاء. في حال وجود جرم كبير بيننا وبين جرم بعيد، تحدث هذه الظاهرة التي تؤدي إلى حدوث تكبير بسبب انحناء نسيج الزمكان حول الجرم الكبير.
إن الضوء القادم يعبر من طريق هذا الانحناء، ما يؤثر فيه، وتباعًا، تصلنا البيانات متأثرة بزوايا معينة نسبةً إلى حركة الضوء عند عبوره. إضافةً إلى ذلك، قد تصلنا الصور أكبر وبتكرار أكثر.
هذه النظرية تناسبت مع البيانات، خصوصًا بعد رصد غريفيثس لمجرة وصلتنا بتكرار بسبب عدسة الجاذبية أيضًا.
رغم أن النظرية تناسبت من النواحي كلها مع البيانات، بقي مصدر الانحناء في نسيج الزمكان غير معروف، لذا قام غريفيثس وفريقه بدراسة لإيجاد جرم كبير كافٍ لإحداث هذا الانحناء، ونجح الفريق في ذلك، إذ رُصد عنقود مجري ضخم موجود بيننا وبين جرم هاميلتون يؤدي إلى حدوث عدسة الجاذبية.
أظهرت دراسات عدة أن جرم هاميلتون يبعد عنا نحو 11 مليار سنة ضوئية، أما العنقود المجري موجود على بعد 7 مليار سنة ضوئية.
المجرة المتمثلة بجرم هاميلتون هي مجرة حلزونية ضلعية، تتشكل النجوم فيها عشوائيًا.
أظهرت المحاكاة الحاسوبية التي أُجريت بأن الصور المكررة لا يمكن ظهورها إلا في حال كانت المادة المظلمة موزعة بتناسق وعدم تكتل.
وتحدثت الباحثة الفلكية جيني واغنر من جامعة هايدبيرغ في ألمانيا قائلة» :إن المذهل في هذا الاكتشاف هو مقدرتنا على التعرف على شكل توزع المادة المظلمة في تلك المنطقة«.
وأضافت: «في هذه الدراسة، لا نستعمل أية محاكاة للعدسة. كل ما علينا فعله هو مقارنة البيانات من الصور المكررة، ومن طريق قدرتنا على الربط بينهما يمكننا معرفة نسبة المادة المظلمة التي يجب أن تكون موجودة في هذه المنطقة«.
من ناحية نظرية، إن وجود المادة المظلمة يقترح بأنها تربط الكون ببعضه بعضًا، من مجرات إلى عناقيد مجرية ونجمية. من المرجح أن الصورتين المتشابهتين ظهرتا بسبب تموج في الزمكان سببه جاذبية المادة المظلمة التي تربط هذه الأجرام ببعضها.
وعلى الرغم من كل هذه البيانات والنظريات، فإن الجدال حول المادة المظلمة لا يزال دائرًا، إذ لا توجد بيانات عن مكونات هذه المادة أو عن الجسيمات التي تُشكلها. لذا فإن هذه الدراسة تُعد ذات أهمية كبيرة في هذا المجال الفلكي، وقد تساعد على حل هذا اللغز.
واختتم غريفيثس حديثه قائلًا: «إننا لا نعلم أي شيء عن المادة المظلمة سوى أنها موجودة، وأنها نوع من المادة».
وأضاف:«لذا فإننا لا نعلم كيفية تحركها أو تأثيرها في محيطها. جل ما نعلمه هو أنها تمتلك كتلة، وأنها تتعرض لقوة الجاذبية. إن نسبة تكتل وكثافة وجود المادة المظلمة قد تعطينا فكرة عن الجسيم الذي يشكلها، إذ إن تكتلًا أصغر للمادة المظلمة يعني بأن الجسيم كبير نسبيًا«.
اقرأ أيضًا:
واحدة من أروع أطروحات آينشتاين تمكننا من رؤية ما يحدث في مجرةٍ ما في الأوقات المبكرة من عمر الكون
ترجمة: محمد علي مسلماني
تدقيق: إيناس خير الدين
مراجعة: حسين جرود