يُسمِع بعض الآباء أولادهم موسيقى كلاسيكية قبل ولادتهم آملين أن يزيد ذلك من سعة أطفالهم الإدراكيّة لاحقًا في حياتهم، ورغم أنَّ بعض الباحثين يؤيّدون فكرة وجود رابط بين التعرّض للأصوات قبل الولادة وتطوّر وظيفة الدماغ، فلم يحدّد العلماء أيّ بنية مسؤولة عن هذه العلاقة خلال تطور الدماغ.
دراسة جديدة أجراها علماء أعصاب في جامعة ميريلاند (University of Maryland) هي الأولى التي تشرح آلية وجود رابط مبكّر كهذا بين الصوت والوظيفة الإدراكيّة ويدعى ذلك بـ(تأثير موزارت – Mozart effect)، ووثّقت دراسات سابقة حدوث نشاط دماغي استجابة للأصوات في مراحل مبكّرةٍ من تطوّر الجنين، لكن لم يتم تحديد من أيّ مناطق الدماغ تأتي هذه الإشارات.
بالعمل على نماذج حيوانيّة، اكتشف الباحثون في هذه الدراسة ولأوّل مرّة نوع الخلايا الذي يوجد في المنطقة التي تعالج أولى المعلومات التي يتلقّاها الدماغ خلال المراحل الباكرة من التطوّر مما يزودنا برؤيةٍ جديدةٍ حول التطوّر الحسي الباكر للثدييات، وقد نشرت هذه الدراسة في دوريّة (The Proceedings of the National Academy of Sciences).
رصد فريق البحث -وللمرّة الأولى- وجود نبضاتٍ عصبيةٍ محرضةٍ بالأصوات في عصبونات تحت الصفيحة (Subplate Neurons)، عصبونات تحت الصفحية هي أولى العصبونات التي تشكّل القشرة المخيّة -التي تتحكم بالوظائف الدماغية العليا كالتجريد والإدراك والذاكرة واللغة- خلال التطوّر، كما تساعد هذه العصبونات على تشكيل الدارات العصبية، ويعتقد أنَّ دورها مؤقّت فسرعان ما تتموّت بعد تشكّل داراتٍ عصبيّةٍ دائمةٍ، وافترض الباحثون سابقًا أنَّ هذه العصبونات ليس لها أي دور في النقل الحسي نظرًا لوظيفتها البنيويّة المؤقّتة.
وبحسب مؤلف الدراسة فإن هذه هي الدراسة الأولى التي تقترح وجود دور للعصبونات تحت الصفيحة أكثر من كونها مجرّد جسرٍ بين الوطاء والقشرة المخيّة مشكّلةً بنية الدارات العصبية المستقبليّة، بل تُشكّل قالبًا يعالج وينقل المعلومات قبل تفعيل الدارات العصبية.
ومن خلال تحديدها لمصدر الإشارات العصبية الباكرة، قد تقود هذه الدراسة لطرقٍ جديدةٍ لتشخيص التوحّد والشذوذات الإدراكيّة الأخرى، فالتشخيص الباكر مهمٌ لإجراء تداخلٍ علاجي باكرٍ.
فالآن بعد أن علمنا وظيفة عصبونات تحت الصفيحة في نقل المدخلات الحسيّة، يمكننا أن نبدأ بدراسة دورها في التطوّر بتفصيلٍ أكبر، فما دور الحس في هذه المرحلة الباكرة من التطوّر؟ وكيف يمكن أن تترافق عيوب عصبونات تحت الصفيحة مع التشوهات الإدراكيّة كالتوحّد؟ والعديد من الأسئلة الأخرى التي تحتاج لدراسات أعمق للإجابة عليها.
- ترجمة: عبدالمنعم نقشو
- تدقيق: صهيب الأغبري
- المصدر