وُلد نبوخذ نصر الثاني عام 630 ق.م وتُوفي عام 561 ق.م. هو ثاني وأعظم ملوك سلالة بابل الكلدانية، وقد حكم من 605 ق.م حتى 561 ق.م، واشتهر بقوته العسكرية وروعة عاصمته ودوره البارز في التاريخ اليهودي.
كان نبوخذ نصر أكبر أبناء وخليفة نبوبولاسر مؤسس الإمبراطورية الكلدانية، وقد عُرف استنادًا إلى النقوش المسمارية والكتاب المقدس والمصادر اليهودية اللاحقة والمؤلفين الكلاسيكيين، اسمه من اللغة الأكادية نابو كودورو أشور الذي يعني «يا نابو احمِ ولي عهدي».
في حين أن والده قد أنكر أن نسبه ملكي، ادعى نبوخذ نصر أن نارام سين الحاكم الأكادي في الألفية الثالثة هو جده. إن سنة ميلاده غير مؤكدة، لكن من غير المرجح أن تكون قبل 630 ق. م، لأنه وفقًا للتقاليد فإن نبوخذ نصر بدأ حياته العسكرية عندما كان شابًا، ثم أصبح قائدًا عسكريًّا بحلول عام 610 ق. م. وكانت الإشارة الأولى إليه عندما ذكره والده بأنه كان يعمل عاملًا بترميم معبد مردوخ، الإله الرئيسي لمدينة بابل والإله الوطني للبابليين.
في 606-607، بصفته ولي العهد، قاد نبوخذ نصر مع والده جيشًا في الجبال شمال آشور، وقاد لاحقًا عمليات مستقلة بعد عودة نبوبولاسر إلى بابل. بعد هزيمة البابليين على يد المصريين في الفترة بين 605-606، خدم نبوخذ نصر مكان والده بصفته القائد العام للجيش، وبقيادة رائعة دمر الجيش المصري في كركميش وحماه، ومن ثم أحكم السيطرة على سوريا.
بعد وفاة والده في 16 أغسطس عام 605 ق. م عاد نبوخذ نصر إلى بابل واعتلى العرش في غضون ثلاثة أسابيع. إن اعتلاءه العرش سريعًا وحقيقة قدرته على العودة إلى سوريا بعد فترة وجيزة يعكس قوة قبضته على الإمبراطورية.
أدت الحملات في سوريا وفلسطين من يونيو إلى ديسمبر من العام 604 ق. م إلى تلقي نبوخذ نصر طاعة الدول المحلية، بما في ذلك يهوذا، واستولى على مدينة عسقلان. وبوجود المرتزقة اليونانيين بجيوشه، توالت حملات أخرى بهدف إحكام السيطرة البابلية على فلسطين في السنوات الثلاث اللاحقة.
في الكرَّة الأخيرة (600-601) اشتبك نبوخذ نصر مع الجيش المصري ما أدى إلى خسائر فادحة، إذ لحق ذلك الانعكاس انشقاق عدد من الدول التابعة، ويهوذا من بينها، ما أدى إلى توقف الحملات السنوية عامي 599-600، واستقر نبوخذ نصر في بابل لإصلاح خسائره في المركبات.
استُؤنفت إجراءات استعادة السيطرة في نهاية 598-599 (من ديسمبر إلى مارس)، قد ظهر التخطيط الاستراتيجي لنبوخذ نصر في هجومه على القبائل العربية في شمال غرب شبه الجزيرة العربية؛ استعدادًا لاحتلال يهوذا. هاجم يهوذا بعد ذلك بعام واستولى على القدس في 16 مارس 597 ق. م، وأبعد الملك يهوياكين إلى بابل. بعد حملة قصيرة أخرى على سوريا في الفترة 595-596، اضطر نبوخذ نصر إلى التحرك نحو شرق بابل لصد غزو محتمل الذي ربما يكون من عيلام، جنوب غرب إيران حاليًا. تصاعدت التوترات في بابل نتيجة لتمرد أواخر عام 594-595 الذي شارك فيه عناصر من الجيش، لكنه تمكن من إخماد ذلك التمرد بنجاح كبير بما يكفي لشن حملتين أخريين في سوريا عام 594.
لا يُعرف المزيد عن النشاطات العسكرية لنبوخذ نصر من السجلات التاريخية الموجودة ولكن من مصادر أخرى، لاسيما الكتاب المقدس الذي يسجل هجومًا آخر على القدس وحصار صور -الذي استمر 13 عامًا وفقًا للمؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس- يلمح لغزو مصر. انتهى حصار القدس باحتلالها وذلك في عام 586-587 وترحيل المواطنين البارزين، الذي تبعه ترحيل آخر عام 582، وقد اتبع في هذا الصدد أساليب أسلافه الآشوريين.
تأثر نبوخذ نصر كثيرًا بالتقاليد الإمبراطورية الآشورية، واتبع سياسة التوسع مدعيًّا أن مردوخ قد منحه الملكية العالمية، واستنادًا إلى الآثار المسمارية، كان معلومًا أنه حاول غزو مصر؛ تتويجًا لسياسته التوسعية في عام 567-568.
إضافةً إلى أن نبوخذ نصر كان قائدًا استراتيجيًا لامعًا، فقد كان أيضًا بارزًا في الدبلوماسية الدولية، كما هو واضح في إرساله سفيرًا -ربما كان نبونيد، أحد خلفائه- للتوسط بين الميديين والليدين في آسيا الصغرى.
توفي في عام 561 وخلفه ابنه أميل مردوخ، أو أفيل مروخ كما ورد في كتاب الملوك الثاني من الكتاب المقدس.
كان نشاط نبوخذ نصر الرئيسي -بجانب القيادة العسكرية- إعادة بناء بابل، إذ أكمل التحصينات التي بدأها والده ووسّعها، وحفر خندقًا عظيمًا وجدار دفاع خارجي جديد ومهّد الطريق الاحتفالي بالحجر الجيري وأعاد بناء وتزيين المعابد الرئيسية وحفر القنوات، ولم يفعل ذلك من أجل تمجيده فقط وإنما تكريمًا للآلهة. قد ادعى أنه «الشخص الذي وضع في فم الناس تبجيل الآلهة العظيمة»، وقلل من شأن أسلافهم الذين بنوا قصورًا في أماكن أخرى غير بابل ولم يسافروا إليها إلا للاحتفال بعيد رأس السنة.
لا يُعرف إلا القليل عن حياته العائلية، فبخلاف التقاليد التي تزوج بها أميرة ميدية، التي سعى للتخفيف من حنينها إلى جبال وطنها الأصلي، فأنشأ حدائقَ تشبه التلال. لا يمكن تحديد الهيكل الذي يمثل الحدائق المعلقة في النصوص أو البقايا المسمارية.
مع الدور المصيري الذي أداه في تاريخ يهوذا، فإنه يُنظر له في التقليد اليهودي نظرة إيجابية في الغالب، فقد زُعم أنه أعطى الأوامر لحماية إرميا الذي أعدّه أداة الرب التي يحرم عصيانها، وعبّر حزقيال عن رأي مماثل في الهجوم على صور. يظهر موقف مماثل لنبوخذ نصر، كأداة الرب ضد الظالمين، في أبوكريفا في عزرا 1 (أبوكريفا: مصطلح يُستعمل للإشارة إلى نصوص دينية غير موثقة وغير معترف بها من الأكثرية الدينية)، وكحامٍ يُصلّى من أجله في باروخ. وفي دانيال (في العهد القديم)، وفي بيل والتنين (في أبوكريفا) يظهر نبوخذ نصر كرجل خدعه في البداية مستشارون سيئون، ويرحب بالوضع الذي تكون فيه الحقيقة منتصرة والرب يبرر له.
لا يوجد دعم مستقل للتراث في دانيال عن جنون نبوخذ نصر لسبع سنوات، إذ من المحتمل أن القصة نشأت من تفسير خيالي لاحق للنصوص المتعلقة بأحداث في زمن نبونيدوس، الذي أظهر غرابة واضحة في هجر بابل لعقد من الزمن للعيش في شبه الجزيرة العربية.
في العصر الحديث، عومل نبوخذ نصر على أنه فاتح ملحد إلى حد ما، إذ حدثت مقارنة بينه وبين نابليون. جُسدت قصة نبوخذ نصر في أعمال فنية، فهي الموضوع الرئيسي لأوبرا نابوكو لجوزيبي فيرد، وموضوع لوحة نبوخذ نصر لويليام بيلك.
اقرأ أيضًا:
الفيلسوف الفرنسي لوي ألتوسير: سيرة شخصية
روزا لوكسمبورج، حياتها وأعمالها ونشاطها الثوري
ترجمة: علي ابراهيم
تدقيق: مصطفى شحاتة