عندما نتحدث عن السرعات العالية، قد تتبادر إلى أذهاننا سرعة الصوت، التي تبلغ عند مستوى سطح البحر 1238 كيلومترًا في الساعة. هذه السرعة تحديدًا لا يمكنك بلوغها إلا إذا كنت طيارًا أو بطلًا خارقًا. بالصعود إلى النظام الشمسي، وصولًا إلى نبتون بالتحديد، تنطلق الرياح لتسجل سرعات خيالية تبلغ 2000 كيلومتر في الساعة، وهي السرعة القصوى للرياح المسجلة في النظام الشمسي على الإطلاق.
إذن ما سبب تلك السرعة العالية للرياح على نبتون؟ ما العامل الأساسي الذي يحدد سرعة الرياح؟
إنها الشمس، النجم الذي تتبعه كواكب المجموعة الشمسية. تتحكم أشعة الشمس في الرياح على الأرض. من المعروف أن كوكب الأرض هو ثالث الكواكب بُعدًا عن الشمس. أما نبتون فهو الثامن، ويبعد عن الشمس 30 ضعف بُعدها عن الأرض. تبلغ المسافة بين نبتون والشمس 4.5 مليار كيلومتر.
نتيجةً لهذا البعد، فإن أول ما سنفترضه أن الرياح غير موجودة على نبتون. إلا أن الكون الغريب لا يلتزم بالقوانين التي نضعها. في الواقع، توجد الرياح على نبتون، وهي أقوى مما نتوقع.
عمالقة الجليد
تختلف كواكب المجموعة الشمسية عن بعضها من حيث البنية المكونة لكل منها. صنف العلماء الكواكب وفقًا لطبيعة تكوينها إلى:
- الكواكب الصخرية: وتضم الأرض والزهرة وعطارد والمريخ. يغلب على تكوين بنية هذه الكواكب المعادن، وصخور السيليكا، وسطحها الخارجي صلب البنية.
- العمالقة الغازية، وتضم المشتري وزحل وأورانوس ونبتون، وسميت بالعمالقة لضخامتها.
أكبر هذه الكواكب هو المشتري، مع ذلك لا يُعد نبتون صغير الحجم. إذ يبلغ قطره 24622 كيلومترًا، أي إنه أكبر من الأرض بأربعة أضعاف. أُدرج تصنيف العمالقة الغازية في التسعينيات، لكن لاحقًا أدرك العلماء اختلاف كوكبين من هذه الفئة عن الكوكبين الآخرين. ففي حين أن العامل المشترك بين الكواكب الأربعة هو افتقارها إلى قشرة خارجية صلبة، يتكون زحل والمشتري من الهيدروجين والهيليوم، في حين يغلب على تكوين أورانوس ونبتون عناصر أثقل، ويحيط بكل منهما غلاف سميك يحوي ثلجًا ذائبًا مع بلورات الأمونيا والميثان، وتعلو هذا الغلاف طبقة خارجية من الهيليوم والهيدروجين والميثان، ويملك كل كوكب نواة يُعتقد أنها صخرية، بحجم الأرض.
وعلى هذا أدرج العلماء صنفًا جديدًا من الكواكب هو «عمالقة الجليد»، يضم كوكبي نبتون وأورانوس.
نبتون: كوكب أزرق ضخم
تختلف ألوان العمالقة الجليدية، ما يسهل تمييزها، إذ يتميز أورانوس بلون بين الأزرق والأخضر، أما نبتون فيغلب عليه اللون الأزرق.
يرجع ذلك إلى سحب الميثان في الغلاف الجوي لكلا الكوكبين، إذ تمتص الأشعة الحمراء وتعكس الزرقاء، لكن ذلك لا يفسر كون نبتون أكثر زرقةً بوضوح، من التفسيرات المحتملة لذلك وجود عنصر آخر غير معروف في الغلاف الجوي لنبتون.
مع أن نبتون هو أبرد كواكب النظام الشمسي، فقد تبين أنه يطلق حرارةً إلى الفضاء أكثر مما يتلقاه من الشمس، وذلك أحد التناقضات الكبيرة التي يتسم بها نبتون، إذ يبدو أشبه بالمشتري وزحل، على عكس أورانوس الذي لا يبث حرارة إلى الفضاء.
يُفترض أن سبب الرياح العاتية على نبتون هو الانخفاض الكبير في درجة حرارة غلافه الجوي، التي تصل في بعض الأجزاء إلى -218 درجة سيليزية.
عام 1989، زارت المركبة الفضائية فويجر2 كوكب نبتون، وصورت عاصفة بيضوية الشكل تعبر بسرعة 13000 كيلومتر بالساعة، سُميت «البقعة المظلمة العظيمة»، وقد اختفت عام 1994 بالتزامن مع التقاط تلسكوب هابل العديد من الصور. وُثقت 12 عاصفة مشابهة على نبتون، وأشار بحث نُشر عام 2019 إلى أن العواصف في نبتون تستمر 2-6 سنوات. مقارنةً بعاصفة «البقعة الحمراء العظيمة» الموجودة على كوكب المشتري منذ 1830 على الأقل، تُعد عواصف نبتون قصيرة الأمد.
نبتون وأقماره وأسماؤها الغريبة
نبتون مليء بالغرائب، إذ يمتلك هذا العملاق الجليدي 14 قمرًا، اكتُشف آخر قمر منهم عام 2013 وأُطلق عليه اسم «الحصين» أو حصان البحر، تيمنًا بالوحش المائي المذكور في الأساطير اليونانية القديمة. ولأن نبتون نفسه هو اسم إله البحر في الأساطير الرومانية، فقد قرر علماء الفلك تسمية أقماره بأسماء أسطورية تتعلق بالآلهة اليونانية أو الرومانية، أو أسماء تتعلق بالمحيط عامةً.
أكبر قمر يدور حول نبتون هو ترايتون، وهو ابن بوسيدون في الأسطورة، وحجمه أكبر من بلوتو القزم، بقطر يبلغ 2700 كيلومتر. القمر ترايتون هو أكبر أقمار النظام الشمسي، والوحيد الذي يمتلك مدارًا عكسيًا، إذ يدور حول كوكبه عكس اتجاه دوران الكوكب حول نفسه. ويحتوي ترايتون على ينابيع فوارة نشطة.
فُقدت العديد من الأقمار التي كانت تتجول حول نبتون بمرور الزمن. إلا أننا نعرف أن نبتون يملك -إضافة إلى المشتري وزحل وأورانوس- نظام حلقات خاص به، حدد علماء الفضاء خمس حلقات حول نبتون، وخلف هذه الحلقات توجد كتل مدارية غبارية البنية، مظلمة وخافتة. هذه الكتل هي رُفات قمر دُمر قديمًا بطريقة ما، ويُفترض أن حلقات نبتون نشأت بعد ظهور كوكب أورانوس.
كوكب نبتون والتنبؤات
نبتون كوكب بعيد جدًا، من الصعب تمييزه بالعين المجردة، عكس سائر كواكب المجموعة الشمسية. مع بداية القرن الثامن عشر لاحظ علماء الرياضيات وجود قوة تجذب كوكب أورانوس، مصدرها كوكب نبتون بعواصفه المؤقتة ولونه الأزرق، أي إن نبتون قد اكتُشف باستخدام الرياضيات. عام 1846، تمكنّا للمرة الأولى من رصد نبتون باستخدام التلسكوب، وكان مطابقًا تمامًا للتوقعات. لكن أمرًا غريبًا لفت انتباه العلماء: انحراف الكوكب عن مساره المفترض في أثناء دورانه حول الشمس.
تميل الفرضيات الحديثة إلى اعتبار كل من أورانوس ونبتون مصدرًا للأحجار الكريمة، إذ يُفترض تشكل الألماس في كلا الكوكبين تحت الغلاف الجوي حيث الضغط العالي والحرارة، ومن المحتمل أن الألماس يتساقط على شكل أمطار تاركًا خلفه جزيئات الميثان في الغلاف الجوي.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: رهف ابراهيم
تدقيق: جنى الغضبان